الأستاذ لشهب يونس
المدير العام
الجنـسية : المزاج : الـبـلـد : نوع المتصفح : الهواية : المهنة : الجنس : الْمَشِارَكِات : 21381 العمر : 30 تاريخ التسجيل : 01/02/2009 السٌّمعَة : 751 نقاط : 1045633 توقيع المنتدى :
| موضوع: الدعوة إلى الله الأحد سبتمبر 02, 2012 9:46 am | |
| |
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد .
أيها الأخوة الكرام ، بادئ ذي بدء أشكر القائمين على هذا المركز الإسلامي على هذه الدعوة الكريمة ، التي إن دلت على شيء فعلى حسن الظن بي ، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم . أخوتنا الكرام ، سؤال لماذا تصلي ؟ يقول أحدكم لأن الصلاة فرض ، وما الدليل؟ قوله تعالى :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
( سورة طه )
لكن الذي يغيب عن المسلمين أن كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، وأن كل أمر في السنة الصحيحة يقتضي الوجوب ، فأنت لست أمام خمس عبادات شعائرية ، الدين عشرات بل مئات الألوف من الأوامر التفصيلية ، فلذلك ننطلق في هذه المحاضرة من أن كل أمر في القرآن الكريم وفي السنة الصحيحة يقتضي الوجوب .
الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم في حدود ما يعلم ومع من يعرف فقط :
من هذه الأوامر الأمر بالدعوة إلى الله ، لذلك عنوان هذا اللقاء الطيب أصول الدعوة إلى الله ، قد يتوهم أحدكم أن هذا الموضوع يتعلق بالخطباء والدعاة ، سأؤكد لكم أن الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم ، كما أنك تصلي ينبغي أن تدعو إلى الله ، ولكن الدعوة إلى الله كفرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف فقط ، الدليل :
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
( سورة فصلت )
أي ليس على وجه الأرض إنسان أفضل عند الله ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً، الله عز وجل يقول :
﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
( سورة يوسف الآية : 108 )
فكل متبع لرسول الله ينبغي أن يدعو إلى الله على بصيرة ، أي بالدليل والتعليل ، هذا الذي على الدعوة فرض عين ، الدليل الآخر :
﴿ وَالْعَصْر (1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾
( سورة العصر )
التواصي بالحق أحد أركان النجاة ، التواصي بالحق هو الدعوة إلى الله كفرض عين ، التواصي بالحق في حدود ما تعلم ومع من تعرف .
الدعوة إلى الله كفرض كفاية تحتاج إلى تفرغ وإلى تبحر وإلى تعمق :
إذاً عنوان هذا اللقاء الطيب الدعوة إلى الله كفرض عين ، لكنه لا أكتمكم أن هناك دعوة إلى الله كفرض كفاية ، إذا قام بها البعض سقطت عن الكل ، الدعوة إلى الله كفرض كفاية تحتاج إلى تفرغ ، وإلى تبحر ، وإلى تعمق :
﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 104 )
منكم للتبعيض ، فنحن موضوعنا متعلق بالدعوة إلى الله كفرض عين على كل مسلم .
من جلس في مجلس ذُكر الله فيه تنزلت الملائكة و حفت الرحمة هذا المجلس :
كتطبيق عملي حضرت خطبة جمعة ، وتأثرت بها ، عندك لقاءات طوال الأسبوع مع أصدقائك ، مع زملائك ، مع جيرانك ، مع من تحب ، مع أقربائك ، مع أهلك ، مع أولادك ، الذي استمعت إليه انقله لهم فقط ، الدليل النبوي : (( بلغوا عني ولو آية ))
[ أخرجه البخاري والترمذي عن ابن عمرو ]
تكلم ، لأنه حينما تجلس في مجلس لا يذكر الله فيه يقوم الجالسون عن أنتن من جيفة حمار ، أما إذا جلست مجلساً ذكرت الله فيه تنزلت الملائكة ، وحفت الرحمة هذا المجلس ، وذكر الله هؤلاء فيمن عنده .
(( وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ ، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ))
[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة ]
هذا التطبيق العملي .
من خصائص الدعوة إلى الله عز وجل :
1 ـ الاتباع لا الابتداع :
أعرض بلمحة عارضة مشكلة المسلمين ، هناك دعوة إلى الله خالصة ، وهناك دعوة إلى الذات مغلفة بدعوة إلى الله ، الدعوة إلى الله الخالصة من خصائصها الاتباع ، بينما الدعوة إلى الذات المغلفة بدعوة إلى الله من خصائصها الابتداع ، الآن دققوا عندما أضاف المسلمون على دينهم ما ليس منه تقاتلوا ، وسالت الدماء ، وعندما حذف المسلمون من دينهم ما علم منه بالضرورة ضعفوا ، إن أضفت نتقاتل ، وإن حذفت نضعف ، لذلك لو واحد من الأخوة الأكارم سألني ما التجديد ؟ دققوا فيما سأقول : التجديد أن ننزع عن الدين كل ما علق به مما ليس منه. مثلاً بناء حجري مع مضي الأيام أصبح الحجر أسود ، أي ترسبت عليه طبقة سوداء من الغازات ، ومن الدخان ، فتجديد هذا البناء لا بحذف غرفة ، ولا بإضافة طابق، فقط بنزع الطبقة السوداء التي علقت على أحجاره ، الدين توقيفي من عند الله ، لا يضاف عليه ، ولا يحذف منه ، ولكن ننزع منه كلّ ما علق به مما ليس منه .
2 ـ التعاون لا التنافس :
ومن خصائص الدعوة إلى الله الخالصة التعاون ، ومن خصائص الدعوة إلى الذات التنافس ، فالإنسان يتنافس مع أخيه المؤمن بقدر بعده عن الله ، ويتعاون معه بقدر طاعته لله .
3 ـ الاعتراف بالآخر :
ومن خصائص الدعوة إلى الله الخالصة الاعتراف بالآخر ، ومن خصائص الدعوة إلى الذات إلغاء الآخر .
4 ـ قبول النصيحة و عدم رفضها :
ومن خصائص الدعوة إلى الخالصة قبول النصيحة ، ومن خصائص الدعوة إلى الذات رفض النصيحة ، وهذا الكلام يفسر ما يجري بين المسلمين من خصومات وتراشق تهم في بلادهم الأصلية ، وفي المهاجر الغربية ، علامة إيمانك ، وإخلاصك ، واتصالك بالله ، وطاعتك له ، التعاون مع بقية المؤمنين ، لأنه ما لم يكن انتماؤك لمجموع المؤمنين فلست مؤمناً لقول الله عز وجل :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
( سورة الحجرات الآية : 10 )
من قواعد الدعوة إلى الله :
1 ـ الدعوة إلى الله بالعمل الصالح و القول الحسن :
هناك قواعد في الدعوة إلى الله يحتاجها كل مسلم ، أنت لأن الدعوة إلى الله فرض عين يحتاجها كل من في هذا اللقاء الطيب ، حينما تتوهم أن الدعوة إلى الله من اختصاص الخطباء الكبار والدعاة فأنت واهم :
(( بلغوا عني ولو آية ))
[ أخرجه البخاري والترمذي عن ابن عمرو ]
﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
( سورة يوسف الآية : 108 )
فإن لم تدعُ إلى الله عز وجل لست متبعاً لرسول الله ، وإن لم تتبع رسول الله فأنت لا تحب الله ، الدليل :
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
(سورة آل عمران)
2 ـ القدوة قبل الدعوة :
القاعدة الثانية : القدوة قبل الدعوة ، التقيت مع الشيخ الشعراوي في مصر لقاءين، وألفت من خلال هذين اللقاءين كتاباً ، قبيل انتهاء اللقاء الأول سألته ما نصيحتك إلى الدعاة ؟ فقال : ليحذر الداعية أن يراه المدعو على خلاف ما يدعو فقط ، القدوة قبل الدعوة . سيدنا عمر ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ كان إذا أراد إنفاذ أمرٍ جمع أهله وخاصَّته ، وقال : " إني قد أمرت الناس بكذا ونهيتهم عن كذا ، والناس طير إن رأوكم وقعتم وقعوا ، وايم الله لا أوتين بواحدٍ وقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العقوبة لمكانته مني " ، فصارت القرابة من عمر مصيبة . القدوة قبل الدعوة لا تتوهم أن أحداً يصغي إليك إن لم تكن قدوة له ، هذا الكلام تحتاجه مع أولادك ، تحتاجينه مع بناتك ، يحتاجه المعلم في الصف ، والموظف في الدائرة ، والداعية في المسجد ، قبل أن تستقيم على أمر الله لا تطمع أن يصغي أحد إليك ، القدوة قبل الدعوة ، هذه حقيقة أولى ، فأنت حينما تطبق هذا المنهج العظيم ، يمكن أن تكون داعية صامتاً لأن استقامتك دعوة ، وصدقك دعوة ، وقد تحتاجون أنتم في هذه البلاد إلى دعوة صامتة اسكت ولا كلمة قدم عملاً متقناً ، قدم خدمة ، والله إنسان من اليونان سافر إلى تركيا في الصيف ، وصل إلى بلدة من أجمل بلاد تركيا ، بقي من الساعة الثانية عشرة ظهراً وحتى الثانية عشرة ليلاً ، يبحث عن مكان ينام فيه فلم يجد ، طرق أحد البيوت ـ طبعاً ليس مسلماً هو من اليونان ـ فتح له صاحب البيت فقال له : هل بالإمكان أن أنام عندك ؟ قال له : تفضل ، عندي بيتان ، أعطاه البيت بغرفه وغرفة نومه ، وهيأ له طعاماً ، ثم ذهب ، هذا السائح نام في البيت مع أهله وأولاده ، واستمتع كثيراً ، فلما استيقظ صباحاً وجد صاحب البيت ينام تحت الشجرة هو وأهله وأولاده كي يقنعه بالدخول إلى البيت ، هل تصدقون أن هذا كان سبب إسلامه ؟ القضية سهلة جداً ، هذه القصة طبقوها في فرنسا ، الفرنسي إنسان لا يمكن أن يقرأ تفسير القرطبي ، وفتح الباري في شرح صحيح البخاري ، الإسلام عنده أنت ، حدثنا الدكتور عربي القشاط ـ كنا معه في سويسرا ـ أن هناك امرأة عدوة للإسلام عداوة غير معقولة ، أحد المسلمين الأطباء البيطريين في الطريق رآها مع كلب لها ، سألها عن صحة كلبها فقالت له : إنه مريض ، قال : أتحبين أن أعالجه لك ؟ قالت له : أتمنى ذلك ، فلما عالج كلبها انتهت عداوتها ، الإحسان قبل البيان ، القدوة قبل الدعوة . شاب في أمريكا أحب فتاة فاستأذن والده في الزواج منها ، قال له : لا يا بني إنها أختك وأمك لا تدري ـ أبوه كان زير نساء ـ فلما أحبّ ثانية قال : يا أبي هذه فتاة أحببتها ، قال له : أيضاً هذه أختك وأمك لا تدري ، الثالثة كذلك فضجر من أبيه ، وشكا إلى أمه ، قالت له: خذ أياً شئت أنت لست ابنه وهو لا يدري . كلهم ضحكوا معنى هذا أنهم يفهمون اللغة العربية .
