هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منــــتديات الرفـــيــق للتــعلـــيم
إنتظروا منا الأعمال المميزة يوميا
(https://rafik4educ.yoo7.com/) أين تجد العديد من الملفات الأخرى في منــــتديات الرفـــيــق للتــعلـــيم يمكن تحميلها من روابط مباشرة و بسهولة تامة مجانا ، من أجل إستمرار الموقع و إستفادتنا من العديد من المزايا الأخرى من طرف صاحب الاستضافة للموقع نرجوك أن تقوم بالضغط على الاعلانات الموجودة في الموقع عند زيارتك له.مع تحيات مدير الموقع :حسام الدين وتواصلوا معنا عبر البريد الالكتروني :houcem43@gmail.com
الجنـسية : المزاج : الـبـلـد : نوع المتصفح : الهواية : المهنة : الجنس : الْمَشِارَكِات : 21381 العمر : 30تاريخ التسجيل : 01/02/2009 السٌّمعَة : 751 نقاط : 1045633 توقيع المنتدى :
موضوع: الخيال والتّخييل في أدب الأطفال الجمعة مايو 25, 2012 7:47 pm
الخيال والتّخييل في أدب الأطفال د. سمر روحي الفيصل
ليس هناك إنسان دون خيال، لأن البشر يمتازون من الحيوانات بالعقل. والخيال قوّة من قوى هذا العقل، أو مهارة من مهارات التفكير اللّفظي العليا، شأنه في ذلك شأن الاستنتاج والاستنباط والإدراك والموازنة والتحليل والتركيب. وهناك أحاديث علمية كثيرة عن نموّ العقل عند الإنسان، تشير كلها إلى أن هذا النمو يعني نموّ القوى أو المهارات، ونضجها شيئاً فشيئاً. وإذا قصرتُ الحديث على نموّ مهارة الخيال قلتُ: إن الإنسان يُولد وهو يملك إمكانية الخيال. وكلما نما وزاد عمره اتضحت هذه الإمكانية وتبلورت واتجهت إلى أن تُصبح قوة عقلية. وقد قيل إن الإمكانية تتضح وعمر الطفل سنتان، ويكتمل نضجها وتصبح قوة عندما يبلغ الثانية عشرة من عمره، وكأنها تبدأ من الطفولة المبكِّرة وتنضج في أخريات مرحلة الطفولة المتأخّرة.
ولا أملك من المعرفة العلمية ما يؤهلني لتقديم تفصيلات دقيقة عن مراحل نمو الخيال عند الطفل، ولكنني لاحظتُ أن هناك اتفاقاً علمياً على أن الأطفال الأسوياء كلهم، دون أي استثناء، يولدون وهم يملكون القدرة على الخيال، أو إمكانية الخيال. وأن هذه الإمكانية تنمو لديهم جميعاً دون أي استثناء أيضاً.
بيد أنه ليس من المحتم أن يبلغ النمو مرحلة النضج لدى الأطفال كلهم. وبتعبير آخر أقول: إذا كان من الثابت علمياً نموُّ إمكانية الخيال عند الطفل، فمن الثابت علمياً أيضاً ألا يتساوى الأطفال في هذا النمو، وأن تبدو الفروق الفردية واضحة بينهم في مقدار نمو الخيال ونضجه. وهذا يعني، عندي، شيئاً ذا بال، هو أن الأدب والتربية والمدارس الخلفية لا تخلق الخيال عند الطفل، بل تعمل على تنميته وقيادته إلى النضج. ولو كان الخيال ينضج وحده دون عون من البيئة المحيطة بالطفل لما كانت هناك حاجة إلى الأدب والتربية. ولكن الخيال ينمو عشوائياً فردياً دون أن يبلغ بالضرورة مرحلة النضج. فإذا وفّرنا له من خلال الأدب والتربية والمدارس الخلفية مثيرات متكاملة اتجه إلى النضج، مع محافظته على الفروق الفردية بين الأطفال في النضج نفسه.
ولاشكّ في أن الخيال حاجة ضرورية للإنسان، لأنه يخلعه من الواقع المحيط به، ويجعله يتصوّر واقعاً آخر أكثر ملاءمة له، وأشدّ قرباً من أحلامه وتطلُّعاته. ولولا الخيال لما تقدَّم الإنسان، ولما تطوّر الواقع الذي يعيش فيه.
وتبدو هذه الوظيفة أكثر فعالية لدى الطفل، لأنه يعيش في الخيال وينمو بوساطته، ويملك استناداً إليه مخيِّلة نشطة أو كليلة، تساعد شخصيته على النمو السليم أو تدفع بها نحو واقع لم ترتبط به بعد، ولا تملك ما يؤهّلها لفهمه. وقد جعلتُ هدفي، هنا، تحليل هذا الأمر استناداً إلى أدب الأطفال وحده، ورأيتُ من المفيد أن نلاحظ انطلاق اللغة وعلم النفس مما أشرتُ إليه في أثناء تحديدهما الخيال بأنه التّصوُّر أو الظّنّ أو التّوهُّم(1). فهما، في ذلك، يُحدّدان سمتي الخيال الأساسيتين: الارتفاع فوق الواقع وتكوين الصور. ويكادان يُصرِّحان بأن الخيال في أثناء تشكيله الصور لا ينسخ ما يضمّه الواقع، بل ينتخب منه جزئيات يُكوِّن منها صورة لا مثيل لها في بيئته وواقعه(2). وهذا ما قادني إلى الفرضية الآتية: إذا حرّضنا خيال الطفل على النمو وقدناه إلى النضج نجحنا في تجسيد وظيفة تربوية أساسية في حياة مجتمعنا ومستقبله. ومن البديهي ألا يكون التحريض نظرياً، بل عملياً من خلال الوسيلة التي يتجسَّد فيها الخيال، وهي أدب الأطفال. ففي هذا الأدب تخييل، أي تجسيد للخيال وتشكيل للصور من أمور منتخبة من واقع الطفل. والطفل يحبّ هذا التخييل الأدبي لأنه لصيق بالخيال، يعيش فيه ويمتح منه كما سبق القول، ومن ثَمَّ يتأثر بهذا التخييل الأدبي، فينمو خياله ويُحلِّق بوساطته بعيداً عن أزماته، ويُحقّق من خلاله ما يتمناه ويرسمه لنفسه. وقد تتشكّل لديه نتيجة نضج خياله مخيِّلة قادرة في المستقبل على قيادة صاحبها إلى أن يُجسّد بنفسه ما تخيّله، فينتقل من التخييل الافتراضي المعنوي إلى التخييل الأدبي المادي المكتوب أو المرئي أو كليهما معاً. ولا شكّ في أن هذا كله لا يتضح إذا لم نُحلِّل أنواع التخييل الأدبي تحليلاً نقدياً قادراً على تحديد أثرها في خيال الطفل العربي.
1-التّخييل المرئيّ:
برزت، بعد نجاح التلفاز في غزو البيت العربي، قضايا أساسية في تربية الطفل، أبرزها اتساع المعارف، والاتصال بالعالم، والتأثُّر بالقيم، والتغيُّر في الرصيد اللّغويّ. وأضيفت إلى هذه القضايا قضية جديدة بعد انتشار الفضائيات العربية، هي استمرار البث التلفازي طوال اليوم وزيادة ساعات المشاهدة لدى الأطفال العرب. ورافق ذلك نجاح التلفاز الأجنبي والعربي في تحويل النصوص الأدبية إلى أشرطة مرئية، مما جعل ساعات المشاهدة لدى الأطفال العرب طويلة(3)، تبعاً لإمكانية انتقال الطفل بسهولة من محطة عربية إلى أخرى لمتابعة الساعات المخصصة له في كلٍّ منها. وزاد من ارتباط الطفل بالمسلسلات والرسوم المتحركة المستمدة من نصوص أدبية ذلك التقدُّم التقني في صناعة الأشرطة، وما رافقه من متعة في العرض، ومن توظيف فني للمؤثّرات البصرية والسمعية. والنتيجة البديهية لذلك كله هي أن التخييل المرئي احتل المكانة الأولى في التأثير في خيال الطفل.
