بسم الله الرحمن الرحيم
آية (10):
*إستعمال الأفعال المسندة إلى الموت : (د.حسام النعيمى)
وجدنا
أنه في أحد عشر موضعاً ورد الموت مع أفعال هي: الموت مع (حضر) ورد في
أربعة مواضع، مع (جاء) ورد في موضعين، مع (يدرك) ورد في موضعين، مع (يأتي)
ورد في موضعين، مع (يتوفى) ورد في موضع واحد. لما ننظر في الاستعمال
القرآني لهذه الأفعال وما ورد في معجمات اللغة نرى أنها متقاربة المعنى
يكاد يكون الذي يجمعها هذا القُرب. لما تقول جاء معناه صار قريباً، حضر
معناه صار قريباً، أتى أيضاً معناها القرب، أدركه معناها القرب، توفاه
أخذه كاملاً معناه قريب منه فلا يكون الأخذ إلا عن قرب، فيها معنى القرب
لكن هل يصلح أن تكون كلمة مكان كلمة؟ لا، لأن كل كلمة لها معناها الخاص
الجزئي فوق الإقتراب بالمعنى الذي جعلها خاصة في هذا الموضع دون موضع آخر.
بصورة موجزة نقول لما ننظر في الآيات التي فيها كلمة حضر نجد معنى القرب
لكن نجد المشاهدة والملامسة أحياناً، إقتراب إلى حد الملامسة، إقتراب
شديد. لما نأتي إلى جاء وأتى مع فارق نجد معنى القرب الشديد وتحقق الوقوع
في جاء وفي أتي في موقع مع الفارق بينهما: جاء يكون العمل فيها أظهر
والعربية أحياناً تراعي الصوت. لما ننظر إلى حروف (جاء) مكونة من جيم وألف
وهمزة، لما ننظر إلى حروف (أتى) مكونة من همزة وتاء وألف فالمشترك بين
الفعلين ألف وهمزة والمختلف جيم وتاء وكلاهما صوت شديد بالتعبير الحديث
يقولون صوت انفجاري يحدث نتيجة إنطباق يعقبه إنفصال مفاجئ في نقطة معينة
في المدرج الصوتي فكلاهما متقارب لكن الفارق أن الجيم مجهور والتاء مهموس.
الجيم يهتز معها الوتران الصوتيان ويكون هذا الصوت أظهر وأنصع وأحياناً من
مخرج واحد أحد الصوتين مجهور والآخر مهموس. التاء والدال من مخرج واحد
لسانك يكون في نفس الموقع لما تقول (قد) تقلقل نجد نوعاً من الرنين لكن
لما تقول (قت) التاء مهموسة ليس فيها الجهر. المجهور أقوى وأظهر ولذلك
نقول جاء أظهر من أتى أو فيه شيء من الجهر والقوة أكثر من أتى.
الإدراك
يكون بمعنى القرب الشديد لكن فيه صورة تشعر بنهاية الفرار من شيء كأنما
هناك فارٌّ ومن يلاحقه إلى أن يدركه فينتهي فراره وأيضاً فيها قرب لما
يدركه ويوقف فراره. أدركه فيها معنى القرب وفيها صورة هارب وهناك من
يلاحقه، من يدركه.
التوفّي: أخذ الشيء وافياً غير منقوص فيه معنى القرب لأن الأخذ يكون قريباً من ما يأخذ. هذه بصورة عامة.
حضر:
حضر يمكن أن تلمس فيها ما هو شديد القرب وشدة القرب ظاهرة في الآيات:
أولاً: في سورة البقرة (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي (133) البقرة) يعقوب
مفعول به مقدم للعناية لأن القصة متوجهة ليعقوب وليس للموت فقدمه للإهتمام
به ثم ذكر الفاعل. إذن حضره الموت وهو يتكلم معناه الموت صار قريباً منه،
شارف على الموت لكن وقوعه لم يتحقق، لم يمت بعد بدليل أنه كان يكلم أبناءه
ويوصيهم فالموصي لم يمت بعد ولم يفقد وعيه بعد. فالموصي إنما يذكر وصيته
أو يؤكدها وهو يرى أنه شارف على الموت أو أن الموت قريب منه لكن وقوعه لم
يتحقق بعد بدليل أنه يتكلم ويوصي.
ثانياً:
(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا
الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى
الْمُتَّقِينَ (180) البقرة) إهتمام بالمتقدم وإبعاد شبح الموت الحقيقي. الآية في الوصية والموصي يكون في وعيه ويتكلم لكن ليس أن الموت اقترب منه.
ثالثاً: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ (106) المائدة) أيضاً الآية في الوصية.
رابعاً:
(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى
إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ
الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ
عَذَابًا أَلِيمًا (18) النساء) التوبة المرفوضة هي التي تكون حين
يشرف الإنسان على الموت ويدرك أنه صار قريباً منه كأن الموت لم يقع بعد
بدليل أنه استطاع أن يتكلم فهو لم يمت بعد. وعلى هذا نقول أن كلمة (حضر)
عندما تأتي مع الموت فيها معنى القرب والمشاهدة وكأنه فيها نوع من التجسيد
للموت كأن الموت حيٌّ يحضر مع من يحضر حوله من أهل الذي ينازع فيشهد هذا
الموت.
جاء:
أما (جاء) ففيه معنى القرب الشديد وتحقق الوقوع. هذا الفعل استعمل في القرآن بهذه الصيغة.
قال تعالى في سورة الأنعام
(وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً
حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ
لاَ يُفَرِّطُونَ (61)) مجيء الموت هنا معناه وصول عمر الحيّ إلى نهايته
فكأن الموت يخبر بهذه النهاية وتقدير الكلام: إذا جاء قضاء الموت على
الحيّ توفت روحه الملائكة أي أخذتها وافية غير منقوصة. (جاء أحدكم الموت)
أي اقترب منه ووقع حدث الموت. استوفت الملائكة روحه فيه القرب الشديد
وتحقق الوقوع.
وفي سورة المؤمنون
(حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99)) قد
يقول قائل هم يتكلم ما أدركه الموت، كلا. الكافر يقول رب ارجعون بعد قبض
روحه، الرجوع إلى الدنيا يريد أن يرجع إلى الدنيا بعد أن يخرج من الدنيا
فإذن هنا معناه (جاء أحدهم الموت) أي اقترب منه وتاله وفارقته الروح. عند
ذلك لما يرى ما يرى من هول الحساب يبدأ يقول رب ارجعون. طلب الرجوع إنما
يكون لمن فارق الحياة وليس لمن هو في هذه الدنيا. موضعان في القرآن ورد
فيهما (جاء) فيهما معنى المفارقة، مفارقة الروح.
يدرك:
في سورة النساء
(أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ
مُّشَيَّدَةٍ (78)) الآية كأنما تصور من ينتقل من مكان إلى آخر هرباً من
الموت والموت يسعى وراءه حتى يدركه أينما كان ولو كان متحصناً في بروج
مشيدة قوية الجدران محكمة الأبواب. لما يدركه يكون قريباً منه ويقبض بعد
ذلك. يُفهم من الآية أنه يموت قطعاً. يدرككم أي لما يصل إليكم وسيكون
نتيجته مفارقة الحياة. وفيه صورة الملاحقة والهارب الذي يلحقه شيء. حتى في
المجاز تقول أدركت ما يريد فلان أي تتبعت عباراته بحيث وصلت إلى الغاية من
عبارته.
الآية الأخرى في سورة النساء
(وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا
كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ
وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى
اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (100)) هو مهاجر لما هاجر هاجر
فراراً بدينه وحياته وهو خارج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله كأن الموت
يسعى وراءه (ثم يدركه الموت) الخارج من بيته مهاجراً إنما خرج فراراً
بدينه من أن يفتنه الكفار فهو فارٌ منهم لكن الموت يتبعه ويدركه في طريق
الهجرة وهذا أجره عظيم فقد وقع أجره على الله كما قال تعالى (فإنه
ملاقيكم) الموت هنا لم يأت فاعلاً وإنما إسم إنّ (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ
الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ (8) الجمعة).
يأتي:
في سورة ابراهيم (يَتَجَرَّعُهُ
وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا
هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17))
إتيان الموت المراد به إتيان أسبابه من وسائل العذاب لأن الكلام على
المعذَّب بنار جهنم العذاب في جهنم بعد قيام الساعة (لا موت). (يأتي) هنا
بمعنى إتيان أسباب الموت، أسباب التعذيب تصيبه وتلاحقه في كل مكان وتأتيه
اسباب الموت لكن (وما هو بميت) لأنه في النار لا يوجد موت وإنما عذاب.
الموت قريب منه بمحيء أسبابه لأن الإحراق من أسباب الموت لكن الإحراق
بالنار يوم القيامة هو من أسباب الموت لكن لا يفضي إلى الموت فالموت قريب
منه لكنه لا يقع.
