الطفل العصبي .. الأسباب .. الأعراض .. الوقاية
تعتبر ظاهرة الطفل العصبي من الظواهر الحساسة والدقيقة والخطيرة في كل أسرة من الأسر التي تكون المجتمع ، ولعلها مشكلة لا ترجع إلى عوامل
نفسية وحسب ، وإنما لها عوامل جسمية تؤثر في عدم استقرار الطفل ، إن مهمة الوالدين هنا هي محاولة الوقوف عند الأسباب الكامنة خلف هذه ا
لظاهرة وفهمها ومن ثم مساعدة الطفل في سبل الخلاص منها وبالتالي الوقاية منها بوسائل غير قهرية ، مرنة وهادئة . وترى بعض الدراسات النفسية أ
ن أهم أسباب عصبية الأطفال هي الشعور بالعجز والعداوة وكذلك الشعور بالعزلة والانطوائية والحرمان من الدفئ العاطفي والحنان الأسري.
وكذلك تأثير الآباء الذين يقسون على أبنائهم مما يخلق لدى الأبناء حالات عصبية شديدة ومتعددة يضاف إلى ذلك أن التفريق بين الأبناء الكبار
والصغار ، الذكوروالإناث المجتهدين وقليلي الإجتهاد، يؤدي إلى حالات عصبية لدى الأطفال ، يضاف أيضاً عامل مهم جداً وهو : المشاجرة بين الأهل
في المنزل ، إذ أن الصراخ العالي والشتائم أمام مرأى ومسمع الأبناء له مخاطر سلبية كبيرة على تركيبهم النفسي ، حيث يشعرون بعدم الأمان وعدم
الراحة والقلق ، إن الجو الأسري السلبي الذي يكتنفه مشكلات الوالدين يؤدي إلى حالات من التهور والعدوانية والعصيان لدى الأبناء ، يشعرون
بمستويات عالية من الضيق النفسي والتوتر والعصبية ، ومن العوامل الجسمية التي تؤدي إلى العصبية لدى الطفل اضطراب الغدة كزيادة افراز الغدة ا
لدرقية ، وسوء الهضم والإصابة باللوز والديدان ، ومرض الصرع ، لذلك فإنه من الضرورة بمكان عند معالجة حالات الاضطراب والقلق والعصبية لدى
الطفل الانتباه إلى خلو الطفل من الأمراض العضوية التي تؤثر على صحته العامة ، فإن وجد الطفل سليماً من الناحية الجسمية عندها تكون أسباب
العصبية هي نفسية ، وجدير بالإشارة إلى أن الأب الذي يعاني من العصبية والتوتر ينقل هذه المظاهر ِإلى أطفاله ، لأن الطفل في حقيقته الأمر يلاحظ
سلوك أبيه وينقل تصرفاته ، وبذلك فإنه يتعلم أساليب جديدة للاستثارة الانفعالية ، وكذلك الأم الثائرة الغاضبة الحانقة تعلم أطفالها العصبية والتهور
والرعونة بدلاً من أن تعلمهم مجابهة الحياة بتروٍ وهدوء دون انفعال أو عصبية مبالغ ٍ فيها ، والأم التسلطية تصبح مصدراً من مصادر الإحباط للطفل
فيقاومها كلما
تمكن من ذلك بعكس الأم المرنة الهادئة التي يحبها الطفل ويثق فيها
وبالتالي يخضع لمشيئتها ،وينفذ مطالبها بكل قناعة وهدوء واطمئنان
، يمكننا أن نستنج من ذلك أن كل الحالات الانفعالية السلبية والإيجابية من عملية التأثر بالآباء باعتبارهم مصادر السلطة ، وعندما يكبر الطفل ينقل هذه الانفعالات والأساليب ويبدأ في تعميمها ، ومن هنا فإن التربية الحديثة تؤكد على تربية الآباء قبل تربية الأبناء ، تربية المعلمين قبل التلاميذ
الصغار ، وإذا كانت القسوة تؤدي إلى عصبية الأطفال وتوترهم فإن التدليل
المبالغ فيه ، والإفراط في الحماية يؤديان إلى عصبية الأطفال وانفعالاتهم المرضية
وتوترهم الدائم ذلك لأن التدليل ينمي في شعور الطفل صفة الأنانية ويجعله
دائم التمركز حول ذاته ، وكأن ذاته هذه هي محور الكون ومركز اهتمام البيئة
، فيتعلم ضرورة الاستجابة
لطلباته ورغباته دون تأخير أو تأجيل ، ويثور ويغضب إن لم تجب طلباته
ورغباته ، ... ويمكن أن يعاني من العصبية والتوتر الطفل الذكي باعتبار أن
المستوى الفكري لديه يفوق أشقائه وأقرانه فيدرك ويستوعب كل ما يقال له
بشكل أسرع وأعمق ، ويمكن ملاحظة
أنه كلما استرسل المعلم في الشرح والتكرار شعر هذا الطفل بالملل والضيق
والتبرم لأنه يستوعب بسرعة ملحوظة فنزاه يستخف بالدراسة وحتى في المنزل لا يبذل جهداً كبيراً في التحصيل والاستذكار .. ومن المعروف أن الطفل الذكي كثير الأسئلة مما يعرضه للسخرية واشمئزاز الأهل أو المعلم مما يؤدي إلى خلق حالات توتر وضيق وقلق نفسي ،
والإحباط ، فيلجأ إلى أسلوب العصبية والعدوانية ، وللأسف فإن كثيراً من
الأهل يوصمون طفلهم العصبي ب” الجنون “ علماً أن عصبية الطفل هذه ناتجة
أساساً عن إفرازات تربيتهم الخاطئة له ولأشقائه ، وعلماً أن مثل هذا الطفل
قد يكون مبدعاً باعتباره حساساً وذكياً ، وهاتين سمتين للمبدعين عندها
يكون ضحية “ التخلف الأهلي” إن جاز التعبير – هذا ويمكن للمدرسة الكشف عن
الأطفال الأذكياء والموهبين باجراء اختبارات تكشف عن السمات السيكولوجية
التي تتوافر بدرجة كبيرة في مثل هؤلاء الأذكياء وهي على سبيل المثال لا الحصر استقلال التفكير – دقة الملاحظة – قوة الذاكرة – سرعة الفهم وعمقه – القدرة على الابتكار
والتجدد – الثقة بالنفس وعدم التردد – قوة الإرادة والمثابرة – الحساسية
الزائدة للأشياء – الرغبة في التفوق وبذل الجهد – سرعة النمو التحصيلي –
القدرة الفائقة على مواجهة الصعاب والعراقيل .