ولكنْ، ما طبيعة هذا التأثير في خيال الطفل؟. إن الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى أن نتذكر، قبل أي شيء آخر، طبيعة التخييل المرئي نفسه لارتباطها بطبيعة التأثير في خيال الطفل. فالتخييل المرئي هو عرض مادي مشخَّص للشخصيات والحوادث والأمكنة والصراعات والحركات، بحيث تكون هناك ملامح محدّدة لكل شخصية من الشخصيات، لا تتغيّر ولا تتبدّل طوال الشريط أو المسلسل، سواء أكانت من الإنسان أم الحيوان. كذلك الأمر بالنسبة إلى الأمكنة التي تتحرك فيها هذه الشخصيات، والأفعال التي تقوم بها، ومواقع الصراع والحركة، إضافة إلى الأصوات المحدَّدة، والمؤثرات الموسيقية المصاحبة لها.
كلُّ شيءٍ محدَّد في القصة والرواية التي يعرضها التلفاز. هذه هي طبيعة التخييل المرئي. أما ما يفعله الطفل فلا يخرج عن مشاهدة هذه الأشياء المحدَّدة ومتابعتها. أي أنه لن يتخيَّل شيئاً في أثناء المشاهدة، لأن ما يشاهده محدَّدٌ لا يضطره إلى استعمال خياله في تكوين أية صورة، مما يضعف هذا الخيال بدلاً من تنميته، أو يُجمِّده بحيث يبقى دون أي تغيير من بداية المشاهدة إلى نهايتها.
وكلما كثرت ساعات المشاهدة زادت فرص إضعاف خيال الطفل، لأن هذا الخيال يعتاد الكسل والخمول مادام كلُّ شيء أمامه محدَّداً. بل إن السرعة التي تتوالى فيها الصور المحدَّدة لا تسمح لخيال الطفل بالعمل، تبعاً لحاجة هذا الخيال إلى فسحة من الوقت لتأمُّل الشيء وتكوين الصورة انطلاقاً منه. وفقدان فرصة التأمُّل نتيجة الصور المحدَّدة المتلاحقة يؤثّر تأثيراً سلبياً آخر نابعاً من أن التأمُّل أول دليل على نشاط الخيال وحركته في اتجاه تشكيل الصورة. فإذا فقد الطفل هذا التأمُّل خسر خياله فرصة انتخاب الجزئيات التي يُشكِّل الصورة منها، وخسر في الوقت نفسه فرص تدريب خياله على التأمُّل، لأن تشكيل الصور يحتاج إلى نضج القدرة على التأمُّل الذهني في الموجودات.
ولا يقتصر الأثر السلبي للصورة المحدّدة على ما سبق، بل يمتد إلى غرس عادة (التلقّي السَلبيّ) في الطفل. وهذا التلقي السلبي هو التقاط الصور وإيداعها الذهن، دون أي جهد من الطفل في استعمال خياله. فإذا اعتاد هذا الطفل التلقي السلبي اعتاد في الوقت نفسه عدم استعمال خياله، مما يجعله في مواقف الحياة كلها سلبياً، يطلب الراحة والأمر الجاهز، ويتذمّر من أية محاولة لدفعه إلى العمل داخل الأسرة والمدرسة وخارجهما. فإذا سرد المعلم عليه قصة طلب منه صوراً تُجسّدها، لأنه اعتاد مجيء التخييل إليه جاهزاً، ولم يعتد المبادرة إلى تخيُّله الذاتي. وما هو أشدّ خطراً في هذه الحال تقييد خيال الطفل، وتكبيله بعادة الصور المحدَّدة الجاهزة، والاستسلام للراحة والكسل وكلّ ما ينتج عن التلقي السلبي.
وليس التقييد بالأمر الهيِّن، لأنه يعني أن خيال الطفل العربي لن ينطلق حرّاً، فيجاوز الواقع والمعروف والمألوف، ويخترق الجبال والأنهار، ويعلو فوق الحواجز والعوائق، ويروح يُحلِّق ويُنشئ صوراً لا مثيل لها في واقعه، وليست هناك إمكانية لتلقيها بغير خيال حرٍّ مواز لخيال صانعها. هذا الخيال الحرّ هو الذي يُمهّد للاختراعات، ويساعد على تغيير الواقع الأليم، ويدفع صاحبه إلى مناهضة الظلم والظالمين والدفاع عن الأبرياء وأصحاب الحقوق. بل إنه الخيال الذي يجعل الحياة أكثر جمالاً في عيني الطفل، لأنها تصبح حياة ذات معنى لديه، فيها مَنْ يهبُّ لنصرة الناس ومساعدتهم، ومَنْ يندفع لخير المجتمع وتقدُّمه، ومَنْ يهاجم الأشرار ويعالج الأدواء ويمنح السعادة للآخرين. ولهذا السبب قيل إن الحرية عماد الخيال، فلا خيال دون حرية(4). وحين نُقيِّد خيال الطفل بالصور الجاهزة فإننا نمنعه من التمتُّع بثمار الحرية، فيغدو كليلاً لا يجاوز سطح الواقع، ولا يستطيع النهوض بالأحلام والأماني، ولا يساعد على نمو التصوُّر، ولا يملك المبادرة ولا الحسّ الإنساني والاجتماعي الذي يدفعه إلى الاندماج في الآخرين وتقديم العون لهم. وسنرى، في هذه الحال، طفلاً يُسْلم قياده إلى غيره، لأنه لا يستطيع أن يقود نفسه في حياة مملوءة بالخير والشرّ مادام خياله مقيَّداً عاجزاً عن الانطلاق بحرية.
2-التخييل المقروء:
التخييل المقروء تخييل تصنعه اللغة. وليس المراد هنا رمزية الحروف والكلمات في اللغة، بل المراد رمزية الصورة التي يرسمها اجتماع الكلمات على نحو خاص في تشبيه أو استعارة شعرية، أو في حدث قصصي أو مسرحي. والصورة ههنا صورة مجازية وليست واقعية، صورة بنتها المخيّلة وجسَّدتها الكلمات. فإذا رغبنا في معرفة الصورة وجب علينا أن نقرأ الكلمات أولاً. وقد تحتاج بعض الصور- كما هي الحال في الصور الشعرية- إلى تأمُّلٍ وتحليل لمعرفة العلاقات بين أطرافها قبل النجاح في فهمها وتخيُّل دلالتها. تلك هي طبيعة التخييل المقروء، ولابدّ للطفل من أن يتعامل مع هذه الطبيعة في أثناء قراءته القصة أو القصيدة.
يحتاج الطفل، قبل أي شيء آخر، إلى إتقان آلية القراءة بما تعنيه هذه الآلية من قدرة على تحليل الرموز اللغوية وإعادة تركيبها. ثم عليه إجادة مهارة القراءة، بحيث يقرأ قراءة إنعام وتدبُّر ليتمكن من فهم معاني النص المقروء. وعليه أخيراً أن يجاوز الكلمات والأسطر بسرعة مقبولة ليتمكن من الإحاطة بدلالات النص المقروء في أقٌصر زمن ممكن. وكلما رسخت في الطفل عادة المطالعة بدأ يُجوِّد في مهارة القراءة، ويتقن اقتناص إيحاءات الكلمات والجمل، ويملك تصوُّراً ذاتياً للمقروء. وهذا يعني أن الطفل لا يستطيع الإفادة من التخييل المقروء إذا لم يكن قادراً على القراءة السليمة. وفي ذلك فوائد عدّة تربوية ولغوية، يجنيها الطفل وهو يقرأ القصة أو القصيدة. ويهمني، هنا، التركيز على الفوائد المرتبطة بتنمية خيال الطفل، وهي:
الفائدة الأولى: هي أن الصورة التي يتلقاها الطفل من التخييل المقروء لا يُشْتَرط فيها أن تطابق الصورة التي رسمتها مخيّلة القاص أو الشاعر. فقد تكون قريبة منها أو بعيدة عنها، تحيط بها أو تُحلِّق في مناخها، تستجيب لهيكلها أو تبني هيكلاً جديداً. ومسوّغ ذلك التعدُّد في تلقي الصورة هو التفاوت بين الأطفال في المخيّلة التي تلقت الكلمات التي أُنشئت الصورة منها، وفي قدرة هذه المخيّلة على ترجمتها ترجمة ذاتية. فالمخيّلة النشطة تدرك الصورة في القصة، وتروح تضيف إليها أبعاداً جديدة، فتخلق لنفسها صورتها الذاتية. كذلك الأمر بالنسبة إلى المخيّلة الكسول. فهي تجهد في إدراك الصورة القصصية، وقد يُضطر صاحبها إلى القراءة غير مرة ليلمّ بجزئيات الصورة، وينجح في الإحاطة بها، كلها أو معظمها. أما المخيّلة المتوسطة النشاط فهي تلاحق الصورة القصصية، وتدركها دون جهد كبير، ولكنها تلتزم بها ولا تُحلِّق فوقها، لأن مستوى نشاطها لا يسمح لها بغير ذلك. وهذا يعني أن الصورة التي يضمها التخييل الأدبي تواجه ثلاث مخيِّلات عند ثلاثة أنواع من الأطفال، فتتعدّد وتتكثّر وتصبح ثلاث صور، بل أكثر من ذلك إذا تذكّرنا أن الطفل ذا المخيّلة النشطة يدرك الصورة الأصلية التي ابتدعها الكاتب، ويبني لنفسه صورة أخرى جديدة. ولا يقتصر تعدُّد الصور على هذا الأمر، بل يجاوزه كثيراً، لأن القصة أو القصيدة بناء تخييلي مركّب، يضم مجموعة من الصور التي تتضافر وتتكامل من أجل تقديم البناء المتخيَّل. فالقصة- على سبيل التمثيل لا الحصر- مكوّنة من مجموعة من الحوادث المتخيَّلة، في كل حدث صورة تبدو في شكل مغامرة، أو في شكل وصف لإحدى الشخصيات، أو في شكل تحديد للمكان، أو في شكل صراع، أو في أشكال أخرى يستدعيها التخييل ويفرضها موضوع القصة. والطفل يتلقى الصور صورةً تلو الأخرى بمخيّلته، فتتعدّد الصور لديه حتى يكتمل في مخيّلته السياق القصصي بما فيه من موضوع ومغزى وشخصيات، فيدرك القصة أو الصورة الكلية لها على الرغم من تعدُّد صور النص في مخيّلة الطفل القارئ.
الفائدة الثانية: هي أن التخييل المقروء يحرِّض خيال الطفل على النشاط مهما تكن المخيّلة التي يملكها هذا الطفل. ولعلنا لاحظنا، في أثناء الحديث عن الفائدة الأولى، تلك الإشارة إلى أن الصورة التي يضمها التخييل الأدبي حرَّضت المخيّلة الكسول والمتوسطة والنشطة. أي أن كلَّ تخييل مقروء قادر على تحريض خيال الطفل القارئ، ودفعه إلى بذل الجهد في سبيل اللحاق بالصورة أو إدراكها أو البناء فوقها، ثم بذل جهد آخر في الجمع بين الصور المكوِّنة للقصة أو القصيدة في سبيل الإدراك العام للتخييل في النص، والقبض على هيكله ودلالاته وشخصياته وموضوعه. ولاشكّ في أن التحريض الذي تدعو إليه قراءة قصص الأطفال أو قصائدهم فعَّال دائماً. فالمخيّلة التي يحرّضها على النشاط تتغير نتيجة التحريض، فتتقدّم وتصبح أكثر نشاطاً. وهذا واضح من أننا لو طلبنا من طفل ذي مخيّلة كسول أن يقرأ قصة، فإن مخيّلة هذا الطفل ستنشط فتبذل جهداً كبيراً في إدراك إحدى صور القصة، وجهوداً فائقة في إدراك صور القصة مجتمعةً. فإذا طلبنا من الطفل نفسه أن يقرأ القصة نفسها بعد حين، فإننا سنلاحظ أن مخيّلته ستبذل جهداً أقلّ مما بذلته في أثناء القراءة الأولى للإحاطة بصور القصة. وإذا كرّرنا التجربة مرة ثالثة فإننا سنلاحظ تناقص الجهد المبذول ونمو القدرة على الإحاطة بصور القصة، مما يعني أن تكرار التخييل الأدبي يحرّض خيال الطفل على النمو شيئاً فشيئاً، فيصبح أكثر قدرة على التحليق، وتغدو المخيّلة نتيجة ذلك أكثر نشاطاً، إضافة إلى تأثير ذلك في نمو الجانب التخييلي من شخصية الطفل في الوقت نفسه.
الفائدة الثالثة: هي أن خيال الطفل لا يتصوّر دائماً صورة مطابقة للصورة التي يضمها التخييل الأدبي. فالقاص يستعمل الوصف في تجسيد الشخصية وتحديد ملامحها كما يتصوّرها في مخيّلته المبدعة. ولكن الطفل الذي يقرأ الوصف في أثناء قراءته القصة لا يتصوّر الشخصية كما تصوّرها القاص، ولا يستنبط ملامحها كما حدَّدها القاص، بل يتصوّر الشخصية على النحو الذي أدركه من الكلمات، وحسب نشاط مخيّلته. ومن ثَمَّ يرسم في ذهنه صورةً لهذه الشخصية خاصةً به وحده. وثمّة دلالات كثيرة على أن الطفل نفسه حريص على امتلاك تصوّره الذاتي ضمن حرصه على تميُّز شخصيته من شخصيات أقرانه. ويبدو ذلك واضحاً في أنه يرجع غير مرة في أثناء قراءة القصة إلى صفحات كان قرأها ليراجع شيئاً فيها. وهذه العودة تعني أنه راغب في تأمُّل ما كان قرأه ليُعدّله في ضوء السياق، أو نتيجة الصور التي قدّمتها له الصفحات التالية. ويتخذ التعديل أشكالاً عدّة، منها: مراجعة حدثٍ أو وصف أو عبارة معيّنة أو موقف أو علاقة بين الشخصيات. ومهما تتعدّد أشكال التعديل فإن وراءها محاولةً لبناء التصوُّر الذاتي، ينهض بها الطفل في أثناء القراءة، ويرى فيها متعة وخصوصية، ويخرج منها بخيال أكثر نمواً ومخيّلة أكثر نشاطاً. وعندما ينضج خياله فإن عودته وتأمُّله يقودان مخيّلته إلى التحليق وبناء تصوُّر ذاتي بعيد عن الصور التي يطرحها التخييل الأدبي في القصة. وليس من المهم بعد ذلك المدى الذي يبلغه التحليق. فقد يضع الطفل في أثناء تحليقه نفسه بدلاً من البطل، ويروح يتخيّل حوادث مغايرة يراها أكثر تحقيقاً لسياق القصة وموضوعها. وقد يُمهّد له بأعمال وأقوال، وما إلى ذلك من أمور يقود إليها التحليق. وهذه الأمور مهمة تربوياً، ولكن أهميتها لا توازي أهمية التحليق نفسه، لأن حرية الخيال هي التي تبني شخصية مستقلة قادرة على الإبداع في المستقبل.
