أقسام (المفطرون) في رمضان:
(المفطرون) في الشرع على ثلاثة أقسام:
• صنف يجوز له الفطر والصوم بإجماع.
• وصنف يجب عليه الفطر على اختلاف في ذلك بين المسلمين.
• وصنف لا يجوز له الفطر.
وكل واحد من هؤلاء تتعلق به أحكام. أما الذين يجوز لهم الأمران: فالمريض بإتفاق، والمسافر باختلاف، والحامل والمرضع والشيخ الكبير. وهذا التقسيم كله مجمع عليه)[1].
• الأعذار التي يجوز معه الفطر على نوعين: إما: عذرٌ يرجى زواله (فيه القضاء) أو عذر لا يُرجى زواله (فيه الإطعام)، و(غير القادر ينقسم إلى قسمين):
القسم الأول: أن يكون عجزه عن الصوم مستمراً دائماً كالكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه، فهذا يطعم عن كل يوم مسكيناً، فإذا كان الشهر ثلاثين يوما أطعم ثلاثين مسكيناً، وإذا كان الشهر تسعة وعشرين يوماً أطعم تسعة وعشرين مسكيناً،.....
أما القسم الثاني من العجز عن الصوم: فهو العجز الذي يرجى زواله وهو العجز الطارئ، كمرض حدث للإنسان أثناء الصوم، وكان يشق عليه أن يصوم، فنقول له: أفطر واقض يوماً مكانه؛ لقول - سبحانه وتعالى -: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 184] [2].
المسائل المتعلقة بالكبير:
• عن عطاء: سمع ابن عباس يقرأ: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ [البقرة: 184] قال ابن عباس: (ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعما مكان كل يوم مسكينًا)، وقال البخاري:: (وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام، فقد أطعم أنس بن مالك ت بعدما كبر، عاماً أو عامين، كلَّ يومٍ مسكيناً: خبزاً ولحمًا، وأفطر)[3].
إذا خرف وما عاد يعقل الأمور:
• (...، فإن بلغ سنا لا عقل ولا معرفة لديه سقط عنه على الصحيح إلى غير بدل؛ لإلحاقه بمن رُفع عنه القلم، فهو أولى بالسقوط عن الصغير) [4].
كيفية الإطعام:
الكيفية الأول: يفرِّق طعاماً على المساكين، لكل مسكين نصف صاعٍ على الصحيح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لكعب بن عجرة: ((... أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع))[5]، والصاع النبوي أربع حفنات بكَفَّيْ الرجل المعتدل، وهو يزن تقريباً ثلاثة كيلو، أما نصف الصاع فيزن كيلو ونصف كيلو تقريباً[6].
الكيفية الثانية: أن يُصلحَ طعاماً، ويدعوَ إليه من المساكين بقدر الأيام التي عليه؛ لأن أنس بن مالك - رضي الله عنه - كل يوم مسكيناً خبزاً ولحماً.
• (ويجوز دفعه كله إلى مسكين واحد... )[7]، و(يجوز دفعها لواحد أو أكثر في أول الشهر، أو وسطه، أو آخره...)[8]. والله تعالى أعلم.
المسائل المتعلقة بالمريض:
المرض نوعان: مرض لا يُرجى برؤه كالسرطان فأحواله كالشيخ الكبير يُطعم وليس عليه قضاء، ومرض يُرجى برؤه، وفيه تفصيل كما يلي:
حد المرض المعتبر:
• يقول حسنين مخلوف: (والمرض المبيح للفطر عند جمهور السلف والأئمة هو ما يؤدى الصوم معه إلى ضرر فى النفس أو زيادة فى العلة أو ابطاء فى البرء وإنما أبيح الفطر للمرض دفعا للحرج والمشقة وقد بنى التشريع الإسلامى على التيسير والتخفيف)، وقال: (معرفة حد المرض المبيح للفطر كما فى فتح القدير وغيره تكون باجتهاد المريض والاجتهاد غير مجرد الوهم والتخيل بل هو غلبة الظن عن أمارة أو تجربة أو إخبار طبيب مسلم حاذق غير معروف بما ينافى العدالة.
والأمارة هى العلامة الظاهرة التى تنذر بالضرر، والتجربة هى تكرر وقوع ذلك عند اتحاد المرض فاذا تحقق ما ذكر جاز للمريض الفطر ووجب عليه قضاء ما أفطره بعد زوال العذر فإذا مات وهو على هذه الحالة لم يلزمه القضاء لعدم ادراكه عدة من أيام آخر ولا فدية عليه مادام يرجى أن يبرأ من مرضه أما اذا تحقق اليأس من الصحة كالمرضى المصابين بأمراض مستعصية شاقة فيجب عليه الفدية إذا أفطر كما ذكره الكرمانى)، وقال: (فيندرج فى ذلك أمراض السل والقرحة المعوية والقرحة الأثنى عشرية والحميات القلب والكبد والمرارة وسائر الأمراض الشاقة التى يعسر معها الصوم ويفضى الى تفاقمها أو تأخر برئها أو فساد عضو فى البنية[9].
• قال ابن قدامة:(والصحيح الذي يخشى المرض بالصيام، كالمريض الذي يخاف زيادة المرض في إباحة الفطر؛ لأن المريض إنما أبيح له الفطر خوفاً مما يتجدّد بصيامه من زيادة المرض، وتطاوله، فالخوف من تجدد المرض في معناه)[10].
هل يصوم المريض أم يُفطر؟
(المريض الذي يُرجى برؤ مرضه وله ثلاث حالاتٍ:
إحداها: أن لا يشقَّ عليه الصوم ولا يضره، فيجب عليه الصوم لأنه ليس له عذرٌ يُبِيح الفطر.]مثل الزكام اليسير، أو الصداع اليسير، أو وجع الضرس].
الثانية: أن يشقَّ عليه الصوم ولا يضره، فيفطر لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 185] ويُكره له الصوم مع المشقة، لأنه خروجٌ عن رخصة الله تعالى وتعذيبٌ لنفسه، وفي الحديث: ((إن الله يُحب أن تؤتى رُخَصه كما يكره أن تؤتى معصيته))[11].
الثالثة: أن يضره الصوم فيجب عليه الفطر ولا يجوز له الصوم: ]كرجل مصاب بمرض الكلى أو مرض السكر] لقولِه تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29]، وقولِه: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195]، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ لنفسك عليك حقا)) رواه البخاري. ومن حقها أن لا تضرَّها مع وجود رخصة الله سبحانه.ولقوله - صلى الله عليه وسلم -:((لا ضررَ ولا ضرارِ)) أخرجه ابن ماجه والحاكم. قال النَّووي وله طرق يقويِ بعضها بعضًا) [12].
المسائل المتعلقة بالمسافر:
المقصود بالسفر:
السفر لغةً:قطع المسافة، سُمِّيَ بذلك؛ لأنه يسفر عن أخلاق الرجال، واصطلاحا:هو (الخروج عن عمارة موطن الإقامة قاصداً مكاناً يبعد مسافة يصحُّ فيها قصر الصلاة)[13].
فالسفر الأصل فيه البروز، فلا ينطبِق الوصف حتى يسفر ويخرج عن البلد ويبرز عنه ويتلبس بالوصف المبيح للفطر.
• و(الفطر للمسافر جائز باتفاق المسلمين، سواء كان سفر حج، أو جهاد، أو تجارة أو نحو ذلك من الأسفار التي لا يكرهها الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وتنازعوا في سفر المعصية كالذي يسافر ليقطع الطريق ونحو ذلك، على قولين مشهورين، كما تنازعوا في قصر الصلاة.
فأما السفر الذي تقصر فيه الصلاة: فإنه يجوز فيه الفطر مع القضاء باتفاق الأئمة، ويجوز الفطر للمسافر باتفاق الأمة، سواء كان قادراً على الصيام أو عاجزاً، وسواء شق عليه الصوم، أو لم يشق، بحيث لو كان مسافراً في الظل والماء ومعه من يخدمه جاز له الفطر والقصر......)[14].
• (لا يجوزللإنسان أن يتحيَّل على الإفطار في رمضان بالسفر؛ لأن التحيل على إسقاط الواجب لا يسقطه،كما أن التحيل على المحرم لا يجعله مباحاً)[15].