3 ـ الإحسان قبل البيان :
القاعدة الثالثة ، الإحسان قبل البيان ، افتح قلب من تدعوه بإحسانك ليفتح لك عقله لبيانك ، الإحسان قبل البيان ، سيدنا معاوية جاءه كتاب من مواطن قال له : أما بعد فيا معاوية ـ لم يخاطبه بأمير المؤمنين أو خليفة المسلمين ـ أما بعد : فيا معاوية إن رجالك قد دخلوا أرضي، فانههم عن ذلك ، وإلا كان لي ولك شأن والسلام ، استدعى ابنه يزيد ، قال له : ما ترى يا يزيد ؟ قال له : أرى أن ترسل له جيشاً أوله عنده وآخره عندك يأتوك برأسه ، هذا تطاول عليك ، فقال له : غير ذلك أفضل ، فجاء بالكاتب وقال له : اكتب ، أما بعد : فقد وقفت على كتاب ولد حواري رسول الله ، ولقد ساءني ما ساءه ، والدنيا كلها هينة جنب رضاه ، لقد نزلت له عن الأرض ومن فيها ، يأتي الجواب لسيدنا معاوية ، أما بعد : فيا أمير المؤمنين ! ، اختلف الوضع ، أطال الله بقاءك ، ولا أعدمك الرأي الذي أحلك من قومك هذا المحل ، استدعى ولده يزيد وقال له : اقرأ الجواب ، يا بني من عفا ساد ، ومن حلُم عظُم ، ومن تجاوز استمال إليه القلوب . قبل أن تكون داعية ، متكلماً ، فصيحاً ، طليق اللسان ، معك قصص ، وشواهد وأدلة ونصوص ، كن محسناً ، هذا الذي أمامك لا يحتاج إلى فلسفة يحتاج إلى إحسان ، فلذلك إذا أرادت أخت كريمة أن تكون داعية في فرنسا ، عليها أن تنتبه لمن تعلمهم ، أن تنتبه لهم ، لحاجاتهم ، لعلاقتهم بأهلهم ، لمشاكلهم ، حينما تقدمين لهم خدمة تفتحين قلبهن لك ، عندئذ يفتحن عقلهن لك ، الإحسان قبل البيان . ثمامة بن أثال من أكبر المجرمين بحق أصحاب رسول الله ، وقع بيد أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أسيراً ، لكنهم ما عرفوه ، هو زعيم قبيلة كبير ، ربطوه في سارية المسجد ، مرّ به النبي عليه الصلاة والسلام و قال له : ما تظن أني فاعل بك ؟ قال : إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تنعم تنعم على شاكر ، وإن تسأل مالاً تعطه ، النتيجة قدم له النبي عليه الصلاة والسلام طعاماً من بيته ، وأكرمه ، وأطلق صراحه ، هذا ثمامة صار من كبار أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الإحسان قبل البيان ، افتح قلب من حولك بإحسانك ليفتحوا لك عقلهم لبيانك . قبل أن تتكلم ، وتتفاصح ، وتأتي بالدليل ، وأن تكون في أعلى درجة من التحضير ، هل قدمت لهؤلاء الذين حولك إحساناً ؟ هل قدمت لهم خدمة ؟ هل أعنتهم على حياتهم ؟ لذلك فرق الناس بين المربي وبين المعلم ، المعلم يتكلم ، يلقي درساً فقط ، أما المربي يربي هذه النفس ، أنتِ تستطيعين وأنتَ أيها الأخ تستطيع أن تجعل من حولك يفتحون عقولهم لك إذا فتحت قلوبهم بإحسانك .
4 ـ المبادئ لا الأشخاص :
في الدعوة إلى الله قاعدة أخرى ، المبادئ لا الأشخاص ، نحن نعرف الرجال بالحق ولا نعرف الحق بالرجال ، سيدنا عمر جاءه ملك الغساسنة جبلة بن الأيهم ، في أثناء طوافه حول الكعبة داس بدويٌّ من فزارة طرف ردائه ، فانخلع رداؤه عن كتفه ، فالتفت إلى هذا الأعرابي من فزارة ، و ضربه ضربة هشمت أنفه ، هذا الأعرابي شكاه إلى عمر . القاعدة الرابعة في الدعوة المبادئ لا الأشخاص ، النظام فوق الجميع ، المبادئ فوق الجميع ، والأمم ترقى إذا اعتمدت مقاييس موضوعية ، وتتخلف إذا اعتمدت مقاييس انتمائية . سيدنا عمر جاء بهذا الملك ـ جبلة ـ وقف هذا البدوي ـ بالتعبير المعاصر من السوقة ، من الدرجة السفلى من السلم ـ وقف هذا الملك إلى جانبه سيدنا عمر سأل هذا الملك، وقال له : أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح ؟ قال جبلة : لست ممن ينكر شياً ، أنا أدبت الفتى ، أدركت حقي بيدي . فقال عمر : أرضِ الفتى ، لابد من إرضائه ، مازال ظفرك عالقاً بدمائه ، أو يهشمن الآن أنفك ـ المبادئ لا الأشخاص ـ و تنال ما فعلته كفك . قال : كيف ذلك يا أمير ؟ هو سوقة ، وأنا عرش وتاج ؟ كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً ؟ قال عمر : نزوات الجاهلية ، ورياح العنجهية قد دفناها ، أقمنا فوقها صرحاً جديداً ، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً . فقال جبلة : كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى و أعز ، أنا مرتد إذا أكرهتني . فقال عمر : عالم نبنيه ، كل صدع فيه يداوى ، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى ، المبادئ لا الأشخاص ، الأمم تتقدم إذا اعتمدت مقاييس موضوعية ، وتتأخر وتتخلف وتضعف إذا اعتمدت مقاييس انتمائية.
