يصاب أي واحد منا بحزن شديد حينما يرى الدمار وسفك الدماء واستحلال المحارم يحل بأي بلد من البلدان مهما كانت الأسباب أو الدواعي إلى فعل ذلك.
ولا
شك أن ما يصيبنا من حزن لا نفرق فيه من حيث المبدأ بين أن يكون المقتول
مسلماً أو غير مسلم من منطلق أن هذا قتل لنفس بشرية بغير حق، ولكن الحزن
يزداد ويكون عميقا حينما يتعلق الأمر بمسلم؛ لأنه في الحديث المروي أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند
الله من زوال الدنيا))، ويروى عن نافع قال: "نظر عبد الله بن عمر يوما إلى
الكعبة، فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمنون عند الله أعظم حرمة منك"
رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
ولا
شك أيضا أن الحزن يعظم ويكبر حينما يكون القاتل مسلماً؛ لأنه يروى عن سمرة
بن جندب قال: ((إن أول ما ينتن من الإنسان بطنه، فمن استطاع منكم أن لا
يأكل إلا طيبا فليفعل، ومن استطاع أن لا يحول بينه وبين الجنة ملء كف من
دم أهراقه، فليفعل)) [رواه البخاري]، ويروى عن عمر قال: قال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً
حراماً)[رواه البخاري]، ويروى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه:
((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)[رواه البخاري ومسلم].
وكان
من آخر وصاياه - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع: ((إن دماءكم
وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا))[حديث
صحيح]، ويروى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: ((لا يحل دم امرئ
مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق
للجماعة)) [حديث صحيح].
ولقد
رأينا كثرةً للقتل وانتشاراً له بصورة مفزعة في السنوات الأخيرة سوءاً كان
ذلك بين الدول بعضها البعض من حروب واعتداءات أو بداخل الدول ذاتها من قتل
الأفراد أو الجماعات لبعضهم البعض أو قتل الحكام لمعارضيهم حتى صار لفظ
القتل من الألفاظ الشائعة التي لا يكاد أن يمر يوم إلا ونسمعه، بل لا يكاد
أن تجد نقطة في خريطة العالم إلا وبها نزيف دم قد سال، ولا شك أن البلاد
المسلمة كان لها النصيب الأكبر في ذلك سوءاً من الاعتداء عليها كما حدث في
العراق والشيشان وأفغانستان وفلسطين وغيرهم أو من الاقتتال الداخلي كما
يحدث في الصومال والسودان ونيجيريا وغيرهم أو من ظلم الحكام لشعوبهم
وقتلهم كما في بلدان كثيرة.
ولعله
من آخر تلك الأحداث المؤسفة التي راح ومازال يروح بسببها الآلاف ما يحدث
في ليبيا من دمار وتشريد وظلم بيّن من حاكم يقتل شعبه حفاظا على ملكه وهو
أمر لا شك فيه أنّه مفزع ومقلق، فالنظام الليبي بقيادة معمر القذافي ظل في
الحكم أكثر من أربعين سنة كانت بالعقل والمنطق كافية له لفعل كل شيء
وتحقيق كل شيء ونهب كل شيء والقضاء على كل شيء جميل في البلاد فركود الماء
يفسده؛ ولهذا فليس من العجب أن يطالب الشعب بالتغيير، بل من العجب تأخر
الشعب في ذلك ورضاه بهذا الاستبداد البيّن معالمه والواضح شواهده، ولكن
الواحد منا لم يكن يتصور في المقابل أن يكون تشبث هذا النظام بالحكم يصل
إلى درجة قصف الشعب المحكوم بالطائرات والمدفعية والدبابات والاستعانة
بالمرتزقة وقتل الآلاف وتشريدهم بل والاستماتة في فعل ذلك والإصرار على
المواصلة حتى لو تم تدمير البلد بأكملها وحتى آخر ليبي وليبية كما يقول
وهو أمر يدل على الجنون والعته والخبل- وما يقاس عليهما من مفردات -
وفقدان الحكمة وطمس البصيرة.
ويبين
بجلاء ووضوح كيف يُعظم هؤلاء الحكام المستبدين لمصالحهم الشخصية الضيقة
على مصالح بلدهم وسلامة أراضيهم وأهليهم وإلا ما وجدناهم مقدمين على تلك
الأفعال النتنة والجرائم القبيحة ولكان أحرى بهم أن يتركوا السلطة - حتى
وإن ظنوا أنهم أهلاً لها - حقناً للدماء وحفاظاً على مقدرات بلادهم بدلاً
من أن يشيعوا الفوضى ويدمروا البلد بأكملها فلا يجيدون من يحكمونه بعد ذلك.
ولكن
مما لا شك فيه أن هؤلاء لم يعرفوا حب بلدهم يوماً من الأيام وإن أحبوها
افتراضاً وادعاءاً فإن ذلك لكثرة عطائها لهم بما يسلبونه ويسرقونه
وينهبونه من مقدراتها وما وهبه الله لها؛ ولهذا فليس من سبيل مع هؤلاء إلا
أن ينتزع منهم حكمهم وأن يطبق حكم الشرع فيهم ويحاسبوا على ما اقترفته
أيديهم من ظلم وعدوان وبغي وسفك دماء واستحلال محارم ونهب ثروات وهو أمر
قادم لا محالة فالظلم ظلمات وللظالم موعد مؤقت وللمظلوم دعوة لا ترد ودولة
الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة.