خطبة الجمعة - الخطبة 0465 ـ خ1 : الوقاية من الإيدز - خ2 : سُرعة التئام الجروح عند الأسماك.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1993-12-24
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله ثمّ الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا
أن هدانا الله، وما توفيقي، ولا اعتصامي، ولا توكّلي إلا على الله، وأشهد
أن لا إله إلا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقرارًا
لرُبوبيَّته، وإرغامًا لمن جحد به وكفر، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى
الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ما اتَّصَلَت عين بنظر، وما
سمعت أذنٌ بِخَبر.
اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك
على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى
يوم الدّين، اللَّهمّ ارْحمنا فإنّك بنا راحِم ولا تعذّبنا فإنّك علينا
قادر، والْطُف بنا فيما جرَتْ به المقادير، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير،
اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدْنا علمًا، وأرنا الحقّ
حقًّا وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا
ممَّن يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه، وأدْخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها
الإخوة الكرام، تَتْميمًا للموضوع السابق حول موضوع مرض الإيدز الإنسان
أيها الإخوة رُكِّب كما قال الإمام عليّ كرَّم الله وجهه مِن عَقْل
وشَهوة، في حين أنّ الملَكَ ركّب من عقل دون شَهوة، وأنّ الحيوان ركِّب من
شهوة دون عقل، وأنّ الإنسان ركِّبَ من كِلَيْهما، فإن سما عقله على شهوته
أصبح فوق الملائكة، وإن سمَتْ شهوته على عقله أصبح دون الحيوان، لذلك هذه
الشهوة التي أوْدَعها الله في الإنسان، وقد ذكرتُ لكم في الأسبوع السابق
أنّها حِياديَّة، إما أنّها درجاتٍ نرقى بها، وإما أنَّها دركاتٍ نهوي
بها، إما أنَّها قِوَى محرِّكة، وإما أنّها قِوَى مُدَمِّرة، على كلٍّ في
الإنسان شهواتٌ أوْدعها الله فيه.
القرآن الكريم عبَّر عنها أحيانًا
بالهَوَى، لذلك لو تتبَّعنا الآيات الكريمة التي ذكرتْ الهوى لرأينا العجب
العُجاب، فالله سبحانه وتعالى يقول في سورة طه:
﴿ وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81)﴾
[ سورة طه ]
أي
سقط، فهَوَى يَهْوي بمَعنى سقط يسقط، والعجيب أنّ هذا الفعل يُستعمل تارةً
للسقوط، وتارةً للميل فينبغي ان نفْهم أنّ الهوىَ بِمَعنى المَيْل ربّما
تطابق مع السُّقوط، والإنسان لأنْ يسقط من السماء إلى الأرض أهْوَنُ من أن
يسقط من عين الله، وسُقوط الإنسان أيْ هلاكهُ.
الله
سبحانه وتعالى في آية من سورة النجم بيَّن أنّ هؤلاء الكفار، هؤلاء
المعرضون إن يتّبعون إلا الظنّ وما تَهوى الأنفس، فالإنسان أيها الإخوة
إما أن يقودهُ عقلهُ، وإما أن يقودهُ هواه، وليس هناك حالة ثالثة، إما أن
يتَّبِعَ الهوى، وإما أن يتَّبِعَ العقل، العقل يدلُّه على الله، العَقل
يأمرُهُ بِطَاعة الله، والعمل للآخرة، بينما الهوى يأمرُه أن يفعل كلّ
شيءٍ يقضي شَهوتهُ ولذَّتهُ ولو كان عُدْوانًا، أو بَغْيَا أو طُغيانًا،
فهؤلاء الكفار يقول الله عنهم: إنّ يتَّبعون إلا الظنّ أيْ تصوُّراتهم غير
صحيحة عقيدتهم غير صحيحة، فلْسفتهم غير واقِعِيَّة، وهذا هو الظنّ.
