الأستاذ لشهب يونس
المدير العام
الجنـسية : المزاج : الـبـلـد : نوع المتصفح : الهواية : المهنة : الجنس : الْمَشِارَكِات : 21381 العمر : 29 تاريخ التسجيل : 01/02/2009 السٌّمعَة : 751 نقاط : 1041653 توقيع المنتدى :
| موضوع: حقّاً .. ما ألذَّ المدح والثناء ! الجمعة ديسمبر 16, 2011 9:41 am | |
| حقّاً .. ما ألذَّ المدح والثناء ! |
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله
يا طالبَ العلمِ : فكِّر في مجالٍ (غيرِ العلمِ) لتُحَقِّقَ النَّجَاحَ والرِّضَا ، فما ألذَّ (ثناء النَّاس)!
مَدْخَلٌ : يا طالبَ العلمِ : سَبَقَ المُثَقَّفُون ، وأنتَ قاعدٌ بين دَفَّاتِ الكُتُبِ ، تراجعُ - يا مِسكينُ - مسائلَ المذهبِ ، وتصحيحاتِ ابن رجب ، واختيارات ابن تيميَّة ، وتعليقات الذهبيِّ ، ودُرَرِ ابن القيِّم ، وتحقيقات الشاطبيِّ ، ترجيحات ابن عثيمين ، وتؤرِّقُكَ قضيَّةُ " نَفْعِ النَّاس" بالوعظِ والتعليمِ ! دونَكَ الأسهلُ المفيدُ
أين زميلُكَ محمَّدٌ ؟
قد كانَ معك ذاهباً آيباً إلى حِلَقِ العِلْمِ ؛ لكنَّه نشط من عِقَالِه ، فقرأ كتابَيْنِ ثقافِيَّيْنِ ، وبدأ يكتُبُ في صحيفةٍ ، بزاويةٍ مُلْفِتَةٍ ، هنئياً له المالُ والشُّهْرَةُ !
أين رفيقُكَ خالدٌ ؟ كم قد سمرتَ معه الليلَ ، وأنتما تقرآن كتاباً في الآداب ، وتتذاكرانِ المحفوظ من المسائلِ ؛ لكنَّهُ فاقَك عقلاً ؛ وجالسَ غيرَ العلماءِ ؛ فأيقنَ أنَّ شيوخَه قد بلغا من التحجُّر غاية ، ورفعا للتشدُّدِ راية ؛ فراجعَ كلاماً للعلماء ، ثمَّ حبَّرْ مسائلَ في العِلمِ غريبَة ، وبحثَ أقوالاً تراها مُريبَة ، فنامَ طالِباً واستيقظَ مُرَجِّحاً ، وأضحى - بين الرُّعاعِ - مُزَكَّى بالعلمِ مُمَدَّحاً ؛ لخروجِه عن المألوفِ بأنواعٍ من الأدلِّة ، وإشباعِ رغباتِ النَّاسِ بالأقوالِ المُسْتَلَّة ، هنئياً له السُّمْعَةُ والشُّهرَةُ !
لولا المشقَّةُ سادَ النَّاسُ كُلُّهُمُ ** [ فابحَثْ غَرائبَ عِلْمٍ تَحْظَ بالرُّتَبِ] أرأيتَ كيفَ عَرَفُوا السبيل ، وتركوا الثقيل ؟!
فالأمرُ لا يحتاجُ سوى كلماتٍ تحفظُها ، وأراء تتصوَّرُها ؛ فلا تلبث أن تكونَ كاتبَ " منتدى " ، فـ" صحيفةٍ إلكترونيَّةٍ " ، فـ" صحيفةٍ سيَّارةٍ "، وستكون ذا صِيْتٍ ، وذِكْرٍ حَسَنْ عمَّا قريبٍ ، فماذا قدَّمتْ لك دراسةُ العلومِ الشَّرعيَّةِ والمسائلِ ؟! عناءٌ لا ينقضي !
وإيَّاكَ ، وأن تحافظَ على اسمكَ "طالب علمٍ " ؛ فقد أضحى لقباً غيرَ مرغوبٍ فيه ، ولا مأسوفٍ على استبدالِهِ ، وعليكَ بـ "مُثَقَّفٍ " ، أو " باحثٍ في الشُّؤون..." ، أو "كاتب " ، أو " أستاذ" . هذا إن كنتَ لم تنَلْ لقبَ الدكتوراة ، أمَّا إن تَدَكْتَرتَ ؛ فلا تَنْمْ حتَّى تعلِّقَ على سريرِ نومِكَ : "سريرُ الدُّكتور". ولا تنسبْ نفسَكَ لمدرسةٍ أبداً ، وإن كنتَ ذا وفاءٍ ؛ فادعُ لمن كان له فضلٌ عليك ، أما أن تُفْصِحَ عن كونِكَ درستَ على شيوخٍ ليس لهم إلاَّ "حرامٌ " و " حلالٌ " = فنسبةٌ غيرُ مناسبةٍ لما أرشِدُكَ إليه !