من أعراض العصبية يمكننا أن نذكر :
أعراض العصبية :
1 - مص
الأصابع يعتبر مص الأصابع في الشهور الأولى لنمو الطفل عملية طبيعية يلجأ
إليها كل الأطفال ، ولكن الخطورة تقع إذا استمر ذلك حتى سن العاشرة مثلاً ، وفي هذه الحالة تعتبر هذه الحركة عرضاً من أعراض العصبية ، وقد يصاحب ذلك أحلام يقظة أو سرحان أو اكتئاب .
2 - قضم الأظافر : وهي عادة قوامها اللجوء من جانب الأولاد
والبالغين إلى عض الأظافر النامية في أصابع اليدين ، ومحاولة قضمها ، وهي
من العادات التي يصعب استئصالها وهذه الحركة تدل على انفعال الغضب ِِأو
الشعور بالحرج ، وهومن ظواهر وأعرض التوتر النفسي والعصبي ، وقد يكون نتيجة عدم قدرة على التكيف مع البيئة أو عدم مواجهة بعض مواقف الحياة ، وهذه الحركة تزداد كثيراًِ عند التلاميذ أيام الامتحانات .
3 - هناك حركات غير طبيعية يلجأ إليها بعض الأطفال تدل على العصبية ومنها مثلاً
– تحريك الساق وهزه بشكل شبه متواصل ، تحريك رمش العين بشكل مستمر ،
وتحريك الأنف ذات اليمين وذات اليسار ، تحريك الرقبة ، وتحريك الفم أو
الأذن وعندما تتأصل هذه الحركة في الطفل فإنها في الواقع وسائل للتخلص من
التوترات العصبية الناتجة عن اضطرابات نفسية شديدة .
كيف يتم وقاية الطفل من العصبية؟
* الحقيقة يمكن ِِأن نقي الطفل من ظاهرة العصبية بالنقاط التالية :
1 - عدم
التفريق بين الأبناء في المعاملة أو تفضيل الذكور على الإناث ، إقتداءً
بالرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول في حديث رواه الترمذي “ من كانت له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو ابنتان أو أختان فأحسن صحبتهن وأتقى الله فيهن فله الجنة”.
2 - افساح المجال أمام الأطفال في المخالطة والتعاشر الاجتماعي
مع أصدقائهم وأجواء بيئتهم للترويح عن أنفسهم ، وتفريغ طاقاتهم المختنقة
في صدورهم وأعماقهم ، وإفساح المجال لنمو شخصياتهم اجتماعياً مع الانتباه ِإلى عدم مخالطة رفاق السوء .
3 - الإقلال
من التدخل في شؤون الأطفال ، وترك فسحة الحرية لهم لتدبير أمورهم إذ أن
كثرة التدخل في شؤون الأطفال من قبل الآباء يؤدي إلى خلق حالات توترية وقلقة لدى الأطفال ، وبالتالي تنشأ العصبية لذلك فإن الاعتدال في التدخل مسألة ضرورية ومهمة ومفيدة في آنٍ .
4 - السعي ما أمكن لإشباع الحاجات السيكولوجية والعاطفية بتوفير أجواء الاستقرار والمحبة والحنان والأمان والدفء ، وتوفير الألعاب الضرورية والآلات التي ترضي ميولهم ، ورغباتهم ، وهواياتهم ، لأن ذلك يساهم في تطوير شخصياتهم .
5-
التخفيف أو حتى الإلغاء من مظاهر القسوة التي يما رسها الآباء تجاه
الأبناء لأن ذلك يؤثر في شخصياتهم التي تتجه – إزاء ذلك - إلى العنف
والعصبية والتوتر والعدوانية أو الانطوائية والإنغرالية .
6 - تشجيع الأطفال على الإبداع، وعدم السخرية من الطفل الموهوب أو
المبدع وفهم سيكولوجيته ، وتوفير مستلزمات وحاجات العملية الإبداعية للطفل لكي يتطور وينمي موهبته لخدمة الفرد والأسرة والمجتمع
وهكذا.. فإن الاهتمام بالطفل وإشباع حاجاته النفسية ، وعدم التفريق بين
الأبناء ، وخلق أجواء الهدوء والمحبة والاستقرار ، وتحفيزهم على التخالط
والمعاشرة الاجتماعية
، وتنمية الإبداع لدى الطفل الموهوب ، وعدم السخرية منه أمور ضرورية
وهامة لبناء شخصياتهم ولإبعادهم عن مظاهر العصبية والعنف والعدوانية وهذه
مهمة الأسرة والمدرسة والمؤسسات التربوية والتعليمية والإعلامية.
منقول