فيا أيها الإخوة، الإنسان ينبغي أن تبلغ عقيدته درجة اليقين، قال تعالى
﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)﴾
[ سورة التكاثر ]
أما
إذا ظنَّ ظنًّا، والظنّ لا يُغني من الحق شيئًا، فهناك وهْمٌ، وهناك شكّ،
وهناك ظنّ، وهناك غلبة ظنّ، وهذه كلّها لا تُغني من الحق شيئًا، وبعد علم
اليقين هناك حقّ اليقين، وبعد حقّ اليقين هناك عَين اليقين، فإذا رأيْتَ
دُخانًا وراء جدار عِلْمُ اليقين يقول لك لا دُخان بلا نار، فإذا رأيْتَ
النار بأمِّ عَينِك، رأيْتَ عَيْن النار، فضلاً عن آثارها وهي الدخان فهذا
هو حق اليقين، فإذ لمسْت النار، واحترقَت يدُك بها فهذا هو عين اليقين،
ينبغي أن تكون دائرة عقيدتك في علم اليقين وحقّ اليقين، وعين اليقين، أما
الوهم والشكّ، وأما الظنّ غلبة الظنّ، فكلُّ هذا لا يُغني من الحقّ شيئًا،
قال تعالى:
﴿ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ﴾
[ سورة النجم ]
الذي يُحرّكهم أوهام ليْسَت واقعيَّة، وشهوات دنيئة مسْتعرة تغلي في نفوسهم، هذا وصْفٌ دقيق لِخَالق الكون عن الكفار.
أيها
الإخوة الكرام، الصّفة الأولى التي وصف بها الله نبيَّه عليه الصلاة
والسلام هي إنَّ لعلى خلق عظيم، أما كلامهُ، فقد وصفه الله عز وجل بأنَّه
لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فنحن بني البشر إما أن ننطق عن الحق
الذي أنزلهُ الله من السماء، إما أن تنطق بآيةٍ، أو حديث صحيح، بِحُكمٍ
شرعي، بِحَقيقة ساطعة كوْنيَّة، وإما أن تنطق عن الهوى والنبي عليه الصلاة
والسلام في كلّ أطواره وفي كلّ أحواله، في غضبه وفي رضاه، وفي ضيقه وفي
وُسعته لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
أيها الإخوة الكرام، في سورة النازعات آيةٌ كريمة، وهي قوله تعالى:
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)﴾
[ سورة النازعات ]
قال
بعض المفسِّرين مقام الله عز وجل أيْ وُقوف العبد بين يدي ربّه يوم
القيامة، لذلك ترى المؤمن ما من موقف يقفهُ إلا ويسأل نفسهُ ؛ ما جوابك
لله إذا وقفْت بين يدي الله عز وجل ؟!
أيها
الإنسان تحرَّك كيفما شئت، ولكن هيِّئ لرَبِّكَ جوابًا عن كلّ موقفٍ
وحركة، وعن كلِّ سكنةٍ، عن كلّ إنفاق، وعن كلّ منْعٍ، عن كلّ عطاء عن كلّ
حتم، أيُّ موقفٍ تقفهُ ينبغي أن تُهَيِّئ لله تعالى مَوْقفكَ، وجوابًا قال
تعالى:
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ﴾
[ سورة النازعات ]
أي مقامه بين يدي الله عز وجل حين الحِساب، قال تعالى:
﴿ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)﴾
[ سورة النازعات ]
أيْ
أنَّ النفس أمارة بالسوء، فلو أنَّ النفس أتْبعْتها ما تشتهي لوَقَفْتَ
يوم القيامة أمام ربِّك موقفًا صعْبًا، أما لو نهَيْتَ نفسكَ عن الهوى،
ووضَعْتَ مُيول النفس الدنيئة تحت قدمك، وخفْتَ مقام ربّك، وخفْتَ أن تقف
بين يديه لِتُسأل عن كلّ شيء فإنّ الجنّة هي المأوى، لذلك من حاسب نفسهُ
في الدنيا حسابًا عسيرًا كان حسابه ُيوم القيامة يسيرًا، ومن كان حسابهُ
لنفسه يسيرًا كان حسابه يوم القيامة عسيرًا، قال تعالى:
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ﴾
[ سورة النازعات ]
أي وقوفه بين يدي الله عز وجل، وقال تعالى:
﴿ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)﴾
[ سورة النازعات ]
أيها
الإخوة الكرام، إما أن تتَّبِعَ الهوى، وإما أن تتَّبِعَ ما يُمليه عليك
عقلك، والعقل المطلق متطابق مع النقل الصحيح، فإذا فكَّرْتَ تفكيرًا
صحيحًا تنتهي إلى نتائج متطابقة مع الأمر الذي جاء به النبي عليه الصلاة
والسلام والنهي الذي نهى عنه، أما العقل الجامح قد يتناقض مع النقل
الصحيح، وأما النقل غير الصحيح يتناقض مع العقل الصحيح.
