الأستاذ لشهب يونس
المدير العام
الجنـسية : المزاج : الـبـلـد : نوع المتصفح : الهواية : المهنة : الجنس : الْمَشِارَكِات : 21381 العمر : 30 تاريخ التسجيل : 01/02/2009 السٌّمعَة : 751 نقاط : 1045633 توقيع المنتدى :
| موضوع: دلالات تربوية على سورة قريش الجمعة يوليو 13, 2012 7:43 am | |
| |
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .. وبعد
(لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ[1]* إِيلَافِهِمْ[2] رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ* فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [قريش: 1، 4].
تضع هذه السورة أمامنا عدة تساؤلات، من هم قريش؟ وماذا قال القرآن في شأن أهل القرى عامة وقريش خاصة؟ ولماذا منَّ الله - تعالى - عليهم بالنعمة؟ وكيف قابلوا هذه النعمة؟
أولاً: من هم قريش؟
قريش هم قوم النبي، وقد ابتدأ النبي الدعوة فيهم؛ لقوله - سبحانه -: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء: 214]، وبالرغم من ذلك فقد كانوا أشدَّ الناس عداوة وحربًا لدين الله - تعالى- لذا كانوا يمثلون الخطر الأول على الإسلام؛ لأنهم يريدون أن يقضوا على الإسلام في بيته وقبل أن ينتشر ويصل إلى مرحلة العالمية؛ لذا فإن تخصيص الله - تعالى – لهم بالذكر في هذا القرآن وتسمية هذه السورة باسمهم ليدل على أن القرآن يريد أن يلفت انتباهنا إلى أمر هام، وهو أن أشد العداوات صعوبة ووطأة على الدعاة والمصلحين تكون أحيانًا من قومهم أنفسهم؛ إذ كيف يكون البر وصلة الرحم للأقرباء، وهو من أهم أهداف الدعوة الإسلامية، وفي ذات الوقت يكون الخصام في الله والحرب والعداوة بين الداعية وقومه، متى صدُّوا عن سبيل الله تعالى؟
لذا؛ كان من الصعوبة بمكان أن يجمع الداعية بين أمرين متناقضين: الحب لوطنه ولقومه وعشيرته، وفي ذات الوقت حربهم متى وقفوا حائلين أمام انتشار الدعوة الإسلامية، وقد أشار القرآن لهذا الابتلاء؛ إذ قال - سبحانه -: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) [الشورى: 23]، وفي ذات الوقت أمر - سبحانه - أن يتبرأ الداعية من قومه ويحاربهم في الله، متى صدوا عن سبيله؛ لذا قال - سبحانه -: (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة: 24]، وهو الأمر الذي له دلالة واضحة على أن الإسلام يريد أن يخلص المسلم من كلِّ متعلقات الدنيا ليتعلق قلبه بالله وحده فحسب، فما كان يرضيه - سبحانه - مال القلب إليه، وما كان لا يرضى عنه - تعالى - كان القلب عازفًا عنه مشغولاً بما يرضاه فقط؛ لذا قال - سبحانه -: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا - رضي الله عنهم - وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُون) [المجادلة: 22].
ثانيًا: ما خطاب الله - تعالى - لأهل القرى عامة ولقريش خاصة؟
تضع (سورة قريش) معيارًا للدولة القوية، حيث تقاس قوة
الدول بأمرين:
الأول: ما تنعم به من استقرار أمني.
والثاني: ما تنعم به من إشباع لحاجاتها
الضرورية، وبخاصة من السلع الاستهلاكية المتمثلة في الطعام والشراب.
وقد حقق الله - تعالى - هذين الأمرين لدولة قريش، وهو ما انعكس على استثماراتها الخارجية، فتعودت على رحلتين؛ إحداهما في الشتاء والأخرى في الصيف، وهو ما يدل كذلك على استقرار الأحوال الاقتصادية لهذه الدولة طوال العام، وعدم تعرضها لكساد في التجارة
الخارجية، رغم اختلاف فصول السنة باعتبارها عوامل خارجية تؤثر في أذواق المستهلكين وحجم الإنتاج؛ لذا كان من الطبيعي أن يذكرهم الله - تعالى - بالنعمة، وذلك حتى يؤدوا واجب الشكر عليها؛ لقوله - سبحانه -: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].
وعليه؛ فإن الدولة القوية اقتصاديًّا وأمنيًّا إذا لم تكن بذات القوة الإيمانية، فإنه لا شكَّ أن ملكها يؤول إلى الزوال، والعكس كذلك صحيح، إذ سوف يبارك الله في رزقها طالما تمسكت بشرع ربها.