حد السفر المعتبر:
• اختلفوا في حد السفر المبيح للفطروالقصر، فالجمهور أنه 48 ميل أي ما يقارب 80 كلم، ولكن ابن تيمية رجح أنه لا حد للسفر بالمسافة بل كل ما يُعدُّ سفراً في العرف، ويتزود له الإنسان ويبرز للصحراء؛ لأنه يحتاج إلى حمل الزاد والمزاد، فهو سفر، ورجح هذا جمع من أهل العلم، واختاره ابن قدامة في المغني وهوالأقرب للصواب، وعلى المسافر أن يحتاط لعبادته.
يقول ابن عثيمين: (إن أشكل هل هذا سفر عرفاً أو لا؟ فهنا يتجاذب المسألة أصلان:
الأصل الأول: أن السفر مفارقة محل الإِقامة، وحينئذٍ نأخذ بهذا الأصل فيحكم بأنه سفر.الأصل الثاني: أن الأصل الإِقامة حتى يتحقق السفر، وما دام الإِنسان شاكاً في السفر، فهو شاك هل هو مقيم أو مسافر؟ والأصل الإِقامة، وعلى هذا فنقول في مثل هذه الصورة: الاحتياط أن تتم؛ لأن الأصل هو الإِقامة حتى نتحقق أنه يسمى سفراً)[16].
هل الأفضل الصيام أم الفطر؟
على أقوال:
الأول: أن الصوم أفضل لمن أطاق بلا مشقة ولاضرر، وهو قول الجمهور ونقل عن مالك وأبي حنيفة والشافعي.
الثاني: أن الفطر أفضل مطلقاً، وممن قال به أحمد وإسحاق وابن تيمية.
الثالث: التخيير وأنهما سواء، وبه قال ابن المنذر وبعض الشافعية.
واستدل الجمهور بأدلة منها:
1- حديث أبِي الدَّرداء ا قال: خرجنا مع رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي شهرِ رمضان فِي حرٍّ شديدٍ حتى إِن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدَّة الحرِّ وما فينا صائمٌ إِلَّا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعبد اللَّهِ بن رواحة"[17].
2- أنه أسرع في إبراء الذمة وأسهل على المكلف غالباً لموافقته من حوله.
3- أنه يدرك الزمن الفاضل، ولهذه الأدلة يترجح ما ذهب إليه الجمهور أن الصوم أفضل لمن أطاق بلا مشقة ولاضرر.
واستدل أصحاب القول الثاني بأن الفطر أفضل مطلقاً بعدة أدلة أهمها:
أولاً: قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 185]، ولكن الجمهور قدروا محذوفاً: ﴿ أو على سفر فأفطر فعدة من أيام أخر ﴾.
ثانياً: حديث جابِرِ بنِ عبد اللَّهِ ل أنَّ رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خرج عام الفتحِ إلى مكَّة فِي رمضان فصام حتَّى بلغ كُرَاعَ الغَمِيمِ فصام النَّاس ثمَّ دعا بِقدحٍ من ماءٍ فرفعه حتى نظر النَّاس إِليه ثم شرِب فقيل له بعد ذلك إِنَّ بعض النَّاسِ قد صام فقال أولئك العصاة أولئك العصاة". وفي رواية "فقيل له إِن الناس قد شقَّ عليهِم الصِّيام وإِنّما ينظُرون فيما فعلت فدعا بِقدحٍ من ماءٍ بعد العصرِ".
قال ابن القيم:
في تهذيب السنن: (أما قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أولئك العصاة" فذاك فِي واقعة معيَّنة، أراد منهم الفطر فخالفه بعضهم فقال هذا... فالنبي - صلى الله عليه وسلم - إِنَّما أفطر بعد العصر ليَقتَدُوا بِه، فلما لم يَقتدِ بِه بعضهم قال: "أولئك العصاة" ولم يرِد بِذلك تَحرِيم الصِّيام مطلقًا على المسافِر).
وقال الحافظ: ونسب النبي - صلى الله عليه وسلم - الصَّائمين في السفر إِلى العِصيانِ لأَنَّه عزم عليهِم فخالفوا.
ومما يدل على ذلك أيضاً أنه ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم في السفر، ولو كان معصية لم يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ثالثاً: حديث ((ليس من البر الصوم في السفر))، قال ابن القيم: في تهذيب السنن: (وأما قوله: "ليس من البر الصوم في السفر"، فهذا خرج عَلَى شخص معيَّنٍ، رآه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قد ظُلِّل عليه، وجهِده الصَّوم، فقال هذا القول، أي: ليس البِرّ أن يُجهِد الإِنسان نفسه حتَّى يَبلغ بِها هذا المبلَغ، وقد فسَّح اللَّه له في الفطر).
