فن الامتناع.. لحياة زوجية لا تعرف الملل
لم يكتمل وصف الجنة ونعميها إلا بقوله تعالى:{ لا يبغون عنها حولا}..
فالإنسان مجبول على السآمة والتقلب، يتمنى الشيء ويولع به حتى إذا ناله
وحصل عليه بدء الفتور يتسلل إلى قلبه، وسرعان ما يفقد الجديد لذته وبهجته،
لذا كان إخبار العليم الحكيم – جل وعلا- بأن أهل الجنة لا يبغون عنها حولا
من أعظم أحوالهم وتنعمهم.
والإنسان
الذكي وهو يسوس نفسها، ويبحث عن الحياة الطيبة يجب ألا يغفل هذه الحقيقة،
وهي أن القلوب تتقلب.. والنفس تسأم وتمل مهما كان اقتناعها وحبها للشيء، بل
إن الإيمان الحق يعتريه القِدم والبلى، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن الإيمان ليخلقُ في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم). رواه الطبراني والحاكم، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة.
فإذا
كان هذا في الإيمان الذي هو أعظم الحقائق وأقوى المدركات وأعمقها، فكيف
بما هو دونه من أعمال وعادات وأنشطة، بل كيف بالعلاقات والأواصر.
وفي
الشريعة الغراء إرشادات هامة لتجديد الإيمان، ودفع الفتور، انطلاقا من
إدراك طبيعة الإنسان، ومنها: عدم مشادة الدين لقوله صلى الله عليه وسلم: (عَلَيْكُمْ مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا) متفق عليه.
ومنها: الترويح عن النفس (إن لربك عليك حقّاً، ولنفسك عـلـيــك حقّاً، ولأهلك عليك حقّاً، فأعط كل ذي حق حقه). حديث تقريري رواه البخاري في الصحيح.
وسياسة النفس بالرفق: لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ قَعَدَ). رواه مسلم
ومنها:
التنويع في العبادات، فمنها الفردية ومنها الاجتماعية، ومنها عبادات الجسم
وعبادات المال، ومنها عبادات امتناع وعبادات عطاء وعمل، ونحو ذلك.
ومنها: الدعاء بأن يجدد الله الإيمان، ويثبت القلب على الهدى.
الزواج
هو ميثاق غليظ يشترط لصحة انعقاده نية الديمومة، فهو علاقة يراد لها
البقاء حيث يترافق الزوجان في رحلة حياتهما، ويتشاركان العمر بحلوه ومره،
بنعمائه وضرائه.
وعلاقة
بهذا القرب وهذا الطول هي بالتأكيد عرضة للفحات الملل، وغيوم السآمة، ومن
الطريف أن بعض الازواج يلجأون إلى اختلاق المشكلات، وتصعيد الخلافات كنوع
من التجديد في العلاقة، بزعم أن مشاعرهما بعد الصلح تكون متوهجة، ويعود
للتقارب لذته الأولى!
وهذه
طريقة غريبة وغير مأمونة العواقب، والنجاح في الحياة الزوجية هو تعلم
مهارات التجديد، وعبور أمواج الملل بسلامة، دون زعزعة استقرار البيت، أو
تهديد أمان الأسرة.
لم
تمض ثلاثة أشهر على زواجها حتى كانت جميع أوراقها الأنثوية والإنسانية قد
احترقت.. جميع الألوان ارتدتها، والمفاتن بإلحاح أبرزتها، أنواع الزينة
وصيحات الماكياج طبقتها، قصص العائلة والصديقات وحكايات الطفولة والجارات
سردتها.. باحت بالأسرار، عرضت الأحلام والآمال، بثت الأشواق وبذلت الحنان..
منحت زوجها السعادة الزوجية دفعة واحدة مضغوطة، ووجبة دسمة ثقيلة، كان
هدفها إسعاده، وأن تملك قلبه وعقله، كانت غايتها إرضاء الله فيه، وبذل
الوسع لإعفافه وملأ عينيه، أن تسعد هي به أيضًا وتستمع بنمط حياتها الجديد.
ولكنها
في سبيل تحقيق هذه الأمور المشروعة والنبيلة، بددت مدخراتها، ولم تحسن عرض
جواهرها، فتتابع الإبهار يفقد العين قدرتها على الإبصار والملاحظة.
عندما يذكر امتناع المرأة يتبادر إلى الأذهان الامتناع المحرم، الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح ). متفق عليه
وهذا
الامتناع المحرم يؤسس للكراهية والحقد، ويؤدي إلى عواقب وخيمة من إيذاء
الزوج لزوجته ومعاقبته لها جسديا أو ماليا أو اجتماعيا، وقد يدفعه للخيانة
ويهوي به في مستنقعات الرذيلة، وقد يهدم الأسرة ويقوِّض بناءها.
أما
فن الامتناع الذي يجدد الحياة الزوجية، ويدفع عنها رياح الفتور والبرود
وضريبة الاعتياد والتقارب، فهو أمر آخر.. يعتمد على ذكاء الزوجين،
وتطويرهما لنفسيهما.
والمرأة
بعاطفتها الجياشة، وكيدها الأنثوي تملك بث الروح في زواجها بإذن ربها،
وإعادة الشوق والحماس، وتجاوز فترات الملل وتغيرات المزاج.