الفائدة الرابعة: هي العلاقة بين التصوُّر لدى الكاتب والتصوُّر لدى الطفل القارئ. ذلك أن القاص يملك مخيّلة تفعل فعلها في أثناء إبداع القصة، فترسم الصور بالكلمات، وتجعلها تجتمع في سياق ماتع مقنع مؤثّر. وعمل القاص هو التخييل القصصي، أي تجسيد ما تخيَّله هذا القاص. وإذا كان الطفل هو الذي يقرأ هذا التخييل القصصي ويبني انطلاقاً منه تصوُّره الذاتي كما سبق القول، فإن ذلك يدل على أن هناك علاقة مفيدة بين تصوُّر الكاتب وتصوُّر الطفل تحتاج إلى تحليل يُوضِّح طبيعتها. فإذا كان القاص يرسم بالكلمات صوراً محدَّدة فهل يعني ذلك أن أقصى ما يبلغه التصوّر الذاتي لدى الطفل هو إدراك هذه الصور كما حدّدها القاص؟. الحق أن حرية تحليق خيال الطفل هي الهدف الأدبي والتربوي معاً. وفي الطريق إلى هذا الهدف لن يكون تصوّر القاص غير مرحلة تخييلية، يصل الطفل إليها أو يلتزم بها أو تحول مخيّلته دون بلوغها. وهي في الحالات كلها مرحلة غير لازبة، لأنها مجرد محرِّض لخيال الطفل على النمو والنشاط ما دام التحريض يحتاج إلى محرِّض، ولا يتم دون وجوده. ومن ثَمَّ فإن العلاقة بين تصوّر الكاتب والتصوّر الذاتي لدى الطفل هي علاقة وسيلة بهدف. الوسيلة هي تصوُّر الكاتب المجسَّد في تخييل قصصي، والهدف هو تنمية خيال الطفل وإتاحة الفرص لحرية تحليقه. ومن المفيد ألا يفهم أحد أن التخييل القصصي يُقيِّد التصوّر الذاتي للطفل تبعاً لربطه به ودفعه إلى الانطلاق منه. ذلك لأن خيال الطفل غير مقيَّد بالتخييل القصصي، ولا يمكن أن يتقيّد به ما دام هذا التخييل نابعاً من اللغة. فالقاص قادر على أن يحدّد باللغة تصوّره، ولكنه غير قادر على إحكام هذه اللغة وحجب الإيحاءات عنها في أثناء استعمالها في تخييله القصصي. ولو رغب القاص في التحديد اللغوي النهائي الحاسم لتصوّره لما استطاع ذلك، لأن رمزية اللغة تبقى أكثر انفتاحاً على الفهم الفردي والتأويلات الخاصة بالقارئ. تلك هي طبيعة اللغة، حتى إذا قرأ قاصان قصة للأطفال خرجا بفهمين وتأويلين مختلفين، شأنهما في ذلك شأن طفلين قرأا القصة نفسها وخرجا بفهمين آخرين وتأويلين مغايرين.
الفائدة الخامسة: هي أنه إذا كان تخييل الكاتب لا يُقيِّد تخييل الطفل تبعاً لكون العلاقة بين التخييلين لغوية، فإن هناك سؤالاً تثيره هذه العلاقة بين التخييلين، هو: ما المدى المسموح به لتحليق الخيال في أدب الأطفال؟. في رأيي أننا إذا تشبّثنا بحرية تحليق خيال الطفل على أنه هدف أدبي وتربوي، فإنه من البديهي ألا نحجر على حرية خيال الأديب، فنُحدِّد له مدىً يقف تحليق خياله عنده. فنحن بذلك نُقيِّد خياله، ونمنع عنه الحرية التي يُحلّق بأجنحتها فوق الواقع ليُقدّم واقعاً تخييلياً جديداً، يُبهج الطفل ويرفعه فوق واقعه ويُعلِّمه التحليق في الوقت نفسه. على أننا مضطرون إلى أن نتذكّر دائماً أن أدب الأطفال مزيج متقن من الفن والتربية. وترجمة هذا المزيج، هنا، تعني أننا نعي أهمية تربية خيال الطفل على حرية التحليق، ولكننا نرغب في أن نُوظِّف هذه الحرية توظيفاً آخر هو إبقاء الطفل مرتبطاً بواقعه مهما حلَّق فوقه وابتعد عنه.
فهذا الارتباط بالواقع هو الذي يجعل شخصية الطفل اجتماعية بمقدار ما هي فردية. ومن ثَمَّ فإنني أعتقد بأن أية مغامرة خيالية، في أية قصة، يجب أن تؤدي هدفاً اجتماعياً أو أخلاقياً أو وطنياً أو إنسانياً أو غير ذلك، من خلال القيم المبثوثة فيها. وإذا كان خيال الطفل يرنو إلى الأبطال الأسطوريين، فإنه من المفيد أن نرسم باللغة بطلاً أسطورياً يحارب من أجل المجتمع، ويغالب الصعاب من أجل نصرة الحقّ والمظلوم وإعادة الحقوق إلى أصحابها. وبذلك يجد الطفل في التخييل المقروء معنىً سامياً ومثلاً أعلى وحياة تستحق أن يعيش فيها الإنسان ويعمل دون أن يمنع عن الآخرين العيش والعمل. وإذا كان ذلك نوعاً من تقييد حرية خيال الكاتب، فإنه ليس نوعاً من التقييد الحرفي، ولا التعليمات المحدّدة التي تفرض قائمة بالممنوعات والمحرّمات وما إلى ذلك مما يُقيِّد حرية الأديب، بل هو قيد الحرية، أو حرية القيد إنْ جاز التعبير. وهو قيد لا يصل بالخيال إلى مدى الخرافة من أجل الخرافة ذاتها، لأن هذا المدى غير مفيد في ربط الطفل بواقعه، ولكن الأديب قد يلامس الخرافة إذا رأى أنه قادر بوساطتها على تحقيق ما لم يستطع تحقيقه بغيرها، خصوصاً إذا كان يهدف إلى ترسيخ قيم إنسانية غير مرتبطة بطبيعتها بمجتمع معيّن.
3-التّخييل المرئيّ المكتوب:
رسّختْ مجلات الأطفال نوعاً من التخييل القصصي، ينهض به القاص والفنَّان والخطّاط معاً. وقد عُرف هذا النوع بالقصص المصوَّرة، بحيث يكتب القاص قصته في شكل (سيناريو)، ويرسم الفنّان لوحات صغيرة لكل موقف أو حدث في السيناريو، ويكتب الخطاط جمل السيناريو في اللوحات مشيراً بسهم إلى قائليها. ولهذه القصص المصوَّرة ثلاثة أشكال شائعة، هي: شكل قصير مقصور على صفحة واحدة، وشكل متوسط يحتاج إلى بضع صفحات، وشكل طويل يُنْشَر مسلسلاً في مجموعة من أعداد المجلة. والواضح أن هناك مجلات للأطفال أفادت من رغبة الطفل في رؤية البطل في حالات متنوعة، فشجّعت على نشر القصص المصوَّرة التي ينهض بها أبطال لا يتغيّرون حتى نهاية سلسلة القصص، كما هي الحال في المسلسلات التي نشرتها مجلة ماجد (الإمارات): فريق البحث الجنائي(5)- كسلان جداً(6)- أمّونة المزيونة(7)- مغامرات المهرّج
زوبعة(8)- أبو الظرفاء(9)...