وفي سورة المنافقون (وَأَنفِقُوا
مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ
فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ
وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10)) هذا
القول يصلح أن يكون قبيل الموت أو بعده لأن قوله (رب لولا أخرتني) (لولا)
كلمة عرض كما تعرض تقول لولا زرت أخاك المريض أي أقترح عليك أن تزور أخاك
المريض مع تحبيب الأمر. (رب) يتحبب إلى الله تعالى وما قال في الآية (يا
الله لولا أخرتني) لأنه يرعض على الله تعالى أن يؤخره إلى أجل قريب يعطيه
فرصة عندما أناه الموت. يمكن أن يقول قال هذه الكلمة التي فيها معنى
الرجاء والعرض بعد وفاته أو يقولها في نفس لحظات وفاته. الإتيان فيه معنى
المقاربة الشديدة وفي الموضع الثاني تحتمل الوقوع.
يتوفى:
ورد في موضع واحد في سورة النساء (وَاللاَّتِي
يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ
أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ
حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً
(15)) جعل الله تعالى لهن سبيلاً بالحدّ عندما نزلت الآيات وأخبر الرسول r بحدّ مرتكبة الفاحشة. (يتوفاهن الموت)
التوفي هو أخذ الشيء كاملاً غير منقوص. الموت لا يقوم بأخذ الشيء وافياً
وإنما أُسند العمل إلى الموت على سبيل التوسع لعلاقة السببية لأن الموت
معناه إنقضاء العمر الذي يؤدي إلى أن تؤخذ روحه وافية غير منقوصة، أنه
يتوفّى. الموت ليس هو الذي يأخذ الروح لكن الموت إيذان بانتهاء العمر، ما
بقي لهذا الإنسان من عمره شيء فهو ميّت. الذي يتوفى هذه الأنفس (وَهُوَ
الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا
جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ
(61) الأنعام) الملائكة التي تأخذ الروح وحتى الرسل الملائكة ليست هي التي تتوفى الأنفس لأن (اللَّهُ
يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي
مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ
الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ (42) الزمر)
النسبة الحقيقية أي الفاعل الحقيقي لهذا التوفي هو الله سبحانه وتعالى،
الملائكة وسيلة والموت سبب. الله سبحانه وتعالى ينسب أحياناً الفعل لغيره
باعتباره الغير سبب أو مرتبط بأمره (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا (10) فاطر) حصر هنا العزة لله عز وجل وحده دون غيره وفي موضع آخر قال (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) المنافقون) إرتباط الرسول r بالله، هو رسول الله فمنحه الله تعالى العزة. كذلك هاهنا لما قال تعالى (حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ) يعني يستوفي أرواحهن الموت أي يتوفاهن ملائكة الموت. قالوا كان ذلك عقوبتهن أوائل الإسلام فنُسِخ بالحدّ. في قوله تعالى (حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ)
جاء اللفظ بالإسناد إلى الموت على سبيل التوسع لعلاقة السببية لأن الموت
نهاية العمر فهو سبب الوفاة والذي يتوفى الأرواح الرسل من الملائكة بأمر
من الله سبحانه وتعالى فالذي يتوفى الأرواح على الحقيقة هو الله سبحانه
وتعالى.
****تناسب فواتح سورة المنافقون مع خواتيمها****
عموم السورة في المنافقين عدا آيتين في الآخر، تبدأ (إِذَا
جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)) وكلها في صفات المنافقين عدا آيتين (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا
أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ
هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ
أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي
إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)
وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ
خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)) لأنه في السورة قال المنافقون (هُمُ
الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ
حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)) وكأن الكلام رد عليهم (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ) كأن هذه الآية رد على ما يقول المنافقون. والسورة أصلاً في المنافقين ويمكن أن نقول أن في السورة وحدة موضوع.
*****تناسب خواتيم المنافقون مع فواتح التغابن*****
ذكر المؤمنين والكافرين في خواتيم المنافقون (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا
أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ
هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ
أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي
إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10))
إذن ذكر قسمين: المؤمنون والكافرون وفي التغابن ذكر هؤلاء الصنفين (هُوَ
الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2)) فذكر الصنفين وقال في خاتمة المنافقون (وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11))
وفي التغابن قال (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2)) (يَعْلَمُ مَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا
تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (4)) ذكر صفاته تعالى
في العلم والخبرة. في خواتيم سورة المنافقون قال (يَقُولُونَ
لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا
الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8))
وذكر التهديد لهم في التغابن (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ (5)) وكأن هذه الآية صدّقت قوله تعالى (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) كانت لهم الغلبة وفيها نوع من العبرة لمن يتعظ.