5 ـ المضامين لا العناوين :
الآن المضامين لا العناوين ، كل جماعة تتوهم أن دينها خط رفيع ، فإذا خرجت عنه قيد أنملة خرجت من الدين ، هذا الذي فرق المسلمين ، هذا الذي أوقع بينهم العداوة والبغضاء ، هذا الذي دفعهم إلى تراشق التهم ، المضامين لا العناوين ، يجب أن تعرفه من أي حلقة ؟ من أي جماعة ؟ من أي دين ؟ من شيخه ؟ من أجل أن تصنفه ؟ لا ، الدين ليس خطاً ، شريط عريض فيه يمين وفيه يسار وكل من في هذا الشريط على العين والرأس ، مادامت العقيدة سليمة والسلوك صحيحاً على العين والرأس هذا المعنى يجمعنا ولا يفرقنا ، وما من وقت يحتاج فيه المسلمون إلى جمع الشمل ، ورأب الصدع ، وتوحيد الكلمة كهذا الوقت ، لأن الطرف الآخر وضعنا في جميعاً في سلة واحدة ، وينبغي أن نقف جميعاً في خندق واحد .
المجرم الآن من يطرح قضية خلافية بين المسلمين وهم في أمس الحاجة إلى التوحد والتعاون:
أقول لكم والله لا أبالغ : من يطرح قضية خلافية الآن بين المسلمين يكون مجرماً، نحن في أمس الحاجة إلى أن نتوحد ، نتعاون فيما اتفقنا ، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا ، أو ينصح بعضنا بعضاً فيما اختلفنا ، والله الذي لا إله إلا هو بإمكان أي داعية أن يدعو إلى الله لخمسين عاماً بالأمور المتفق عليها . مثلاً أليس عاراً على أمة الإسلام في أوربا ، في فرنسا ، في أمريكا ، الصيام ثلاثة أيام ، كل جماعة تصوم بيوم من الأيام ، ألا يوجد أي مجال ليعرف الطرف الآخر متى العيد عندنا ؟ عند الجماعة الفلانية العيد يوم السبت ، الجماعة الثانية العيد يوم الأحد ، مشكلة كبيرة وصدقوا ولا أبالغ ، دققوا في هذا المثل هذه المشكلات تمثل بحصة في حجر في بناء مئة طابق ، موضوع صغير جداً نختلف فيه ، ونتصارع ، ونتقاتل ، وتسيل الدماء ، أليس هذا وصمة عار ؟ المسلمون يتقاتلون وبينهم من القواسم المشتركة خمسة وتسعون بالمئة ، والطرف الآخر يتعاونون و بينهم من القواسم المشتركة خمسة بالمئة ، هذا هو العقل ، يتقاتلون والدماء تسيل وبينهم من القواسم المشتركة خمسة وتسعون بالمئة ، والطرف الآخر يتعاونون و بينهم من القواسم المشتركة خمسة بالمئة ، أقمت في مدينة في سويسرا الغداء كان في إيطاليا وكنا في سويسرا ودخلنا إلى مطعم في فرنسا ، معقول ! أين الحدود والسدود والجمارك والأمن وبطاقة الخروج ورسم الخروج ؟ بلاد واحدة يتعاونون و بينهم من القواسم المشتركة خمسة بالمئة ، ونتقاتل وبيننا من القواسم المشتركة خمسة وتسعون بالمئة ، وهذه وصمة عار بحقنا .
.
والحمد لله رب العالمين |
| |
|