1- يربي
في النفس الخشية من الله تعالى في السرّ والعلن: إذا لا رقيب على الصائم
إلا ربه، فإذا شعر بالجوع أو بالعطش الشديد، وشمّ رائحة الطعام الشهي، أو
ترقرق في ناظريه برودة الماء وعذوبته، وأحجم عن تناول المفطر، بدافع
إيمانه، وخشية ربّه، حقق معنى الخوف من الله، وإذا ازينت الشهوات له،
وترفع عنها، خوفاً من إنتهاك حرمة الصوم، فقد استحيا من الله، وراقب
ربَّه. وإذا استبدت الأهواء بالنفس، كان سريع التذكر، قريب الرجوع بالتوبة
الصحيحة، كما قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ
طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)
(الأعراف/ 201).
ومن أعظم فوائد الصوم الروحية: أنّ الصائم يحتسب الأجر والثواب عند الله ويصوم لوجه الله وحده.
2- يكسر
حدّة الشهوة، ويخفف من تأثيرها وسلطانها، فيعود إلى الإعتدال وهدوء
المزاج، كما قال (ص) واصفاً الصوم لمن يتعذر عليه الزواج – فيما رواه
الجماعة عن ابن مسعود: ".. ومَن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنّه له وجاء"،
أي بمثابة الخصاء مضعف للشهوة. وقال أيضاً – فيما رواه النسائي عن معاذ -:
"الصوم جُنَّة" أي وقاية من المعاصي.
3- يستدعي
الإحساس المرهف والشفقة والرحمة التي تدعوه إلى البذل والعطاء، فهو عندما
يجوع يتذكر من لا يجد قوتاً من البائسين، فيحمله الصيام على مواساتهم،
وهذا من أوصاف المؤمنين التي ذكرها الله: (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (الفتح/ 29).
4- فيه
تحقيق معنى المساواة بين الإغنياء والفقراء، والأشراف والعامة، في أداء
فريضة واحدة، وهذا من فوائد الصيام الإجتماعية، كالحالة السابقة.
5- يعوِّد
على النظام في المعيشة، وضبط الإرادة فيما بين فترتي السحور والإفطار في
وقت واحد، ويحقق الوفر والإقتصاد إذا التزمت آداب الصيام.
6- يجدد
البينة، ويقوي الصحة، ويخلص الجسد من الرواسب والتخمرات الضارة، ويريح
الأعضاء، ويقوي الذاكرة إذا حزم الإنسان أمره، وتفرغ لعمله الذهني دون أن
يشغل نفسه بتذكر المتع الجسدية، ويجمع ذلك كله قول النبي (ص) – فيما رواه
أبو نعيم في الطب عن أبي هريرة -: "صوموا تصحوا". وهذا يكون بعد الأيام
الثلاثة أو الأربعة الأولى عادة، بعد أن يتعود الإنسان على الصوم، ويستعلي
على حالات الإسترخاء في الفترة الأولى من بدء الصيام.
وكل
هذه الفوائد الجسدية والروحية والصحية والإجتماعية مشروطة بالإعتدال في
تناول وجبات الإفطار والسحور، وإلا أصبح الحال عكسياً، وانقلب الأمر
وبالاً وعناءً وضرراً إذا أتخم الإنسان معدته، ولم يعتدل في طعامه وشرابه.
وكذلك
يشترط في الصوم لتحقيق تلك الغايات عفة اللسان وغضّ البصر والإمتناع عن
الغيبة والنميمة واللهو الحرام، كما قال (ص) عن الله تعالى: "من لم يدع
قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه من أجلي" أي
من أجل الله. وربَّ صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش. فالإمساك عن
المفطرات المعنوية مثل الإمساك عن المفطرات المادية الحسية، سواء بسواء.