هذه القصص المصوّرة تخييل مرئي مكتوب في الوقت نفسه، ولكنه تخييل مغاير للتخييل المرئي الصرف، وللتخييل المقروء الصرف أيضاً، لأن صوره ثابتة ومتحركة في آنٍ معاً. فهي ثابتة لأن الفنَّان يرسم ملامح واحدة لكل شخصية، لا تتغيّر طوال المسلسل. وهي متحركة لأن الفنّان يرسم صوراً كثيرة للشخصيات بحسب المواقف المذكورة في السيناريو، وكل صورة منها تُعبِّر عن حركة أو موقف أو حدث، فتبدو الصور بمجموعها متحركة من بداية القصة إلى نهايتها. ويهمني من ذلك كله علاقة خيال الطفل بهذا النوع من التخييل القصصي الذي يجمع بين النص اللغوي للقصة وتصوُّر الفنَّان له. أما النص اللغوي فيبقى مثيراً لخيال الطفل، ولكن الإثارة هنا مقيَّدة وليست مطلقة. إنها مقيّدة بتصوّر الفنّان المجسَّد في صور متعاقبة. وهذا يعني أن الطفل يقرأ الجملة ويبتدع صورة لها، ولكنه سرعان مايقارن الصورة التي تخيّلها بالصورة التي رسمها الفنان وهناك أطفال يقرؤون الجمل وينظرون إلى الصور التي رسمها الفنان ثم يروحون يتأملون ويبتدعون صورهم الخاصة. وسواء أكان ابتداع الطفل صوره الخاصة قبل رؤية صور الفنّان أم بعدها، فإن ثبات صور الفنّان يسمح للطفل بالتأمُّل، وبالعودة إلى الصور مرة بعد أخرى للتدقيق فيها وابتداع الصور انطلاقاً منها. وقد يفيد الثبات في أمر تخييلي آخر، هو أن تأمُّل الطفل يدفعه أحياناً، ويحسب نشاط مخيِّلته، إلى تعديل بعض صور الفنّان تبعاً لما تخيَّله واعتقده ملائماً لها. ولهذا السبب نلاحظ أن الطفل يحبّ القصص المصوّرة، ويُقْبِل عليها، وخصوصاً إذا كانت تضم فكاهة أو مغامرة. فهذه القصص تسمح له بشيء من الحرية النسبية في تخيُّل الصور الخاصة به، كما تسمح له بمقارنة تصوُّره الذاتي بما تخيَّله الفنّان. وهذه المقارنة نشاط من النشاطات التخييلية التي تُدرِّب مخيِّلة الأطفال على ترجمة الجمل اللغوية إلى صور، وخصوصاً مخيّلة الأطفال الذين لا يتمتّعون بمخيِّلة نشطة.
والمشكلة الأساسية في التخييل المرئي المكتوب هي ضعف الخيال. وهذا الضعف لا يرجع إلى رغبة الكُتَّاب العرب الحقيقية، بل يرجع إلى الظروف المادية التي يكتبون فيها، وإلى طبيعة هذا النوع من التخييل، وهي طبيعة تحتاج إلى عدد كبير جداً من اللوحات، وإلى دقة في الرسم بحيث تبقى الشخصيات في اللوحات كلها دون أي تغيير في ملامحها على الرغم من تغيُّر المواقف التي تُعبِّر عنها. والمعروف أن ذلك يحتاج إلى وقت وجهد لا يملكهما الفنّان العربي دائماً، وليس بين يديه من التشجيع المادي والمعنوي ما يعينه على تقديم لوحات فنية تنبع من تصوُّره الخاص للنص اللغوي الذي قدّمه الكاتب. ولهذا السبب تراه ميّالاً إلى النصوص القصصية التي تتمتّع بتخييل بسيط غير مركّب، وبمواقف واضحة محدّدة لأن هذه النصوص لا تحتاج منه إلى تأمُّل وإنعام نظر وبناء تصوُّر. ويبدو أن الكُتَّاب العرب أدركوا هذه العلة في الجانب الفني من التخييل المرئي المكتوب، فراحوا يُقدِّمون نصوصاً بسيطة لا يُحلِّق الخيال فيها كثيراً فوق الواقع. بل إن بعضهم شرع ينقل قصصه المصوَّرة من مجلة إلى أخرى ليضمن لنفسه وللفنّان عائداً مادياً مجزياً. في حين نجحت بعض مجلات الأطفال الغربية في فصل النص اللغوي عن الفنّان، ومناقشته على أنه قصة يجب أن يتوافر فيها تخييل قصصي قادر على إثارة خيال الطفل. وبعد أن تطمئن إلى ذلك تضع القصة بين يدي خبير أدبي قادر على تحويلها إلى (سيناريو)، واقتراح الخطوط العامة للوحات الملائمة لها. ثم تجري مناقشة بين القاص وكاتب السيناريو والفنّان حول العمل قبل أن يستقر بين يدي الفنّان، ويخضع لتصوُّره الذاتي وإبداعه الفني. هذا العمل الجماعي في التخييل المرئي المكتوب يضمن قدراً كبيراً من الخيال والفن، بل إنه الذي سوَّغ إقامة بعض المعارض الفنية للوحات القصص المصوّرة، وإسهام بعض الفنّانين المشهورين في رسم عدد من هذه القصص، وبروز اختصاصيين في تحويل قصص الأطفال إلى (سيناريوهات) للقصص المصوّرة. ولعل ذلك كلهُ يعزّز الرغبة في العناية بالقصص المصوّرة في المجلات العربية، لأنها مادة تخييلية مهمة بالنسبة إلى الطفل العربي.
4-التّخييل المسموع:
لازالت الإذاعة تُخصِّص بعض ساعات بثها للأطفال، على الرغم من الظن السائد بانحسارها وتقلُّص عدد المستمعين إليها. وهي تُقدِّم في برامجها قصصاً للأطفال، تستعين فيها بالحوار والسرد والمؤثّرات الصوتية كافة. ولا شكّ في أن طبيعة التخييل المسموع هي اللغة المنطوقة، أي الرموز اللغوية التي يجب أن يسمعها الطفل ويستوعبها ويتصوّرها وينطلق منها في بناء تصوُّره الذاتي. ووسيلة الطفل الوحيدة في ذلك كله هي الأذن، وبالتالي فهو مضطر إلى شيء غير قليل من التركيز والقدرة على المتابعة حتى يتمكّن من استيعاب التخييل المنطوق. وليس ذلك بالشيء العسير، لأن الاستماع مهارة أساسية من مهارات الاتصال اللغوي التي يُدَرَّب عليها الطفل، أو يجب أن يُدَرَّب عليها، تبعاً لما نعرفه عن أن قدراً كبيراً من المعارف تصل إلى الطفل بوساطة أذنه، سواء أكان في المدرسة أم في الحياة العامة. وقد قيل إن الأذن ترى، ومغزى هذا القول هو الدلالة على أهمية حاسة السمع في تشكيل المشاهد، وفي إدراك الجمال أيضاً(10).