وقال النّووي والكمال بن الهمام:
(إنّ الأحاديث التي تدل على أفضلية الفطر، محمولة على من يتضرر بالصّوم، وفي بعضها التّصريح بذلك، ولابدّ من هذا التأويل، ليجمع بين الأحاديث، وذلك أولى من إهمال بعضها، أو ادّعاء النّسخ، من غير دليلٍ قاطع).
قال الخطابي: (هذا كلام خرج على سبب فهو مقصور على من كان فِي مثل حاله كأنه قال: ليس من البِرّ أن يصُوم المسافر إِذا كان الصوم يُؤَدِّيه إِلَى مثل هذه الحال، بِدليلِ صيام النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فِي سفره عام الفتح)[18].
وبهذا تبين أن رأي جمهور أهل العلم هو الموافق لمجموع النصوص، والله أعلم.
متى يفطر ومتى يمسك؟
• اختلفوا هل للمسافر أن يُفطر في يوم سفره قبل السفر متى عزم، والأرجح ألا يُفطر حتى يخرج، قال ابن قدامة: (ولا يوصف بكونه مسافراً حتى يخرج من البلد، ومهما كان في البلد فله أحكام الحاضرين، ولذلك لا يقصر الصلاة).
• أما مدة الإقامة التي يمسك إذا نوى أزيد منها، فقال ابن تيمية: (إذا نوى أن يقيم بالبلد أربعة أيام فما دونها قصر الصلاة كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لما دخل مكة؛ فإنه أقام بها أربعة أيام يقصر الصلاة، و إن كان أكثر ففيه نزاع، والأحوط أن يتم الصلاة، وأما إن قال: غداً أسافر، أو بعد غد أسافر ولم ينوِ المقام فإنه يقصر؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام بمكة بضعة عشر يوماً يقصر الصلاة، وأقام بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة، والله أعلم)[19].
هل يلزم المسافر الإِمساك بقية اليوم؟
(اختلف العلماء في ذلك فقال بعضهم: يجب عليه أن يمسك بقية اليومِ احترامًا للزمنِ، ويجب عليه القضاء أيضا لعدمِ صحة صومِ ذلك اليوم، وهذا المشهور من مذهب أحمد:، وقال بعض العلماء: لا يجب عليه أن يمسك بقية ذلك اليوم، لأنه لا يستفيد من هذا الإِمساك شيئًا لوجوب القضاء عليه، وحرمة الزمن قد زالت بفطره المباح له أول النهارِ ظاهرًا وباطنًا. قال عبدالله بن مسعود ا: من أكل أول النهار فليَأكُل آخره، أي: من حلَّ له الأكل أولَ النهار بعُذرٍ حلَّ له الأكل آخره. وهذا مذهب مالك والشافعيّ ورواية عن الإِمام أحمد، ولكن لا يعلن أكله ولا شربه لخفاء سببِ الفطرِ فيُساء به الظَّن أو يُقتَدى به)[20].
فتاوى متعلقة:
• (ويفطر من عادته السفر، إذا كان له بلد يأوي إليه، كالتاجر الجلاب الذي يجلب الطعام، وغيره من السلع، وكالمكاري الذي يكري دوابه من الجلاب وغيرهم، وكالبريد الذي يسافر في مصالح المسلمين، ونحوهم. وكذلك الملاح الذي له مكان في البر يسكنه، فأما من كان معه في السفينة امرأته، وجميع مصالحه، ولا يزال مسافراً فهذا لا يقصر، ولا يفطر)[21].
• (ينطبق حكم السفر على سائقي الشاحنات الذين يسوقون خارج المدن)[22].
• (من سافر في رمضان من أجل أن يفطر فسفره حرام وفطره حرام)[23].
• هل يصح أن يسافر الصائم من بلده الحار إلى بلد بارد أو إلى بلد نهاره قصير سعياً لتخفيف الصيام عليه؟، (لا حرج عليه في ذلك إذا كان قادراً على هذا الشيء، فإنه لا حرج أن يفعل؛ لأن هذا من فعل ما يخفف العبادة عليه، وفعل ما يخفف العبادة عليه أمر مطلوب.، "وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصب على رأسه الماء من العطش أو من الحر وهو صائم" أبو داود (2365)، وأحمد (15903)..... وعلى هذا: فلا مانع من أن يبقى الصائم حول المكيف، وفي غرفة باردة،وما أشبه ذلك)[24].
