●♥♥ مدينة درج الليبية ♥♥●

مدينة درج الليبية







تقع
مدينة درج إلى الشرق من مدينة غدامس على بعد 100 كم في نطاق الوحدة
الجيوموفولوجية الكبري للحمادة الحمراء في منطقة ترتفع نحو 494 مترا فوق
مستوى سطح البحر ، تتخللها عدة أودية بفروعها . وتحيط بدرج مناطق صحراوية
سهلة مكونة من صخور مفتتة وتربة رملية جيرية نتيجة الترسبات المائية
والهوائية ، ومناخها صحراوي ، يبلغ معدل سقوط الأمطار السنوي 26 ملم ،
وسجلت اكبر كمية سقوط أمطار في شهر الربيع ( مارس ) 1974 حيث بلغت 60.5
ملم ، وتقل الحياة النباتية في المنطقة حيث تغلب عليها النباتات الصحراوية
نظراً لموقعها على مشارف الحمادة الحمراء التي يتخللها بعض الأودية أهمها
تدروت ، حركات ، مغرغر، ميمون وأوال.
يعتمد
الأهالي في درج على الزراعة والرعي وتشتهر المنطقة بوفرة أشجار النخيل ،
بالإضافة إلى زراعة الخضروات التي كانت تكتفى بها المنطقة ذاتيا ، ويعود
الفضل في ذلك إلى المصادر المائية الموجودة في درج ، وأهمها :
1.
عين تيط " وتوجد في وسط الواحة لوادي تيط ونتيجة لردم وضمور العين الأصلية
ظهرت منابع صغيرة على طول امتداد مجرى الوادي والعين ذات إنتاجية ضعيفة
وتستغل هذه المياه في سقى الحيوانات وبعض الأشجار الموجود على امتداد
الوادي ( ) .
2. عين تنبزين ، وهي تقع في وسط درج وهي "
عبارة عن قناة مائية تحت الارض مسقوفة ، توجد بها غرف تفتيش موزعة على
مسافات مختلفة لاستخدامها في صيانة وتنظيف القنوات ، وتتصل هذه القنوات
بالمصدر الرئيسي للمياه الذي يبعد عن خزان تجميع المياه بحوالي 3كم حيث
تتجمع المياه بالمناطق المنخفضة عبر المرتفعات وتنساب المياه من خلال هذه
القنوات إلى خزان تجميع المياه وتوزيعها على المزارع "
وهناك
عيون أخرى بدرج منها عين ابن علي وعين الساهلة وعين القياد ...الخ كما
تـوجد بعض المصادر المائية التي تستخرج منها المياه عـن طـريق الشادوف (
الخطارة) في السابق .
لم تمدنا المصادر التاريخية بأي
معلومات عن تأريخ نشأة مدينة درج ، كما لم نجد لها أي إشارة لها في كتب
الجغرافيا والرحلات القديمة وتذكر الروايات المتواترة بين أهل درج ، أن
اصل تسمية البلدة بهذا الاسم يعود إلى أن البلدة تدرجت في عمرانها من مكان
إلى أخر عبر القرون ، فأخذ الاسم من التدرج ، ويذكرون أن البلدة الأصلية
الأولى كانت بين موضع يعرف " بعتبة القصيبة " وأثرها موجود بين درج وبلدة
تقطة حالياً وموقع يعرف الآن بالآذان ، تم استقرت في موضعها الحالي . وهذا
التفسير يحاكى تفسيرات أخرى لبعض أسماء المدن في ليبيا التي تعتمد على
الأساطير الشعبية"( ) .


