[b][b][b][b][size=16][b][b][b][b][b][b][size=24][b][size=16][size=16][b][b][b][b][b][b][b][b][b][b][size=18][b][size=24][b][size=16][size=16][b][b][b][b][b][b][b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/size][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/size][/size][/b][/size][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/size][/size][/b][/size][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/size]
استقامةُ اللسان استقامةٌ للجوارح
وأول دلائل الاستقامة وأعظم مظاهرها وأبهى صورها؛ استقامة اللسان.. ولم لا؟ واستقامته استقامة للجوارح فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا".[1]
فإن قيل: فكيف نجمع بين هذا الحديث وما ورد عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ - وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ -: "إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلاَ وَهِي الْقَلْبُ".[2]
قلت: لا تعارض بين الحديثين؛ فإن القلب هو ملك الجوارح واللسان رسوله وترجمانه، وبكلامه يستدل على ما في القلب من خير وشر، وإيمان وكفر، وكما قيل المرء مخبوء تحت لسانه.
قال الطيبي: وهذا لا تناقض بينه وبين خبر: "إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ... ". إلى آخره لأن اللسان ترجمان القلب وخليفته في ظاهر البدن فإذا أسند إليه الأمر فهو مجاز في الحكم كقولك سقى الطبيب المريض الدواء قال الميداني: المرء بأصغريه قلبه ولسانه أي تقوم معانيه بهما. قال الشاعر:
لسان الفتى نصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدم [3]
قال ابن رجب:
فأصلُ الاستقامةِ استقامةُ القلب على التوحيد، كما فسر أبو بكر الصِّديق وغيرُه قولَه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾ [فصلت: 30] بأنَّهم لم يلتفتوا إلى غيره، فمتى استقام القلبُ على معرفةِ الله، وعلى خشيته، وإجلاله، ومهابته، ومحبته، وإرادته، ورجائه، ودعائه، والتوكُّلِ عليه، والإعراض عما سواه، استقامت الجوارحُ كلُّها على طاعته، فإنَّ القلبَ هو ملكُ الأعضاء، وهي جنودهُ، فإذا استقامَ الملك، استقامت جنودُه ورعاياه، وكذلك فسَّر قوله تعالى: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ﴾ بإخلاص القصد لله وإرادته وحدَه لا شريكَ له. وأعظم ما يُراعى استقامتُه بعدَ القلبِ مِنَ الجوارح اللسانُ، فإنَّه ترجمانُ القلب والمعبِّرُ عنه، ولهذا لما أمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بالاستقامة، وصَّاه بعدَ ذلك بحفظ لسانه، وفي "مسند الإمام أحمد" عن أنس رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتَّى يستقيم قلبُه، ولا يستقيمُ قلبُه حتى يستقيمَ لسانُه".[4]
ومعنى تُكَفِّر اللسان تذل وتخضع له من قولهم كفَّر اليهودي إذا خضع وطأطأ رأسه وانحنى لتعظيم صاحبه.
قال الغزالي:
المعنى فيه أن نطق اللسان يؤثر في أعضاء الإنسان بالتوفيق والخذلان فاللسان أشد الأعضاء جماحاً وطغياناً وأكثرها فساداً وعدواناً ويؤكد هذا المعنى قول مالك بن دينار رضي الله عنه إذا رأيت قساوة في قلبك ووهناً في بدنك وحرماناً في رزقك فاعلم أنك تكلمت فيما لا يعنيك.[5]
[1] رواه الترمذي- كتاب الزهد باب حفظ اللسان، حديث: 2389، ورواه البيهقي- في الشعب، فصل في فضل السكوت عن كل ما لا يعنيه، حديث: 4725 بسند حسن
[2] رواه البخاري- كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه- حديث:52، ورواه مسلم- كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات- حديث: 3081
[3] فيض القدير - 1/286
[4] جامع العلوم والحكم 1/205، والحديث رواه أحمد- حديث:12819، وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت، باب حفظ اللسان وفضل الصمت حديث:9، والبيهقي في الشعب - باب الدليل على أن التصديق بالقلب، حديث:8 بسند حسن
[5] فيض القدير 1/286 بتصرف يسير