وهناك وسيلة أخرى للتخييل المسموع غير الإذاعة، هي سرد القصة على الطفل. وهذا السرد وسيلة قديمة، لها تقاليدها وعاداتها، سواء أكانت الجَدَّة هي التي تنهض به أم المعلم أم الأم أم الأب. ذلك لأن اللغة المنطوقة هي وسيلة الاتصال الوحيدة بين السارد والطفل المستمع، تُضاف إليها حركات الوجه واليدين والجسد لدى السارد، وهي تقوم مقام المؤثرات الصوتية في الإذاعة.
وليس من المفيد تفصيل القول في المراحل الثلاث للسرد، وهي: التهيئة والسرد وما بعد السرد، لأن الحديث عنها أقرب إلى الحديث التربوي(11). بيد أن الإشارة إليها كافية للدلالة على أهمية التخييل المسموع في تدريب الطفل على تكوين المشاهد اعتماداً على أذنه وحدها. فالطفل في أثناء تركيزه على المسموع ومتابعته له، لا يستطيع الانسحاب ليتأمّل جملة سمعها وأوحت له بصورة ما، ثم يعود إلى متابعة الاستماع. والسبب في ذلك هو أن السارد لا يتوقّف، ولا يعرف أن الطفل انسحب من الاستماع، بل إن عدم توقُّف الطفل ضروري في هذا النوع من التخييل، بغية مساعدته على التخيُّل الكلّي بعد انتهاء السارد من السرد. واختلاف التخييل المسموع بين الإذاعة والسارد يكمن في هذا الأمر. فالإذاعة تُدرَّب الطفل على التركيز والمتابعة، وتحثه على التقيُّد بهما لتتمكن مخيّلته من بناء الصورة الكلية للمسموع، أو الذاتية التي تنطلق من المسموع وتُحلِّق بعيداً عنه بعد ذلك. أما السارد فهو يُحقّق التخيُّل الكلي والجزئي، ولكنه يُرتِّب هدفه، فيجعل الكلي أولاً. وهو يستمر في السرد دون توقُّف، كما هي الحال في الإذاعة، بغية تدريب الطفل على مهارتي التركيز والمتابعة. ولكنه بعد الفراغ من السرد يناقش الأطفال المستمعين، ويستجيب لطلباتهم في العودة إلى قراءة جملة أو فقرة أو صفحة أو وصف، ويُشجّعهم على مناقشة القصة(12). وهناك تدريبات خاصة لتنمية الخيال بعد الفراغ من السرد، منها افتراض خواتيم للقصة، وتغييرات في الحوادث وطبائع الشخصيات ومصايرها، وحذف حوادث وشخصيات وإضافة أشياء جديدة إلى القصة، واقتراح أمكنة ملائمة لها، وما إلى ذلك من تدريبات تهدف إلى تنمية خيال الطفل، ومساعدة مخيِّلته على الانطلاق، شريطة عدم معارضة السارد اقتراحات الأطفال، أو الاستهانة بها، أو نبذها، لأنها أساسية في تدريب المخيّلة على النشاط الحر. وهناك مَنْ يقترح تدريباً ختامياً، هو إعادة كتابة القصة بحسب اقتراحات الأطفال. والغرض من هذا الاقتراح، في رأيي، تدريب الطفل على التجسيد اللغوي للصور الكلية والجزئية التي تخيَّلها بديلاً من صور القصة المسرودة عليه.
5-الخيال والتّخييل:
أشرتُ في الحديث السابق إلى أن التخييل الأدبي يُقدَّم للطفل العربي عبر خمسة وسائط، هي التلفاز والكتاب والإذاعة والمجلة والسرد المباشر.
ولاحظتُ، في أثناء الحديث، أن النص المكتوب للأطفال حين يدخل وسيطاً من هذه الوسائط يتزيّا بزيّه، ويتحلى بطبيعته. ومن ثَمَّ كان لديَّ تخييل مرئي ومقروء ومسموع ومرئي مكتوب، ولكل نوع من أنواع هذا التخييل الأدبي تأثير في خيال الطفل، حاولتُ رصده والتدقيق فيه دون أن أقارنه بالتخييل الذي يتجسّد عبر وسيط آخر مغاير له. وسأحاول، هنا، تقديم الصورة الكلية لعلاقة التخييل الأدبي العربي بخيال الطفل، ونقدها استناداً إلى الأنواع والوسائط السابقة، وإلى الهدف الذي نرنو إليه، وهو تنمية خيال الطفل العربي ومنحه حرية التحليق.
لاشكّ في أن التخييل المرئي الذي يُقدِّمه التلفاز العربي أكثر أنواع التخييل خطراً على خيال الطفل العربي. فهو يُحدِّد هذا الخيال بدلاً من أن ينمّيه، ويجعله كسولاً مهيض الجناح بدلاً من أن يحثه على النشاط. في حين تُحرِّر الأنواع الثلاثة الأخرى خيال الطفل، وتزيد مخيّلته نشاطاً وقدرة على التحليق، وإنْ تفاوتت في ذلك. ويتضح خطر التلفاز على نحو أكثر رعباً حين نتذكّر أن الطفل العربي كان إلى سنوات قريبة مضطراً إلى الاكتفاء ببرامج الأطفال التي يبثها تلفاز دولته بمعدل ساعة يومياً. أما الآن فقد زالت الضرورة، ودخلت القنوات الفضائية غالبية المنازل العربية، بل إنها ستصبح في وقت قريب عامة شاملة نتيجة التطور التقني الذي يلغي الحاجة إلى اللواقط المنزلية. وهذه السهولة في التقاط القنوات الفضائية ستزيد عدد ساعات المشاهدة لدى الطفل العربي إلى خمس ساعات يومياً، مما يسمح لنا بتقدير نسبي لمصدري الخطر على خيال الطفل، وهما: برامج الأطفال وساعات المشاهدة. وبتقدير آخر لنتيجة هذا الخطر، وهي تقييد خيال الطفل وتقديم الصور الجاهزة له، وانعكاس هذا التقييد على شخصيته، انطلاقاً من أن المشاهدة الطويلة للتلفاز ستُرسّخ في الطفل عادة التلقي السلبي، بحيث تفتقر شخصية إلى المبادرة والحسّ الاجتماعي والتكيُّف النفسي، فينشأ عاجزاً عن التفكير في حلول المشكلات التي تعترضه في الحياة، وعن معرفة الحياة على حقيقتها.
ولكنْ، هل تقودنا هذه النتيجة الصحيحة الواضحة إلى أن الحل يكمن في أن نلغي التلفاز من بيوتنا، ونُشجِّع أطفالنا على أن يقرؤوا المجموعات القصصية والشعرية والمجلات، ويستمعوا إلى البرامج الخاصة بهم في الإذاعة؟.
نعم، هذه النتيجة تقودنا إلى هذا الحل، إنْ لم تجعلنا مؤمنين بأنه الحل الوحيد الحاسم الذي يقضي على التأثير السلبي للتلفاز في خيال الطفل العربي، ويُرسِّخ الطريق المثلى في تنمية هذا الخيال وتحريره بوساطة الكتاب والإذاعة وإحياء تقاليد السرد التي كادت تندثر.