وهذه بعض الإشارات في فن الامتناع:
1- كلمات الحب، من أجمل الكلمات وأسعدها، ولكنها تفقد طعمها إذا صارت ممنوحة مبذولة على الدوام، متشابهة مكرورة.
جددي
في التعبير عن حبك.. تارة بالكلمات الصادقة المغلفة بالثناء والإعجاب،
وتارة بالهدية الجميلة، وأخرى برسالة معبرة، والأهم من التنويع أن تجعلي
هذه الوسائل والتعبيرات مطرًا يحيي حياتكما وينعشها، وليس سيلا يغرق الأرض
والزرع، لا تجعليه نغمة سئمتها أذن زوجك، بل لحنا عذبا يأتيه بين الحين
والآخر فيسعده ويقربك إلى قلبه.
2- لا تحرميه متعة القنص والمطاردة!
جميل
أن تكون المرأة إيجابية في بعض الأحيان في علاقتها الزوجية، ومطلوب أن
تكون متجاوبة فهذا هو الأصل المستقر، ولكن عليها أن تقدم صورة ثالثة، وهي
صورة التمنع المحب، وليس التمنع الكاره أو الصدود.. فتظهر هي شرودًا أو
انشغالا لا يخل بمسئولياتها، وتبدي امتناعًا مع الاهتمام بالمظهر العام،
فتمهد الطريق لزوجها أن يمارس إحدى خصائص الرجولة المتجذرة، متعة القنص
والاصطياد، والرغبة في المطاردة.
3-
وفي هذا الإطار أيضًا.. ومن أبهج صور التمنع إبداء الحياء الرقيق، والخجل
غير المصطنع.. وليس الأمر بغريب حتى وإن مضت على الحياة الزوجية سنوات،
فتكفي فترة ابتعاد قليلة، حتى تستعيد المراة مشاعرها الأولى تجاه زوجها،
وتتذكر كيف كان شعورها تجاهه في الزمان الأول.. فيغلفها خجل غير ثقيل يبدد
ركام الاعتياد.
4- المشاركة الحياتية والصداقة..
من الأمور التي تبعد شبح الملل عن الحياة الزوجية، وجود نقاط تماس ومشاركة
حياتية بين الزوجين، أن تتسع مساحة علاقتهما كصديقين، فتقترب هي من
هواياته وأعماله، وتقربه بلطف إلى حياتها ومهامها.. قد تكون المشاركة
بالاستماع للهموم والآمال، بالتشجيع والمشاورة، أو بممارسة هوايات وأعمال
مشتركة.
5-
ابتعدي قليلا.. عندما يميل إلى العزلة، فهو يحتاج إلى بعض الخلوة حقًا،
وهذه من الأمور التي يختلف فيها الرجال عن النساء، فالمرأة ترتاح عندما
تشعر باحتوائها في حزنها وحرص الزوج على معرفة سبب ضيقها فتتحدث وتعبر فتجد
الراحة والإلهام.
يختلف
الرجل كثيرا.. لا يحب اقتحامه وسؤاله عما يضايقه بإلحاح، قد يكون من
الأفضل تغيير الأجواء، وشغله بأمور بعيدة عن دائرته الخاصة، أو قد يكون
الأفضل هو الابتعاد وإعطائه فرصة الخلوة دون ضيق منكِ يحمله المزيد من
الهموم، كوني على مقربة، متواجدة إذا احتاج رفقتك، مستمعة إذا أراد
محادثتك.
ما اتعس المرأة التي تجعل من أنشطة حياتها رافدا وحيدا يصب في زوجها، وما أتعس زوجها أيضًا!
ليس
هذا على الإطلاق هو الحب والتفاني، وإنما هو تبديد المواهب، والغرق في شخص
آخر.. فلم تخلق المرأة من أجل هذا، بل خلقت لتعبد الله وتبتغي رضاه، فتكون
زوجة صالحة، وأمًا ناجحة، وابنة بارة، وفردًا فعالا في مجتمعها، وإنسانة
تعرف مواهبها وتبتغي فيما أتاها الله الدار الآخرة.. متصالحة مع نفسها تعرف
كيف تسعد وكيف تقضي وقتها..
اجعلي
لكِ حياتك الخاصة، وحافظي عليها، ووازني بينها وبين مهامك الرئيسية كزوجة
وأم.. ولكن لا تفرطي في دائرتك الخاصة من عبادة ونشاط اجتماعي وتواصل،
وتعلم، ونشاط يناسب ظروفك وقدراتك.. وليس بالضرورة أن يكون وظيفة، فالوظيفة
هي مجرد صورة لهذا النشاط، وهناك آلاف الصور الأخرى.
7- كوني قوية..
على قدر ما يحب الرجل في المرأة حنانها ويعشق رقتها، فإنه يكره ضعفها..
الضعف ليس محبوبا ولا مرغوبا، والاعتمادية التامة منفرة ومرهقة.
كوني
قوية فقوة الشخصية هي أهم عناصر النجاح والجاذبية، والقوة هي حالة من وضوح
الأهداف والآراء والتوجهات، والثقة بالنفس والعزم والإرادة، ولا تعني على
الإطلاق الندية أو الاسترجال.. إنها ذلك الحنان الواثق، والاعتزاز بالنفس
الذي لا يخو من العطف والرعاية.