عن
عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - يقول : ( قال الله تبارك وتعالى : أنا الله وأنا الرحمن ، خلقت
الرَّحِم ، وشققت لها من اسمي ، فمن وصلها وصلته ، ومن قطعها بتَتُّه )
رواه الترمذي وأبو داود وأحمد في المسند ، وصححه الترمذي والألباني .
معاني المفردات
الرحم : القرابة من ذوي النسب والأصهار .
وصلها
: الصلة البر وحسن المعاملة ، وهي كناية عن الإحسان إلى الأقربين والعطف
عليهم , والرعاية لأحوالهم ، وقَطْعُ الرحمِ ضد ذلك كله .
بتته : البت القطع .
فضل صلة الرحم
وردت
أحاديث كثيرة ترغب في صلة الأرحام وتبين أجرها وثوابها ، فصلة الرحم شعار
المؤمنين بالله واليوم الآخر ، وفي الحديث : ( من كان يؤمن بالله واليوم
الآخر فليصل رحمه ) رواه البخاري ، وهي من أعظم أسباب زيادة الرزق والبركة
في العمر ، قال - صلى الله عليه وسلم - : ( من أحب أن يبسط له في رزقه
وينسأ له في أثره فليصل رحمه ) رواه البخاري ِ، وعند الترمذي أن رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - قال : ( تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ،
فإن صلة الرحم محبة في الأهل ، مثراة في المال ، منسأة في الأثر ) .
وصلة
الرحم توجب صلة الله للواصل ، وتتابع إحسان الله وخيره وعطائه على العبد ،
كما دل ذلك الحديث القدسي الذي بدأنا به الموضوع ، وهي من أحب الأعمال إلى
الله بعد الإيمان بالله وفي الحديث : ( أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله
ثم صلة الرحم... ) رواه أبو يعلى وحسنه الألباني .
كما أن صلة
الرحم من أسباب دخول الجنة وفي الحديث يقول - صلى الله عليه وسلم - ( يا
أيها الناس أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلوا بالليل
والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام ) رواه أحمد و ابن ماجة .
من كبائر الذنوب
وقطيعة
الرحم ذنب عظيم ، يفصم الروابط بين الناس ، ويشيع العداوة والبغضاء ،
ويفكك التماسك الأسري بين الأقارب ، ولأجل ذلك جاءت النصوص بالترهيب من
الوقوع في هذا الذنب العظيم ، وأنه من أسباب حلول اللعنة وعمى البصر
والبصيرة قال سبحانه : { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا
أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم } (محمد: 23-22) ،
وأن عقوبته معجلة في الدنيا قبل الآخرة ، قال - صلى الله عليه وسلم - : (
ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في
الآخرة من البغي وقطيعة الرحم ) رواه الترمذي وغيره ، وأنه من أسباب حرمان
الجنة ورد الأعمال على صاحبها ، ففي البخاري من حديث جبير بن مطعم أن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يدخل الجنة قاطع ) وجاء عن ابن
مسعود رضي الله عنه أنه كان جالساً بعد الصبح في حلقة فقال : " أنشد الله
قاطع الرحم لما قام عنا ، فإنا نريد أن ندعو ربنا، وإن أبواب السماء مرتجة
- أي مغلقة - دون قاطع الرحم " .
بم تكون الصلة ؟
صلة
الرحم تكون بأمور عديدة منها زيارتهم والسؤال عنهم ، وتفقد أحوالهم , ,
والإهداء إليهم , , والتصدق على فقيرهم ، وتوقير كبيرهم , ورحمة صغيرهم
وضعفتهم ، ومن صلة الرحم عيادة مرضاهم ، وإجابة دعوتهم ، واستضافتهم ،
وإعزازهم وإعلاء شأنهم ، وتكون - أيضًا - بمشاركتهم في أفراحهم ,
ومواساتهم في أتراحهم , والدعاء لهم , وسلامة الصدر نحوهم , وإصلاح ذات
البين إذا فسدت , والحرص على توثيق العلاقة وتثبيت دعائمها معهم ، وأعظم
ما تكون به الصلة , أن يحرص المرء على دعوتهم إلى الهدى , وأمرهم بالمعروف
ونهيهم عن المنكر ، وبذل الجهد في هدايتهم وإصلاحهم .
ليس الواصل بالمكافئ
وقد
يصل البعض أقاربَه وأرحامَه إن وصلوه ، ويقطعهم إن قطعوه ، وهذا ليس
بواصلٍ في الحقيقة ، فإن مقابلة الإحسان بالإحسان مكافأة ومجازاة للمعروف
بمثله ، وهو أمر لا يختص به القريب وحده ، بل هو حاصل للقريب وغيره ، أما
الواصل - حقيقةً - فهو الذي يصل قرابته لله ، سواء وصلوه أم قطعوه ، وفيه
يقول - صلى الله عليه وسلم -: ( ليس الواصل بالمكافئ ، ولكن الواصل الذي
إذا قطعت رحمه وصلها ) رواه البخاري .
وقد كان هذا حال الواصلين
لأرحامهم على هذه الصورة من الإحسان حتى مع اختلاف الدين ، يشهد لذلك ما
ورد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهديت له حلل كان قد قال عن
مثلها : ( إنما يلبس هذه من لا خلاق له ، فأهدى منها إلى عمر ، فقال عمر
كيف ألبسها وقد قلت فيها ما قلت ؟ قال : إني لم أعطكها لتلبسها ، ولكن
تبيعها أو تكسوها ، فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم )
رواه البخاري .
ثم إن أفضل الوصل مقابلة الإساءة والعدوان بالبر
والإحسان ، ولما جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال له :
إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني ، وأحسن إليهم ويسيئون إلي ، وأحلم عنهم
ويجهلون علي ، قال له - عليه الصلاة والسلام - : ( لئن كنت كما قلت فكأنما
تُسِفُّهُم الملَّ ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك )
رواه مسلم ، والملُّ هو الرَّماد الحار ، فكأنه شبه ما يلحقهم من الألم
والإثم - والحالة هذه - بما يلحق آكل الرماد الحار .
فهذا مما
يبقي على الودّ ، ويحفظ ما بين الأقارب من العهد , ويهون على الإنسان ما
يلقاه من إساءة أقاربه ، ومقابلة معروفه بالنكران ، وصلته بالهجران ، وفيه
حث للمحسنين على أن يستمروا في إحسانهم ، فإن الله معهم ومؤيدهم ومثيبهم
على عملهم .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]