القول الفصل في حكم بناء القبب على القبر
* * * *?بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول رب العالمين محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، أما بعد,
فإن المتأمل في هذا الزمان والمطلع على واقع المسلمين يجد أمورًا يندى لها الجبين، وخاصة إن كانت من أعظم ذنب عصي الله به، أو سبيل موصل إليه، وهو الشرك بالله تعالى، وهل أرسل الرسل ونزلت الكتب إلا لتحقيق العبادة لله وحده لا شريك له، وإبطال ما سواه من الأنداد، (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ( [النحل: 36]، هذا وإن من الطرق الموصلة للشرك بناء القبب على القبور، وهو طريق وسبيل إلى عبادتها أو الاستشفاع بها عند الله، عياذًا بالله من ذلك.
ولهذه الأسباب وغيرها جاءت فكرة طرح هذا المختصر عن بناء القبب على القبر وحكمها في الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والسلف الصالح عنها والعمل تجاهها، عسى الله أن ينفع كاتبها وقارئها.
معنى القبة في اللغة: القُبَّةُ من البناء: قيل هي البناء من الأَدَم خاصًَّةً، مشتقٌّ من ذلك، والجمع قُبَبٌ وقِبابٌ. وقَبَّبها: عَمِلَها. وتَقبَّبها: دَخَلها، وبيتٌ مُقَبَّبٌ: جُعِلَ فوقه قُبَّةٌ؛ والهوادجُ تُقَبَّبُ. وقَبَبْتُ قُبَّة، وقَبَّبْتها تَقبيبًا إذا بَنَيْتَها. وقُبَّةُ الإِسلام: البَصْرة، وهي خِزانة العرب(?).
والمقصود في بحثنا هذا هو ما بُنِيَ على قبل الميت من الأبنية.
وعن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله (؟ ألا أدع قبرًا مشرفًا إلا سويته، ولا تمثالاً إلا طمسته»(?).
قال الإمام الشوكاني في شرحه لهذا الحديث: «... ومن رفْعِ القبور الداخل تحت الحديث دخُولاً أوليًا القبب والمشاهد المعمورة على القبور، وهو مِن اتخاذ القبور مساجد، وقد لعن رسول الله ( فاعله، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن رسول الله (: «لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»(?).
واستشار رجل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن يبني فسطاطًا على ميت له، فقال له: «لا تفعل، إنما يظله عمله»(?).
وعن أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما أنهما ذكرتا للنبي ( كنيسة رأينها بأرض الحبشة، وذكرتا حسنها، وتصاوير فيها، فقال النبي (: «إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا وصوَّروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة»(?).
وروى حرب الكرماني عن زيد بن ثابت أن ابنًا له مات, فاشترى غلام له جَصًا وآجُرًا ليبني على القبر، فقال له زيد: حفرتَ وكفرت، أتريد أن تبني على قبر ابني مسجدًا ؟ ونهاه عن ذلك (?).
وعن أنس ( قال: «كنت أصلي وهناك قبر، فقال عمر بن الخطاب: القبر القبر! فظننته يقول: القمر، وإذا هو يقول: القبر، أو كما قال»(?).
وقد قال ابن القيم رحمه الله: «وأبلغ من ذلك: أن رسول الله ( أمر بهدم مسجد الضرار، ففي هذا دليل على هدم ما هو أعظم فسادًا منه كالمساجد المبنية على القبور، فإن حكم الإسلام فيها أن تهدم كلها حتى تسوى بالأرض، وهي أولى بالهدم من مسجد الضرار، وكذلك القباب التي على القبور يجب هدمها كلها؛ لأنها أسست على معصية الرسول؛ لأنه قد نهى عن البناء على القبور؛ فبناءٌ أُسِسَ على معصيته ومخالفته بناءٌ محرم وهو أولى بالهدم من بناء العاصب قطعًا»(?).
سائلاً المولى أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
|