أيها الإخوة الكرام، وربّنا سبحانه وتعالى في سورة الكهف ينهانا ويقول:
﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28)﴾
[ سورة الكهف ]
هذا
الذي يتَّبِعُ هواه ليس أهلاً أن تسأله، ولا أن تسْتشيره، ولا أن
تسْتنصِحَهُ، ولا أنْ تعرِضَ عليه مشكلتك، ولا أن تهتدي بِرأْيِهِ، فإنَّه
لا رأْيَ له، كان أمْرهُ فرطًا، والغفلة هنا أيُّها الإخوة تُقاسُ على
أشياء كثيرة، قال تعالى:
﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)﴾
[ سورة الصف ]
إزاغَةُ
الله لقُلوبهم إزاغةٌ جزائيَّة مَبْنِيَّة على زَيْغٍ اختياري، وإذا
عُزِيَ الإضلال إلى الله عز وجل فهو الإضلال الجزائي، الذي أساسه ضلال
اختياري، وكذلك أغفلنا قلبه عن ذِكرنا، هذا الإغفال الجزائي الذي يُبنى
على غفلةٍ اختياريّة، قال تعالى:
﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28)﴾
[ سورة الكهف ]
وفي آية ثانية، في سورة طه، قال تعالى:
﴿ فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16)﴾
[ سورة طه ]
أيْ
تسْقط، كلُّ الآيات التي تأتي فيها كلمة الهوى تُشير إلى الشهوات التي لا
ترضي الله عز وجل، ثمّ إنّ الله يبيِّنُ أنّ هذا الذي يتَّبعُ الهوى لقد
جعل من الهوى إلهًا له يعبدُه من دون الله، قال تعالى:
﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43)﴾
[ سورة الفرقان ]
هذا
الذي يتحرَّك وفْق أهوائه المنحرفة، هذا الذي يقف أيّ موقف في ضوء أهوائه
الضالة، وهذا الذي يعطي عن هوى، ويمنع عن هوًى، يُسرُّ عن هوًى، ويغضبُ عن
هوًى، هذا الذي يُسيِّرُه الهوى كيفما شاء كأنّه اتَّخذ الهوى إلهًا له،
ثمّ إنّ الله سبحانه وتعالى في سورة القصص يبيِّنُ أنَّه ما من إنسان على
وجه الأرض أشدّ ضلالاً وانحرافًا وعمًى من الذي اتَّبَعَ هواه بغير هُدًى
من الله عز وجل، في هذه الآية إشارةٌ إلى أنّ هذه المُيول التي أوْدعها
الله فينا، إلى أنّ هذه الشهوات التي غرزها الله في نفوسنا، لو أنَّنا
تحرَّكنا من خلالها وفْق شرْع الله عز وجل ومنهج الله لا شيء عليه، فلو
أنّ حُبّ المال أوْدَعَهُ الله في كلّ إنسان، لو أنّ هذا الحبّ أفرغَهُ في
قناةٍ شرعيَّة، وهي العمل الشرعي، الكَسب المَشْروع، أوْدَعَ الله في
الإنسان حبّ النّساء، لو أنّ هذا الحبّ أفْرغَهُ في قناة الزواج النظيفة،
التي تبني المجتمع، لا شيءَ عليه، هذا معنى قوله تعالى:
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾
[ سورة القصص ]
أي
أنّ الميْل قد يكون قوَّة تبني، أنّ الشهوات قد تكون أساسًا لِرُقِيِّنا
إلى ربّ الأرض والسماوات، ولكن بِشَرط أن تتَّبِعَ الهوى وفْق منهج الله