وللأسف فإن بعض الدول غير المسلمة تضغط على بعض الدول المسلمة بهذين الأمرين: الطعام
والأمن، فتراها تقطر الطعام والمعونات للدول الفقيرة؛ لكسب تعاطفها السياسي أو العسكري، وكذلك تقف بجوار الدول الغنية - الضعيفة عسكريًّا - لتؤمنها مقابل أن تتدخل في شؤونها الأمنية والسياسية على نحوٍ يحقق مصالح تلك الدول سالفة الذكر، والله - سبحانه - قد عالج هذه الإشكالية وخاطب ولاة الأمور أن يرجعوا لربهم، فهو الذي أطعم وهو الذي آمن، وليس لتلك الدول العظمى فضل في ذلك، بل إن أعظم الدول فقيرة إلى إطعام الله وأمان الله - تعالى - قال - سبحانه -: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا
وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96].
ثالثًا: لماذا منَّ الله - تعالى - علي قريش بالنعمة؟ وهل خصها وحدها بذلك؟
قال- سبحانه -: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) [إبراهيم:35]، فالله - سبحانه - قد استجاب لدعوة نبيه إبراهيم وأغدق على هذه البلدة الأمن والرخاء الاقتصادي؛ كما قال - سبحانه -: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [البقرة: 126].
إن الناظر في التاريخ والمتأمل فيه ليرى أنه من العجب العجاب أن يتحول شعب همجي لا يعرف إلا الثأر والقتل والحرب، وشعب غير أخلاقي يطوف بالبيت عريانًا ويكثر فيه الزنا والرايات الحمر، وشعب جاهل يسجد لصنم ويعبد صنمًا من حجارة أو عجوة، شعب غبي ألِف الخمر وأدمنه، كيف يتحول هذا المجتمع المنهار أخلاقيًّا واجتماعيًّا وأمنيًّا إلى مجتمع ينعم بالأمان والاستقرار والرخاء الاقتصادي؟
الله- سبحانه - يضرب لنا المثال بمكة المكرمة، ويوضِّح لنا رسالة هامة؛ وهي أنه مهما وصلت الأمم والشعوب إلى هوية السقوط والتفسخ الأخلاقي والانهيار الاقتصادي إلا أن تغيير هذا الشعب ليس بعزيز على الله - تعالى - وذلك متى استجاب هذا الشعب لربه وآمن به، فهذا المثال يزيد الأمل في المستقبل، فعندما ننظر في زمننا إلى تلك المجتمعات التي شابهت قريشًا في الأخلاق، فإننا بالكاد نحاول أن نصبر على أذاها للإسلام والمسلمين، بل ولأي خير أو عفة أو فضيلة على هذه الأرض، لكننا عندما نرجع للتاريخ، ونرى كيف حول الله - تعالى - هذا البلد إلى أكبر مركز إسلامي عالمي على وجه هذه المعمورة؟ كيف يفد إليها المسلمون من كل بقاع الأرض؟ لنعلم يقينًا أن التغيير ليس بأيدينا، وإنما علينا فحسب البلاغ والدعاء، فكما استجاب الله لنبيه إبراهيم وقد بلغ وأوفى، فإنه - سبحانه وتعالى - سوف يستجيب لغيره من الدعاة المخلصين في دعوتهم المجتهدين في تبليغ الإسلام؛ ليعم هذا الدين الأرض كلها ويظهر على الدين كلِّه، كما وعد الله بذلك.
رابعًا: كيف قابلوا هذه النعمة؟
عن ابن مسعود قال: إن قريشًا أبطؤوا عن الإسلام، فدعا عليهم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها، وأكلوا الميتة والعظام فجاءه أبو سفيان، فقال: يا محمد، جئت تأمر بصلة الرحم، وإن قومك هلكوا فادع الله، فقرأ: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ)، ثم عادوا إلى كفرهم، فذلك قوله - تعالى -: (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى)؛ يوم بدر[3].
قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) [إبراهيم: 28]، قال ابن عباس في هذه الآية: هم والله كفار قريش[4].
وعن عبد الله بن مسعود: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلِّي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس، إذ قال بعضهم لبعض: أيكم يجيء بسلا جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فجاء به، فنظر حتى سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ووضعه على ظهره بين كتفيه وأنا أنظر لا أغير شيئًا لو كان لي منعة، قال: فجعلوا يضحكون ويحيل بعضهم على بعض ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساجد لا يرفع رأسه حتى جاءته فاطمة، فطرحت عن ظهره، فرفع رأسه، ثم قال: ((اللهم عليك بقريش)) ثلاث مرات، فش عليهم إذ دعا عليهم، قال: وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة، ثم سمى: ((اللهم عليك بأبي جهل، وعليك بعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط))، وعدَّ السابع فلم نحفظه، قال: فوالذي نفسي بيده، لقد رأيت الذين عدَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صرعى في القليب قليبِ بدر[5].
المختار الاسلامى
|
| |
|