الأستاذ لشهب يونس
المدير العام
الجنـسية : المزاج : الـبـلـد : نوع المتصفح : الهواية : المهنة : الجنس : الْمَشِارَكِات : 21381 العمر : 30 تاريخ التسجيل : 01/02/2009 السٌّمعَة : 751 نقاط : 1045653 توقيع المنتدى :
| موضوع: قصة أقدم مسجد في بريطانيا ورقوده بين الركام السبت يونيو 16, 2012 3:49 am | |
| |
قصة أقدم مسجد في بريطانيا ورقوده بين الركام
لعقود طويلة، ظل موظفو المجلس البلدي في مدينة ليفربول البريطانية، يشيرون إلى غرفة تخرين الملفات التابعة للبلدية بـ«المسجد الصغير» من دون أن يعرفوا السبب. فعلى الرغم من علمهم ان المسجد هو المكان الذي يصلي فيه المسلمون، وان غرفة الملفات تلك لا تشبه المسجد، الا ان الاسم التصق بطريقة غريبة بالغرفة منذ سنوات حتى أصبح كنيتها.. الى ان جاء يوم زال فيه غموض التسمية واكتشف موظفو البلدية، أن الغرفة التي يخزنون فيها الملفات، لم تكن فقط مسجدا عاديا، بل كانت اول مسجد للمسلمين في بريطانيا.
«المسجد الصغير» الذي يقع في احدى الغرف الخلفية لمبنى بروهام، مظلم لا يدخله النور. الغرفة التي كتبت منذ اكثر من قرن، تاريخ اكبر اقلية دينية في بريطانيا، بدت كئيبة معتمة، مليئة بالخزائن والرفوف الفارغة. القنطرة التي كانت ترتفع على مدخل الجامع، اختفت ليحل مكانها باب حديدي، بنّي اللون، مقشور الطلاء. المبنى بدا من الداخل وكأنه اصيب بغارة، أو شهد معركة ضروسا. بدا شكله أقرب الى شكل ابنية وسط بيروت قبل اعادة اعمارها او تلك التي أخلتها الجيوش السورية بعد انسحابها من لبنان. الركام يملأ المكان والحيطان متسخة بالكتابات والرموز. الدرج الذي يصل اقسام المبنى الاربعة ببعضها، بدا وكأنه على وشك الانهيار. وسقف المبنى الذي انهار جزء منه، تحول عشّا للعصافير. طيور الحمام اتخذت من الطابق العلوي بيوتا لها، وصبغت حيطانه البيضاء.. بالاسود! مياه الامطار التي نفذت الى داخل غرف المبنى حولت احدى غرفه الى حديقة خضراء مفروشة بالاعشاب البرية والوحول.
التنقل بين غرفة وأخرى في المبنى، كان اشبه باستكشاف أبنية مخيم نهر البارد في شمال لبنان بعد معركة الجيش اللبناني مع جماعة «فتح الاسلام»، والحذر في التنقل بدا وكأنه خوف من انفجار عبوة ناسفة او لغم منسي.
لا شيء في مبنى بروهام المهجور والمهمل، يدلّ على أنه ارث تاريخي لمسلمي بريطانيا، الا بقايا رسوم من الفن الاسلامي، ما زالت منقوشة في احدى زوايا سقف الغرفة التي كانت مسجدا.
قصة هذا المسجد تعود الى عام 1889، ليلة عيد الميلاد. في تلك الليلة أبصر أول مسجد في بريطانيا النور، بعد ان اشترى «شيخ الاسلام في بريطانيا» هنري غيليام الذي اعتنق الاسلام وغير اسمه الى عبد الله، مبنى بروهام، وحول احدى غرفه الى مسجد.
هنري غليام كان رجلا أثار الكثير من الجدل في عصره. فالمحامي البريطاني المولود في مدينة ليفربول، عاد في يوم من الايام من رحلة استرخاء الى المغرب، رجلا مختلفا اختار استبدال قبعته الانكليزية بعمامة بيضاء، وتخلى عن لباسه الكلاسيكي ليلتحف الثوب الابيض. بعض الروايات المتناقلة في مدينة ليفربول، تقول انه كان يحضر جلسات المحكمة مرتديا العباءة التركية، والبعض الآخر يروي انه كان يجول في المدينة على صهوة جواد أبيض، محاولا اقناع سكان مدينته المسيحيين بالتخلي عن ديانتهم أسوة به واعتناق الاسلام. ولد هنري غيليام في عام 1856، وتدرب محاميا ليصبح في ما بعد رجل قانون معروفا. الا ان الضغوط الكثيرة التي كان يتعرض لها، دفعت به الى مغادرة بريطانيا في عطلة استرخاء متوجها الى جنوب فرنسا في عام 1882. ويقال انه من هناك قرر العبور الى الجهة الأخرى من البحر المتوسط، فسافر الى الجزائر والمغرب، وبعد عودته كان رجلا مختلفا.. غير اسمه من هنري الى عبد الله، وأصبح يتكلم العربية والفارسية.. واصطحب معه قردا أصبح حيوانه الأليف الذي لم يفارقه منذ ذلك الحين.
بعد عودته من المغرب، قرر عبد الله افتتاح مسجد في ليفربول، فاختار مبنى بروهام في شارع ويست ديربي. اشتراه وحول احدى غرفه الى مسجد والغرف الاخرى الى مدارس ومؤسسات لتعليم الدين الاسلامي، وأخرى مخصصة للاطفال، وقرر افتتاح المسجد ليلة عيد الميلاد في عام 1889. يقال انه اختار ليلة الميلاد ليفتتح المسجد، ليقيم احتفالا للاطفال الفقراء، الذين لم يتمكن أهلهم من تقديم هدايا لهم.
جال غليام في انحاء بريطانيا يتحدث عن الاسلام في ندوات خاصة، ويبشر بديانته الجديدة. أسس مجلة دورية يعرف فيها بالدين الاسلامي، وكتب تجربة اعتناقه الاسلام في كتاب حمل عنوان «ديانة الاسلام» ترجم الى 13 لغة. كان يفاخر غيليام بكتابه ويقول انه حتى الملكة فيكتوريا وحاكم مصر قرآ كتابه.. خلال عشر سنوات، تمكن من اقناع 150 شخصا باعتناق الاسلام، من بينهم والدته وولداه الاثنان.
ذاع صيته الى أبعد من مدينته وبلده، ووصلت أخباره الى الشرق. وحاز اعجاب وتهنئة عدد كبير من رؤساء الدول الاسلامية، ومن بينهم السلطان التركي عبد الحميد الثاني الذي منحه لقب «شيخ الاسلام في بريطانيا» في عام 1894. وحصل أيضا على تكريم من الشاه الفارسي وامير افغانستان، الذي تبرع له بالاموال لمساعدته على تأسيس الجامع والمدارس التابعة له. ويقول بيتر، موظف في بلدية ليفربول، ان أمير افغانستان تبرع لغيليام بمبلغ يعادل الخمسة آلاف دولار اميركي لشراء مبنى بروهام، وتحويله الى جامع ومدارس. الا ان الاثر الايجابي الذي تركه غيليام لدى البلدان الاسلامية، لم يستطع تثبيته في بلاده. فاعتناقه الاسلام حوّله الى منتقد لاذع لسياسة حكومته، وشن سلسلة هجمات على حكومته بسبب سياستها في السودان. وكان يدافع عن السلطان العثماني امام كل الانتقادات البريطانية، التي كان يتعرض لها بسبب قمعه للثورة الارمنية في عام 1895، وكان يعتبر الانتقادات الموجهة ضد السطان غير عادلة وغير محقة. لم يتمكن المجتمع البريطاني من تقبل انتقادات غيليام وبدأ ينظر اليه على انه تخطى حدود الافعال والاقوال المقبولة. فهاجر «شيخ الاسلام في بريطانيا» الى تركيا في عام 1908 مخلفا وراءه الجامع والمدارس التي اسسها. اما ولداه اللذان اعتنقا الاسلام فقد بقيا في المدينة لفترة وجيزة بعد رحيله، قبل ان يبيعا مبنى بروهام للبلدية، ويهاجرا بدورهما الى الشرق. ولم يعرف عنهما شيء منذ ذلك الحين. وعلى الرغم من ان شائعات تسري ان الشيخ عبد الله كان يعود الى بريطانيا مستعملا اسماء مزيفة، الا ان عودته لم تسجل الا قبل سنوات قليلة من وفاته في عام 1932. وبعد وفاته، دفن شيخ الاسلام في مدينة ووكينغ التي تضم عددا كبيرا من للمسلمين البريطانيين. وهكذا مع وفاة الشيخ عبد الله واختفاء ولديه واغلاق مؤسساته، وبيع مبنى بروهام للبلدية، ضاعت قصة اول مسجد في بريطانيا في صفحات الزمن.. الى ان وجدها باحثان، هما رشيد وسمية، خلال تحضيرهما لبحث جامعي في عام 1998.
لم يكن وقع الخبر عاديا على الجالية المسلمة في ليفربول. ويقول محمد أكبر علي رئيس جمعية عبد الله غيليام التي تأسست منذ عشر سنوات، بهدف اعادة ترميم المبنى وتحويله متحفا يضم ارث المدينة الاسلامي واعادة افتتاح الجامع بعد توسيعه: «المسلمون في بريطانيا يبحثون دائما عن جذورهم خارج بلدهم، وكان أمرا رائعا اكتشافنا ان لنا جذورا في بلدنا».
مبنى غيليام لا يزال اليوم مملوكا لبلدية ليفربول. وقد وافقت البلدية على تأجيره لجمعية عبد الله غيليام لمدة سنتين تنتهي في سبتمبر (أيلول) المقبل، قد تمدد الى 150 عاما في حال اثبتت الجمعية قدرتها المالية على ترميم المبنى.
الا ان أكبر يقول، ان الاضرار الكبيرة التي لحقت بالمبنى بسبب إهماله لسنوات طويلة، تجعل تكلفة ترميمه مرتفعة جدا، تصل الى خمسة ملايين دولار اميركي، وهو رقم يجد اصحاب المؤسسة صعوبة بالغة في جمعه، واقناع الممولين بصحته، بسبب التكلفة العالية للبضائع واليد العاملة في بريطانيا.
ويضيف: «لقد تلقينا وعودا كثيرة في الماضي من مسؤولين ووسطاء عرب، ولكننا لغاية الآن لم نسمع منهم شيئا ولم نتلق اية تبرعات لإعادة ترميم المبنى وافتتاح الجامع». برأيه، قد يكون غياب القبة عن الجامع هو ما يجعل المتبرعين اقل حماسة لدفع الاموال، ولكنه يذكر بأنه أول جامع بناه النبي محمد، لم يكن لديه منارة ايضا. ويشير الى ان المشروع يتضمن توسيع الجامع وبناء قبة ومأذنة له. | | |
|