تعالى، وتتِمَّة الآية:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾
[ سورة القصص ]
وهناك علاقة وشيجة بين طرفي الآية، فهذا الذي يتَّبعُ هواه بغير هدًى من الله لا بدّ من أن يظلم، قال تعالى:
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)﴾
[ سورة القصص ]
" وفي سورة الأنعام يقول الله عز وجل:
﴿ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا﴾
[ سورة الأنعام ]
الحقّ
لا يتبدَّل ولا يتعدَّد، فهذا الذي يكذب بآيات الله هذا في ضلال مبين،
إذًا كلّ تعليماته، وكلّ إرشاداته، وكلّ آرائه، وكلّ تصوُّراته، ضلال في
ضلال قال تعالى:
﴿ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا﴾
[ سورة الأنعام ]
لأنه ما بعد الحق إلا الضلال، ما بعد التكذيب بالآيات إلا الضلال العميم.
أيها الإخوة الكرام، وفي سورة الجاثية، يقول الله سبحانه وتعالى:
﴿ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)﴾
[ سورة الجاثية ]
وكأنّ
الذي يعلم لا يتَّبعُ الهوى، وكأنّ الذي لا يعلم يتَّبع الهوى، وكأنّ بين
العلم والهوى تناقضًا بمَعنى وُجود أحدهما ينقض الآخر، قال تعالى:
﴿ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)﴾
[ سورة الجاثية ]
لا
يعلمون إذًا لهم أهواء، لو أنّهم يعلمون لخْضعوا أهواءهم لمنهج الله عز
وجل، أما أن ينطلق الإنسان من شهواته، ومن أهوائه، دون أن يتقيَّد بِمَنهج
الله عز وجل النّهاية وخيمة جدًّا، إنّها إفسادٌ للسماوات والأرض ومن
فيهنّ، أليْسَت الأجواء ملوّثة ؟ أليْسَت طبقة الأوزون مخلْخَلة ؟ أليْسَت
مياه البحار ملوَّثة ؟ أليْسَت النباتات ملوّثة بهذه المُبيدات ؟ أليْسَت
حياتنا كلّها تشكو التلوّث ؟ أليْست العلاقات الإنسانيّة تشكو التلوّث ؟
هذا هو الفساد، قال تعالى
﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾
[ سورة المؤمنون ]
فالبشريَّة
إما أن تنطلق من أهوائها فهي تنتحر باختيارها، وحينما تقول: القارة
الإفريقيّة، وبعض القارات الأخرى على وشك الهلاك بِفِعل هذا المرض الذي
تحدَّثتُ عنه في الأسبوع السابق، إنّهم قد اتَّبعُوا أهواءهم فهَلَكوا،
قال تعالى:
﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾
[ سورة المؤمنون ]
ألَيْسَت
المجتمعات الغربيَة قد انتهَتْ منها الأسرة ؟ انتَهَتْ منها العلاقات
النظيفة، أليْسَ هذا التمزّق والتفتُّت والضياع والشقاء الإنساني بِفِعْل
المخدّرات ؟ وبِفِعل الانحرافات ؟ وبفعل هذه الأمراض الوبيلة ؟ أليْسَت هي
ثمرة اتِّباع الهوى ؟ قال تعالى:
﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾
[ سورة المؤمنون ]
هذه الآية في سورة المؤمنون.
ويا أيها الإخوة الكرام، كَمِقْياسٍ دقيق، يقول الله سبحانه وتعالى:
﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾
[ سورة القصص ]
فالإنسان بين موقفَيْن، إما أن يستجيب للحق، وإما أنَّه يتَّبِعُ الهوَى، فإن لم يسْتجِب للحق، فهو يقينًا يتَّبعُ الهوى قال تعالى:
﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾
[ سورة القصص ]
يا
أيها الإخوة الكرام، الهوى في القرآن الكريم وردَ في أكثر الآيات مذمومًا
إلا في آيةٍ واحدة، وهي دُعاءٌ ورد على لٍسان سيّدنا إبراهيم:
﴿ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)﴾
[ سورة إبراهيم ]
أحيانًا
يأتي الهوى بِقَرينةٍ تدلّ على أنَّه المَيْل إلى الحق، المَيْل إلى إنصاف
الناس، والمَيْل إلى طاعة الله، وهذا يؤكِّدُه قوله تعالى:
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾
[ سورة القصص ]
أي
لو أنّ هذا الهوى ما رسخ في الإنسان بالطريقة التي شرعها الله عز وجل لا
شيء عليه، لذلك ورد في بعض الأحاديث الصحيحة فقد روى الإمام مَالِك
((عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ أَنَّهُ
أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ
بِالْكَلِمَةِ مَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي نَارِ
جَهَنَّمَ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يُلْقِي
لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا فِي الْجَنَّةِ))
[ رواه الإمام مالك ]
((
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ حَكَيْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رَجُلًا فَقَالَ مَا يَسُرُّنِي أَنِّي حَكَيْتُ رَجُلًا
وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ
صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ وَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا كَأَنَّهَا تَعْنِي
قَصِيرَةً فَقَالَ لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ بِهَا مَاءَ
الْبَحْرِ لَمُزِجَ))
[ رواه الترمذي ]
((
عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ
الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى
اللَّهِ ))
[ رواه الترمذي ]
الكيّس
أي العاقل من دان نفسه، يعني ضبط جوارحهُ، ضبط شهواته، ضبط ميولهُ، قنَّنَ
مُيوله وفْق شرع الله، ووفق منهج الله، هذا هو العاقل وعمل لما بعد الموت،
وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ
الأماني، والله سبحانه وتعالى لا يتعامل مع عباده بالأماني، لا يتعامل
معهم إلا بالسعي الصحيح، قال تعالى:
﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19)﴾
[ سورة الإسراء ]
أما هذا التمنّي كما قال تعالى
﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ﴾
[ سورة النساء ]
فالْكَيِّسُ
مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ
أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الأماني، ومن أدعية
النبي عليه الصلاة والسلام كما روى الترمذي،
((
عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ عَنْ عَمِّهِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ
مُنْكَرَاتِ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ وَالْأَهْوَاءِ ))
[ رواه الترمذي ]
إذًا
ركِّبَ الحيوان من شهوة بلا عقل، في حين أنّ الملَكَ ركّب من عقل دون
شَهوة، وركِّبَ الإنسان من كِلَيْهما، فإن سما عقله على شهوته، قال تعالى:
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)﴾
[ سورة النازعات ]
فإذا سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمَت نفسه على عقله، واتَّبع هواه، وكان أمرع فرطًا، أصبح دون الحيوان.
فيا
أيها الأخ الكريم، وأنت في بيتك، وأنت في عملك، وأنت في الطريق غرائزُك
تدعوك إلى، وعقلك يدعوك إلى شيء، تقول لك الغريزة اُنظر، ويقول لك عقلك
غُضّ الطرْف، تقول لك الغريزة خُذ هذا المبلغ من المال يقول العقل لا
تأخذهُ هذا مالٌ حرامٌ مَشبوه، فدائمًا أنت بين نِداء الشَّهوة ونِداء
العقل، طوبى لِمَن استجاب لِنِداء العقل، وأعرض عن نداء الشهوة واقرَأ
الآيات كلّها تجد أنّ الهوى في معظم الآيات الكريمة ورد في معرض الذمّ،
وأنّ الهوى إذا أطلق انصرف إلى الهوى غير المَشْروع الذي لا يرضي الله عز
وجل.