بيد أن إلغاء التلفاز من بيوتنا أمر نظري وحلم عابر دعا إليه تضخُّم إحساسنا بالأخطار الناجمة عن تقييد خيال الطفل العربي. ذلك لأن إلغاء التلفاز أمر لا يمكن تطبيقه لسببين: عقليّ وواقعيّ. أما السبب العقلي فهو معرفتنا بأننا نتحدّث عن التلفاز من جانب واحد، هو تأثيره السلبي في خيال الطفل وشخصيته. وليس هناك عاقل يفكّر في إلغاء التلفاز دون أن ينظر إلى جوانبه الأخرى المفيدة، وخصوصاً جانبي المتعة والمعرفة بالنسبة إلى الكبير والطفل في آن معاً. وأما السبب الواقعي فنابع من أن طفلنا اعتاد الخيال الجاهز، بحيث يفتح التلفاز ويسترخي أمامه، وليس من السهولة خلعه من المشاهدة، أو مناقشته في هذا الأمر. وهذه العادة هي نفسها التي تقاوم دفع هذا الطفل إلى القراءة والاستماع إلى الإذاعة والسرد. فالقراءة والاستماع مهارتان مركّبتان تحتاجان إلى جهد لا يتوافر للطفل ذي المخيلة الكسول. بل إن الواقع يشير إلى صعوبة تنفيذ ما هو أكثر بساطة من إلغاء التلفاز. أقصد هنا: صعوبة خلع الطفل من مشاهدة التلفاز ليؤدي واجباته المدرسية، وخصوصاً ما ارتبط منها بالحاجة إلى الجهد كالقراءة والكتابة.
إن إلغاء التلفاز أمر غير ممكن، ولكن الأمر الممكن هو الحدّ من تأثيره السلبي بزجّ الطفل في القراءة والاستماع إلى السرد والإذاعة. وهذا الأمر الممكن ليس سهل التنفيذ في زمن طغيان البث التلفازي، وسيادة عادة التلقي السلبي لدى الطفل العربي. والظن بأن النقاط الآتية تُوضِّح الوسائل التي تساعد على الحدّ من التأثير السلبي للتلفاز، وتُمهّد لتنفيذ الهدف الخاص بغرس مهارتي القراءة والاستماع في الطفل العربي، والاتجاه إلى تحرير خياله وتشجيعه على التحليق، وتجسيد الوظيفة التربوية الخاصة بتنمية شخصيته:
1- إن الحدّ من التأثير السلبي للتلفاز مهمة التربية النظامية والمدارس الخلفية كلها (الأدباء- دور النشر- المكتبات- المراكز والمجمعات الثقافية- الأسرة- البلدية...)
(13). وهذا العمل يحتاج إلى رؤيا استراتيجية تربوية واجتماعية واحدة متكاملة، قابلة للتطبيق، تتجه فعالياتها كلها في اتجاه هدف واحد، هو تشجيع القراءة والاستماع لدى الطفل العربي، وتنطلق من قناعة عامة بأن تقييد خيال الطفل هو الخطر الكبير الذي يُهدّد حاضر الطفل ومستقبل المجتمع. والحقّ أنه لا فائدة من استمرار الاعتقاد بأن تنمية خيال الطفل مهمة التربية النظامية والأسرة وحدهما. ولا أمل في نجاح أية مبادرة مجتمعية إلى هذه التنمية ما لم يتكامل عمل المؤسسات والوزارات والمراكز والنوادي والدوائر العامة والخاصة، وما لم تؤمن مجتمعةً ومنفردةً بأن هذه المهمة الجليلة ليست ترفاً ما دامت تمس مستقبل المجتمع الذي تعيش فيه.
2- يمكن الحدّ من التأثير السلبي للتلفاز بزجّ الطفل العربي في التلفاز بدلاً من إبعاده عنه، اعتماداً على أسلوب المشاهدة الانتقائية النافذة. ويمكن تنفيذ هذا الأسلوب في المنزل والمدرسة والمراكز الثقافية والنوادي بعرض شريط مما يشاهده الطفل في التلفاز ومناقشته فيه بعد ذلك، بغية تنمية الجانب الانتقادي من شخصيته. وقد نصّت ماري وين(14) على تجارب مفيدة أُجريت في الولايات المتحدة الأمريكية لتحويل فصول مدرسية إلى دراسة التلفاز، بحيث يسترخي الطفل في مقعده، كما يسترخي في منزله أمام التلفاز، ولكنه ينتقد التلفاز في أثناء هذا الاسترخاء بدلاً من قضاء وقت المدرسة في أعمال تدور حول النصوص المطبوعة والمكتوبة ليس غير. كما نصّت على اعتماد مقرّرات مدرسية تُحقّق الغرض الانتقادي نفسه، لها تسميات مختلفة، من نحو: الدراية بوسائل الاتصال- الوعي النقدي- مهارات المشاهدة. وإذا كانت الإفادة من التجارب الغربية في الحدّ من التأثير السلبي للتلفاز ممكنة فإننا لا ننسى أن تربيتنا العربية النظامية ليست مرنة بحيث تُنشئ فصولاً ومقرّرات من هذا النوع في مدارسنا، ولكنها قادرة- ضمن واقعها الراهن- على الإفادة من هذه التجارب في نشاطاتها المدرسية، بحيث يصبح انتقاد التلفاز شفوياً وكتابياً واجباً مدرسياً، يؤديه الطفل في المنزل بعون من أسرته، ويناقشه في حصص النشاط داخل المدرسة.
3- الكتاب والمجلّة عاملان رئيسان في أية محاولة للحدّ من تأثير التلفاز في ترسيخ عادة التلقي السلبي في الطفل. ومن ثَمَّ فإننا في حاجة إلى الانتقال من التشجيع اللفظي على القراءة والاستماع إلى التشجيع العملي عليهما، لأن هذا التشجيع العملي يقود إلى إتقان الطفل العربي آلية القراءة، مما يساعد المدرسة على أداء وظيفتها التربوية العامة ووظيفتها الخاصة بالخيال. كما يؤدي ذلك أيضاً إلى غرس عادة المطالعة في الطفل، فإذا تمكنت منه راح يلبيها وحده، فيلاحق الكتب والمجلات، ويحرص على قراءتها والإفادة من تخييلها الأدبي.
على أن التشجيع العملي يحتاج إلى ظروف مواتية، هي نشر كتب الأطفال نشراً علمياً وفنياً حذاباً، قادراً على تلبية الحاجات القرائية للأطفال العرب بأثمان بخسة. والاتساع في مجلات الأطفال ودعمها مادياً وفنياً وتقنياً، وتشجيع الجديد منها، وتعاون الجهات العامة والخاصة معها، والحرص على أن تكثر هذه المجلات من الأبواب والفقرات والنصوص التي تغري الطفل، بوساطة الجوائز والمسابقات والألعاب التخييلية، بقراءتها ومتابعة أعدادها. إضافة إلى جودة تخييلها وفنيته، وكثرة مسلسلاتها وتعددها وتنوعها وقدرتها على جذب الطفل ومده بالأخيله المبتكرة. ولاشك في أن كتاب الطفل ومجلته يعانيان في الوطن العربي من التبعية للمؤسسات والوزارات الثقافية والإعلامية الخاصة بالكبار، سواء أكانت التبعية اقتصادية أم فكرية أم غير ذلك. وقد آن الأوان لفصل العمل الثقافي الخاص بالأطفال عن المؤسسات والوزارات، وإعطائه استقلالية فكرية ومادية تسمح له بحرية العمل على تحرير خيال الطفل.
4- تعاني الإذاعات العربية من إحساس عام بضعف إقبال الناس عليها في زمن التلفاز. ولابدّ من أن تتخلّص هذه الإذاعات من هذا الإحساس المدمِّر، لأن مهمتها النبيلة، وهي غرس مهارة الاستماع في الطفل وتحويلها إلى عادة لديه، لا تتحقّق بوسيلة أخرى غير الإذاعة والسرد المباشر. ومن ثَمَّ فإن الإذاعة مطالبة بالإكثار من برامج الأطفال، وتخصيص زمن أكثر طولاً لها، وتجويد أدائها، وتنويع وسائل الجذب إليها، وتزويدها بالاختصاصيين في المؤثرات الصوتية والتخييلية، وتشجيع الأدباء على تقديم نصوصهم لها، ومنح المكافآت المادية والمعنوية المجزية للعاملين في حقل إذاعة الأطفال. فإذا نُفِّذ ذلك تمكّنت هذه البرامج من تدريب الطفل العربي على تكوين المشاهد اعتماداً على أذنه وحدها.