وصف المدينة : ـ
مدينة
درج مدينة يحيط بها سور ، وتتخلله ثلاثة أبواب وهي باب سيدي بدر من الغرب
وباب سيدي إبراهيم وباب المكاس من الجنوب ، ومن أهم مبانيها القصر الذي
يقع في الجانب الجنوبي الشرقي من المدينة ، ويبدو أن هذا القصر هو أول
المباني القديمة ، إذ أن اغلب المدن القديمة في المنطقة والمناطق المجاورة
تبتدئ عادة بإنشاء القصر الذي يجد فيه السكان الأمن والحماية وعندما يزداد
عدد السكان ويضيق القصر بهم يقوم الأهالي ببناء البيوت الجديدة وتكون
ملاصقة له ، وهكذا تمتد البيوت حتى يكتمل بناء مساكن المدينة وطرقها
ومساجدها وأسواقها ، ويحيطونها بسور وبذلك يكتمل بناء المدينة وتكون في
مجملها مدينة محصنة ، ليسهل الدفاع عنها تتكون أغلب بيوت درج من طابقين ،
وقد استعملت الحجارة الصغيرة والملاط ( الجبس ) في تشييد مبانيها ،
واستخدمت جذوع النخيل وجريده في التسقيف وكانت الأبواب والنوافذ من جذوع
النخل أيضاً .
ولما كانت درج واقعة في منطقة صحراوية
شديدة الحرارة في الصيف بالإضافة إلى هبوب العواصف الرملية في فترات
مختلفة ، فقد لجأ أهلها الى بناء أزقة ضيقة متعرجة مغطاة في بعض الأحيان
لتوفير ظلا في فصل الصيف وتحمى المدينة من العواصف الرملية ، في حين توفر
المساحات غير المسقوفة الضوء والتهوية .
لجأ البناءون في
درج إلى استخدام الأقواس لتتحمل ثقل مواد البناء ، كما استخدموا الموارد
المتوفرة محلياً لحمل ثقل الأسقف ، فاستغلوا جذوع النخيل لتكون مساند
للكتلة البنائية للأسقف

وتضم المدينة مجموعة من المساجد القديمة أهمها : ـ
1. جامع سيدي بدر .
2. جامع ساسي بن مسعود .
3. جامع القياد .
4. الجامع العتيق .
5. جامع أولاد لطيف.
يبدو
أن جامع سيدي بدر هو أقدم مساجد درج إذ أن محرابه يتجه نحو الجنوب بينما
تتجه محاريب المساجد الأخرى باتجاه الجنوب الشرقي . وجامع سيدي بدر يحاكى
في طرازه معمار مسجد درار الغدامسي بغدامس الذي يعود إلى القرن الثاني
الهجري . ويدل هذا العدد من المساجد على كثافة السكان بالمدينة في السابق .
تحيط
بالمدينة أربعة أبراج ( قصبات ) برج في كل جهة ، والغرض منها مراقبة
المناطق المحيطة بالمدينة ورصد تحركات المغيرين وحراسة ممتلكات أهلها ،
وقد بنيت بالحجارة الصغيرة والملاط ، شكلها دائري ، ويبلغ ارتفاع كل منها
بين 5 ، 6 أمتار وهذا النمط من الأبراج التي تستعمل للمراقبة كثيرة الشيوع
في جبل نفوسة وان بنى أغلبها على شكل مربع ، واستخدمت المواد المتوفرة
المحلية في بنائها .


وقد
اكتسبت درج أهميتها لوقوعها على أحدى طرق القوافل التجارية" التي تتوجه
نحو الجنوب مارة بالمراكز... الكبيرة ـ نالوت ، سيناون ، درج ـ للوصول إلى
غدامس وكانت المسافة تستغرق سبعة أيام "( ) . تضم درج عدة أسواق أهمها
السوق الذي يعرف باسم سوق السودان أو ( سوق غات ) وكان موقعه غربي المدينة
، تعرض به البضائع التي تجلبها القوافل من الشمال والجنوب . وهناك ساحتان
بالمدينة تعرف الأولى " بساحة تيقة " والأخرى تسمى " ساحة المكاسى "
وتستعملان كأسواق للمدينة إذ تحيط بساحة تيقة مجموعة من الحوانيت ويستغل
الفضاء الذي يتوسطها للمقايضة والبيع والشراء.