أيها
الإخوة الكرام،، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن
توزن عليكم، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطّى غيرنا
إلينا فلْنَتَّخِذ حذرنا، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز
من أتْبعَ نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد
لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين، وأشهد أنّ
سيّدنا محمَّدًا عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهمّ صلّ وسلّم وبارك
على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها
الإخوة الكرام، وبعدُ أيُّها الإخوة، من آيات الله الدالة على عظمته، وقد
بيَّنْتُ لكم كثيرًا أنّ التفكّر في آيات الله في كونه أقْصَر طريق إلى
الله وأوْسعُ باب ندخل منه إلى مُعاينَة عظمة الله عز وجل، فهناك فُنون
حربيَّة تُتْقنها الأسماك، الحرب كما تعلمون كرّ وفرّ، وما من حُروبٍ تدور
إلا وفيها قَتلى وجرْحى، وكذلك الأمر لدى سُكَّان البحار، فكم من سمكةٍ
فرَّت وهي تحملُ جراحًا من عضَّة أو نهشةٍ أصابتْها من عدوّها، ولكنّ
الشيء الذي يلفتُ النَّظر أنّ جراح الأسماك سريعًا ما تشفى، سريعًا ما
تلتئِم، في وقتٍ قياسيّ لا يُصدّق، هذا السؤال حيَّر علماء الحيوان !
بعضُ
العلماء عزى هذه الظاهرة، سرعة التِئام جروح الأسماك في وقتٍ قياسي،
وقصيرٍ جدًّا بالقياس إلى التئام جروح الإنسان، عزاه إلى مُلوحة المياه،
ولكنّ هذا التفسير سقط أمام ظاهرة كثيرة، شاهدها علماء البحار بأُمِّ
أعْيُنهم، فعُلماء البحار، وعلماء الأسماك وجدوا من خلال الملاحظة
الدقيقة، أنّ بعض الأسماك إذا ما جُرح يلجأُ إلى أسماك من نوعِهِ،
يتناوَبُ بعضها خلف بعض على الالتِصاق بأماكن الجروح، أسماكٌ تلتصقُ مع
السمكة الجريحة، تأتي الأولى والثانية والثالثة إلى أن يلتئمَ الجُرح،
اعْتَقَد العلماء إلى أنّ هذه الأسماك تفرزُ مواد تُعين على شِفاء الجروح
والتئامها، فما كان من علماء الأسماك إلا أن جاؤوا ببعض هذه الأسماك إلى
مختبرات، ووضَعوها في مياه مالحة، ووضعوها في الشروط نفسها، وأحْدثوا
جرحًا في بعض هذه الأسماك، الشيء الذي يلفتُ النظر ثانيًا أنّ هذه الأسماك
امْتَنَعَتْ عن معالجة زميلتها !! وهي تحت سمْع وبصر العلماء !! وبقي هذا
السرّ دفينًا سنواتٍ طويلة، إلى أن استطاع عالمٌ قضى سنوات طويلة في تحليل
هذه المواد التي تفرزها الأسماك حينما تلتصقُ بِزَميلاتها الجرحى، فإذا
هذه المواد سامَّة وضارَّة ظاهرًا، لكنّ بعضها متخصِّصٌ بِتَخثير الدمّ،
وبعضها يُعين على انقباض الجلد والعضلات، وفي بعضها مادّة لاصقة، يخثّر
الدم أوّلاً، تُشدّ العضلات والجلد ثانيًا، تأتي المادة اللاصقة ثالثا
لتُنهيَ هذا الجرح نهائيًّا، جيءَ بِبَعض هذه المواد ووُضِعَت على جرح
الإنسان فإذا هو يلتئِمُ في ثلث الوقت الذي من عادته أن يلتئم به من عشرة
أيام إلى ثلاثة أيام بتأثير هذه المواد، دون أن يكون لهذه المواد أعراضٌ
جانبيَّة، قال العلماء وكأنّ هذه المواد المتنوّعة بعضها للتخثير، وبعضها
لِشَدّ الجلد والعضلات، وبعضها كمادّة لاصقة، كأنّ هذه المواد تتعاونُ
فيما بينها وتنسِّقُ وظائفها، وكأنَّها واعِيَةٌ هادفةٌ تتعمَّد الوُصول
إلى نتيجةٍ واحدة، ألا وهي سُرعة التئام الجروح.
أيها الإخوة الكرام، هذه الآية الكَوْنيَّة مِصْداق قول الله تعالى:
﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)﴾
[ سورة طه ]
علمٌ
ما بعده علم، وقدرةٌ ما بعدها قدرة، لذلك قال بعض العلماء، كلُّ إنسانٍ لا
يرى من هذا الكون قوَّة هي أقوى ما تكون عليمة هي أعلم ما تكون، حكيمة هي
احكمُ ما تكون، رحيمةً هي أرحم ما تكون، هو إنسانٌ حيّ ولكنَّهُ ميِّت،
ففي كلِّ شيءٍ له آية تدلّ على أنَّه واحدُ، يمكن ان تفكِّر في الأسماك
فترى العجب العُجاب، يمكن أن تفكِّر في الأطيار التي زوَّدها الله برؤيةٍ
تزيد ثمانية أضعاف عن قدرة رؤية الإنسان، يمكن أن ترى طائرًا يقطعُ سبعة
عشرة ألف كيل متر من دون توقّف !! ما هذه الرحلة ؟! تعجزُ عنها أكبر
الطائرات الأرضيَّة.
أيها
الإخوة الكرام، الكون مَظْهرٌ لسماء الله الحسنى، وصفاته الفضلى، يمكن أن
تلْمسَ من خلال الكون أسماء الله الحسنى ؛ قدرته، علمه، رحمته، عدالته،
لذلك القرآن الكريم طافحٌ بالآيات التي تدْعو إلى التفكّر في خلق السماوات
والأرض، قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)﴾
[ سورة فاطر ]
اللهمّ
اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيْت، وتولَّنا فيمن تولّيْت، وبارك
اللّهم لنا فيما أعْطيت، وقنا واصْرف عنَّا شرّ ما قضَيْت فإنَّك تقضي ولا
يُقضى عليك، إنَّه لا يذلّ من واليْت، ولا يعزّ من عادَيْت، تباركْت ربّنا
وتعاليْت، ولك الحمد على ما قضيْت نستغفرك اللهمّ ونتوب إليك، اللهمّ هب
لنا عملاً صالحًا يقرّبنا إليك، اللهمّ أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا
تهنّا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارضَ عنَّا، وأصْلح لنا ديننا الذي
هو عصمة أمرنا، وأصْلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصْلح لنا آخرتنا
التي إليها مردُّنا، واجْعل الحياة زادًا لنا من كلّ خير، واجعل الموت
راحةً لنا من كلّ شرّ، مولانا ربّ العالمين، اللهمّ اكفنا بحلالك عن
حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمَّن سواك، اللهمّ لا تؤمنَّا مكرك،
ولا تهتِك عنَّا سترَك، ولا تنسنا ذكرك، يا رب العالمين، اللهمّ اسقنا
الغيث ولا تجعلنا من القانطين، ولا تعذبنا بفعل المسيئين اللهمّ كما
أقْررْت أعيُنَ أهل الدنيا بِدُنياهم فأقْررْ أعيُننا من رِضوانك، اللهمّ
صُن وُجوهنا باليسار، ولا تبْذلها بالإقتار، فنسأل شرّ خلقك، ونُبتَلى
بِحَمد من أعطى، وذم من منعَ، وأنت من فوقهم وليّ العطاء، وبيَدِكَ وحدك
خزائن الأرض والسماء، اللهمّ إنَّا نعوذ بك من عُضال الداء ومن شماتة
العداء، ومن السَّلْب بعد العطاء، يا أكرم الأكرمين، نعوذ بك من الخوف إلا
منك، ومن الذلّ إلا لك، ومن الفقر إلا إليك، اللهمّ بفضلك ورحمتك أعلي
كلمة الحقّ والدِّين وانصر الإسلام وأعزّ المسلمين، وخُذ بيَدِ وُلاتهم
إلى ما تحبّ وترضى إنَّه على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.
والحمد لله رب العالمين