والآن ماذا تنتظرُ يا طالبَ العلمِ ؟ رصيدُكَ البنكيُّ قليلُ المالِ ، عليكَ ديونٌ ، لا يأتي آخرُ الشَّهرِ إلاَّ وأنتَ تقترضُ ، وإن كنتَ ذا مالٍ ؛ فلا تكملُ لذَّةُ المالِ إلاَّ بلذَّةِ الثَّناء فدونَكَ ما أوصيتُكَ به .
واجعلْ " النِتَّ " هجِّيراكَ ورفيقَك ، وترقَّبْ كلَّ ساعةٍ تعقيباتِ المعقِّبين ، وتعليقاتِ القارئين ، وانظرْ في ردودِهم ؛ فإن وجدَتَ نفسَكَ ممدوحاً ، مشهوداً لك بِرُقِّيَ القَلَمِ = فاكتُبْ ، واجعلْ بجوارِ ما تكتبُ صورةً لك ، مع استحسانِ تهذيبِ اللحيةِ ما استطعتَ ؛ لتكونَ أجملَ ، وأبعدَ عن وصفكَ بالتديُّنِ المتشدِّدِ . واحرصْ على الإغرابِ ما استطعتَ ، وغُصْ في الأفكارِ ، واحفظْ أسماءَ أولادِ "اللوجيا" ، أتعرفُهم ؟ الآيدلوجيا ، والسِّيكولجيا ، والأنتولوجيا ، وإخوانها وأخواتها، وأتقنْها كإتقانِ جَدَّتِكَ أسماءَ أولادِ "الدُّوْل" : الفيفادول ، والبندول، والأدُوْل ؛ فيَقْبُحُ بكَ أن تكتبَ مقالاً دونَ التعريجِ على أحدِ أولادِ هذه العائلةِ ، فتضعف عند قُرَّائكَ الثِّقةُ الثقافيَّةُ بكتاباتِك .
هذا طريقٌ سَلَكَه غيرُ واحدٍ من زملائنا ممن عرفناه طلبَ العلم ، قد حقَّقَ ما يريدُ ، وتلذَّذَ بثناء النَّاسِ ، ومدائحهم ؛ فهو الكاتبُ الأديب ، والمثقَّفُ اللَّبيبِ ؛ فهنئياً له اللذَّةُ والشُّهرَةُ!
وبَعْدُ:
بهذه الخواطِرِ ، أو بوصايا غير الموفَّقينَ جنحَ بعضُ طلبةِ العلمِ إلى هذه السبيلِ الغاويةِ ، فأسقطَ نفسَه في الهاويَة ، قبل رسوخِ القدم ، وهي مِنْ ضُرُوبِ الاستعجال ، ونتائج الشَّهوةِ الظَّاهِرَةِ لا الخفيَّةِ .
حقّاً .. ما ألذَّ المدح والثناء !
إنَّ في القَلْبِ ثغرةً لا يسدُّها إلاَّ الثناءُ والمدحُ ؛ لكنَّ المحرومَ يتعجَّلُ سدَّ هذه الثغرةِ بطلبِ مدحِ النَّاسِ له ، ولو أشركَ باللهِ .
والموفَّقُ مَنْ يدَّخِرُ سدَّها ليومِ الجزاءِ ؛ ليسمعها كِفاحاً مِنْ ربِّه ، ويطلبُها في الدُّنيا من أبوابِها ، وذلكَ بذكرِ اللهِ في نفسِه ، فيذكره اللهُ في نفسِه ، ويقومُ من الليلِ مصلِّياً ؛ فيحظى بمباهاةِ اللهِ له ملائكتَه ، ويذكرُ ذنباً فتمطر عينُهُ ، فيثني عليه ربُّه ويرضى عنه ، وهكذا في تنقُّلٍ بين أصنافِ العباداتِ مستصحباً الإخلاصَ ، والصِّدقَ ، والصَّبرَ ؛ مجاهِداً النَّفْسَ في أن يقعَ في أضدادِها ، مُؤثراً لذَّةَ ثناءِ النَّاسِ بما هو أعظمُ لذَّة ، وأشرحُ قلباً ، وأزكى حياةً ، وهو ثناءُ اللهِ ، ورضاهُ ، ومحبَّتُه . وإذا أردتَ أن ترى مقدارَ الفرقِ بين طمعك فيما عند النَّاس ، وطمعك فيما عند اللهِ ، فانظرْ حالَكَ حينما تُذَم بما تستحقُّ ، كيفَ هو الهمُّ والضَّنكُ الذي يلحقُك ؟ وأنتَ تعصي اللهَ ، وتسوِّفُ بالتَّوْبَةِ ، ولا تدري : آللهُ راضٍ عنكَ أم ساخِطٌ ، ولا تسعى لرؤيةِ اللهِ من نفسِكَ خيراً من توبةٍ ، ونَدَمٍ ، وإصلاحٍ ، فكيفَ تدَّعي أنَّكَ تريدُ اللهَ والدَّارَ الآخرَة ، ولا يجتمعُ في قلبٍ إخلاصٌ وحُبُّ محمدةِ النَّاسِ إلاَّ غلبَ أحدُهما الآخرَ وأحرقَه ، ومَنْ لمْ يَجعِلِ اللهُ له نوراً فماله من نُوْرٍ !
الخميس 19/7/1431 هـ .
للشيخ ابو ريان من ملتقى أهل الحديث
| | |
|