5- تحتاج المجمعات والمراكز الثقافية والنوادي إلى إحياء تقاليد سرد القصة على الأطفال. وذلك بتوظيف الاختصاصيين بشؤون السرد، وتدريب الراغبين في النهوض بهذه المهمة من الموظفين والمعلمين، وتهيئة الأمكنة الملائمة، وخزائن كتب الأطفال المفتوحة، والجوائز المجزية، والمناقشات المفيدة، والتحلي بالمرونة والصبر، واقتحام تجمعات الأطفال في حال عزوف هؤلاء الأطفال عن القدوم إليها والتفاعل مع نشاطاتها.
6- لابدّ، من قبل ومن بعد، من نهوض الأسرة بعملين أساسيين، هما: تحديد ساعات مشاهدة الأطفال التلفاز، ووجود أحد الأبوين إلى جانب الطفل في أثناء مشاهدته التلفاز. أما التحديد فيجب ألا يجاوز الساعة في اليوم، على أن تنصرف هذه الساعة إلى مشاهدة برامج مفيدة معرفياً وجمالياً إنْ لم تتوافر الإفادة التخييلية فيها. وأما وجود الكبير في أثناء المشاهدة فضروري لمناقشة الطفل في المادة التي شاهدها، وتحريض موقفه الانتقادي منها، وتشجيعه على تقديم اقتراحاته حولها تدبيلاً وتعديلاً وإضافة. ومهما يكن الأمر فإن الأسرة العربية تحتاج إلى التخلي عما هو سائد لديها من أن التلفاز وسيلة لإلهاء الطفل وإبعاده عن الشغب في المنزل، وإلى الإيمان بالأخطار المحدقة بخياله نتيجة مشاهدته الطويلة للتلفاز، وإلى العمل على دفعه إلى اللعب في أوقات فراغه بدلاً من مشاهدة التلفاز، دون أن ننسى الأثر الإيجابي لمشاركة الكبار والأقران الطفل في لعبه.
إن النقاط الست السابقة تصبّ في جدول واحد، هو أن غرس مهارتي القراءة والاستماع يقع على عاتق فعاليات المجتمع العربي كلها، ويجب أن تسهم فيه، بغية تحرير خيال الطفل العربي، ومساعدته على التحليق. وهذا كله غير كاف في رأيي إذا لم تنطلق السياسة التربوية من واقع الطفل العربي، بحيث تستعيد الهدف القرائي القديم، وهو (نتعلَّم لنقرأ)، بما يعنيه هذا الهدف من تركيز شديد على إتقان آلية القراءة. على أن تُطوِّر هدفها في مرحلة لاحقة، بحيث يصبح (نقرأ لنتعلَّم)، بما يعنيه هذا التطور من استعمال آلية القراءة للمطالعة والفهم والمعرفة.
والظنّ بأن اقتناع السياسة التربوية بسيادة عادة التلقي السلبي لدى الطفل العربي يجب أن يدفعها إلى تعديل جذري لأنشطتها الصفيّة واللاصفيّة، بحيث تجعل هدفها الدائم تخليص الطفل من هذه العادة، وغرس عادة التلقي الإيجابي بدلاً منها، بما تعنيه هذه العادة من فهم المقروء، والانفعال معه، والتعبير الشفوي والمكتوب عنه، وإشراك أكبر عدد ممكن من الحواس في أثناء تنفيذه.
والمفيد في الأعمال التي تنفّذها السياسة التربوية، ضمن اهتمامها بالتلقي الإيجابي، مراعاة أمرين أساسيين خاصين بخيال الطفل: أولهما إحلال نظرية معنى الكلمات بدلاً من فكرة وجود الشيء وعدم وجوده، وثانيهما التوازن بين الخيال الأدبي والخيال العلمي.
أما الأمر الأول فخاص بالمدى الذي يصل إليه خيال الطفل، بحيث يصبح هذا المدى مفتوحاً لا يُقيّده شيء غير الارتباط بالواقع، وإنْ كان هذا الارتباط بعيداً غير مباشر. ذلك لأن فتح المدى أمام الخيال يصطدم لدينا بفكرة وجود الشيء المتخيَّل أو عدم وجوده، كما هي الحال في سؤالنا عن وجود العفاريت والسحرة واختفاء الإنسان والمصباح السحري وبساط الريح وحوريات البحر وجفاف المحيطات، أو عدم وجودها وعدّها أموراً خرافية غالباً وأسطورية أحياناً. والظن بأنه آن الأوان لإحلال نظرية معنى الكلمات بدلاً من فكرة وجود الشيء وعدمه. فهذه النظرية تقول إن الطفل يستطيع أن يفهم ما تسمح به لغة الكاتب، ويتخيّل تبعاً لما توحي به، وينطلق خياله في حدود النشاط الذي تملكه مخيّلته وتعينه عليه قدرته على الغوص في المقروء. ومن ثَمَّ وجب علينا السماح للطفل بالتعامل مع لغة النصوص بمقدار ما يملك من قدرة على الفهم والإدراك، وعلى التقاط الإيحاءات والانطلاق منها إلى أي مدى يستطيع الوصول إليه. مما يؤيد استبدال النظرية بالفكرة، دون أن يعني ذلك أي تنازل عن أن أدب الأطفال مزيج متقن من الفن والتربية، وأن التخييل الأدبي يجب أن يربي الطفل في أثناء إمتاعه له. صحيح أن المبالغة في التربية قادتنا طوال النصف الثاني من القرن العشرين إلى تقييد تخييل الأديب بالأوامر التربوية، وبالتالي تقييد الطفل وخياله، ولكن الصحيح أيضاً أنه من المفيد الخوض في تجربة تحريرهما معاً بالتشكيك في حتمية التوازن بين الفن والتربية، وترسيخ المبدأ القديم، وهو بقاء التربية منضوية تحت لواء الفن ليس غير.
وأما الأمر الثاني الخاص بالتخييل الأدبي والعلمي فهو يتعلق بأدباء الطفل الذين انصرفوا إلى إبداع النصوص القصصية التي تُقدِّم للطفل العربي تخييلاً أدبياً، من مظاهره
_________________
ايبروا عضو نشيط
الجنـسية : المزاج : الـبـلـد : نوع المتصفح : الهواية : المهنة : الجنس : الْمَشِارَكِات : 71 العمر : 28تاريخ التسجيل : 23/05/2012 السٌّمعَة : 1 نقاط : 91463 توقيع المنتدى :
موضوع: رد: الخيال والتّخييل في أدب الأطفال الجمعة مايو 25, 2012 8:02 pm
»»يرجى التسجيل بايميل صحيح حتى لا تتعرض العضوية للحذف و حظر الآى بى .:: لمشاهدة أحسن للمنتدى يفضل جعل حجم الشاشة (( 1024 × 780 )) و متصفح فايرفوكس ::. جميع المواضيع و الردود تعبر عن راي صاحبها ولا تعبر عن رأي إدارة منتديات الرفيق للتعليم بــتــاتــاً »»إبراء ذمة إدارة المنتدى ، امام الله وامام جميع الزوار والاعضاء ، على مايحصل من تعارف بين الاعضاء او زوار على مايخالف ديننا الحنيف ، والله ولي التوفيق