تتميز
الحياة في درج بإيقاعها الهادي البسيط نظراً للاستقرار والهدوء السائد في
المنطقة ، والأهالي في حياتهم يعتمدون على حرفتي الزراعة والرعي ، كما
اشتهرت المنطقة بالصناعات التقليدية التي اعتمدت على المواد الأولية فيها
، وأهم منتوجاتها الأطباق والحصر والمراوح وأواني الطعام الجاف المصنوعة
من سعف النخيل وقد بلغ الحرفيون درجة عالية من المهارة تنم الألوان عن
الذوق الفني الرفيع .
لقد
ارتبطت الحياة بدرج بما تنتجه الأرض ، فقد كانت النخلة مصدر رزقهم ، فمنها
كان غذاؤهم ، ومنها كانت أغلب أوانيهم ومن جذوعها صنعت أبواب المدينة
وقنوات المياه ووسائل استخراجها من العيون والآبار واستفاد الأهالي من
الأغنام فاتخذوا من لحومها وألبانها غذاء ، واستغلوا أصوافها في صناعة
الملابس والمفارش والأغطية ، واستفادوا من جلودها في صناعة الأحذية
الرجالية والنسائية والسروج ، واستخدموها في حفظ الماء ونقله بواسطة القرب
والدلاء ، كما صنعوا منها بعض حليها وغيرها .
لقد
ساهمت هذه المنتوجات في ازدهار حركة تجارة القوافل في درج " ومنذ انهيار
حركة القوافل تضاءلت التجارة مع قبائل الجبل كثيراً ، وهي التي كانت يوما
ما دعما هاما لمختلف المحاصيل المزروعة "( ) .وكان هناك نشاط تجاري محدود
بين درج ونالوت وغيرها من المدن في أوائل القرن العشرين إذ كانت درج تحصل
على الأواني الفخارية وزيتون الزيتون والتين في مقابل التمور التي تشتهر
بها درج وبعض صناعاتها التقليدية .
أن مدينة درج التي
عاشت مع الصحراء وقسوتها في الماضي قد هجرت وانتقل أغلب سكانها إلى
المباني الحديثة التي شيدوها في المنطقة المجاورة لدرج القديمة ومع ذلك
تشعر بالحنين إلى الماضي في أحاديث أهلها منهم قوم يعشقون تراثهم وينسجمون
معه لذلك تنظم مدينة درج في خريف كل عام مهرجانها الدولي للفنون والتراث .





المراجع : ـ
1.
جاك تيري . تاريخ الصحراء الليبية في العصور الوسطى ، ترجمة جاد الله عزوز
الطلحي ، منشورات الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والأعلام ، مصراته ـ
ليبيا 2004 م .
2. د.ج ـ ماتينغلي ، منطقة طرابلس في
العهد الروماني ، ترجمة د . محمد الطاهر الجراري ، د . محمد عبد الهادي
حيدر ، منشورات المركز الوطني للمحفوظات والدراسات التاريخية ، الجماهيرية
العظمى ، 2009 .
3. سعيد علي حامد . درج الخضرة والعمران
وسط الصحراء . مجلة تراث الشعب ، السنة العاشرة العدد الثاني 1990 ، تصدر
عن مكتب التراث والفنون باللجنة الشعبية العامة للأعلام ، الجماهيرية
العظمى .
4. عبد العزيز طريح شرف . جغرافية ليبيا ، الإسكندرية ، 1963 م .
5. كتاب تاريخنا من عصور ما قبل التاريخ ، إعداد مجموعة من الأستاذة ، دار التراث ، جنيف .
6. المخطط العام لبلدية غدامس ـ إعداد بولسيرفيس ، المجلد 4 تقرير رقم 7 ، 1980.
7. نشرة " درج بين الماضي والحاضر " إعداد المؤتمر الشعبي الأساسي درج ، 1985 .
8.
نور الدين مصطفي الثنى . أنظمة توزيع مياه العيون القديمة بمنطقتي الجبل
الغربي وغدامس ، دراسة ميدانية نشرت ضمن كتاب " المجتمع الليبي 1835 ـ
1950 " أعمال الندوة العلمية الثامنة التي عقد بمركز جهاد الليبيين في
الفترة من 26 ـ 27 / 9 / 2000 . تحرير محمد الطاهر الجراري ، منشورات مركز
جهاد الليبيين للدراسات التاريخية ، الجماهيرية العظمى ، 2005 م .