• ما حكم صيام المعتمر؟، (حكم صيامه أنه لا بأس به، وقد سبق لنا قبل قليل أن المسافر إذا لم يشق عليه الصوم فالأفضل أن يصوم، وإن أفطر فلا حرج عليه، وإذا كان هذا المعتمر يقول: إن بقيت صائماً شق عليّ أداء نسك العمرة، فأنا بين أمرين: إما أن أؤخر أداء أعمال العمرة إلى ما بعد غروب الشمس وأبقى صائماً، وإما أن أفطر وأؤدي أعمال العمرة حين وصولي إلى مكة، فنقول له: الأفضل أن تفطر وأن تؤدي أعمال العمرة حين وصولك إلى مكة؛ لأن هذا - أعني أداء العمرة من حين الوصول إلى مكة - هذا هو فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[25].
• لو سافر إنسان إلى بلد غير بلده فإنه يصوم و يفطر معهم و يقضي إذا نقص الشهر (أقل من 29 يوماً) و إذا زاد الشهر (عن 30) يتحمل الزيادة[26].
وقفة:
• على الاختلاف الدائر بين أهل العلم إلا أنهم اتفقوا على محبة التيسير والرخصة، وأن المشقة غير مقصودة،فينبغي الانتباه لهذا حتى لا يقع المرء في التنطع المكروه.
• جاء في الحديث الصحيح: ((ذهب المفطرون اليوم بالأجر))[27]، أي بأجر يزيد على أجر الصائمين؛ فإن عملهم كان متعدياً، وعمل الصائمين كان قاصراً، وهذا ملمح عام في الشريعة وهو تفضيل ما كان متعدياً على ما كان منفعته قاصرة، بخلاف ما يشيع عند البعض من الاهتمام بتحسين العبادات الخاصة على حساب التخفف من العبادات العامة وتحميل من حولهم جهد الخدمة.
المسائل المتعلقة بالحائض والنفساء:
• أجمع أهل العلم أن الحائض والنفساءلايحل لها الصوم،وعليها الفطر والقضاء، فإذا صامتا لم يُجزئهما، فعن عائشة ل: ((كنا نحيض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنؤمر بقضاء الصوم و لا نؤمر بقضاء الصلاة))[28].
• ومتى وُجدَ الحيض أو النفاس في جزء من النهار فسد صوم ذلك اليوم، سواء وجد في أوله بعد طلوع الفجر، أو في آخره قبل غروب الشمس.
• ولو صامت الحائض أو النفساء مع علمها بتحريم ذلك أثمت ولم يجزئها[29].
• وإذا طهرت الحائض أو النفساء أثناء النهار هل تُمسك أم لا؟، خلافٌ بين أهل العلم والراجح أنها لا تُمسك لأنها أفطرت بعذر شرعي، كالمسافر الذي قدم من سفره مفطراً، لقول ابن مسعود: "من أكل أول النهار فليَأكُل آخره"، وإليه ذهب مالك والشافعي ورواية عن أحمد.
• وإذا طهرت الحائض أو النفساء في الليل ولو قبل الفجر بلحظة وجب عليها الصوم، ويصح صومها ولو لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر، كالجنب إذا صام ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر؛ لقول عائشة وأم سلمة: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدركه الفجر في رمضان وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم))[30].
• وإن أحست الحائض بانتقال الدم أو ألمه،ولكنه لم يخرج ولم يبرز إلا بعد غروب الشمس فصومها صحيح[31].
• (وكذا خروج دم الاستحاضة من المرأة لا يؤثر في الصوم، بل صومها صحيح مع خروجه، كما لا يمنع الصلاة والطواف بالبيت، وكما لا يمنع زوجها منها؛ لأنه لا ضابط له، وهو مستمر فهو كالرعاف والجراحات، ولا دليل يدل على منعها من هذه العبادات معه كما دل النص على منعها من هذه العبادات والأشياء مع الحيض والنفاس)[32].
المسائل المتعلقة بالحامل والمرضع
• (الحامل لا تخلو من حالين:
إحداهما: أن تكون نشيطة قوية لا يلحقها مشقة ولا تأثير على جنينها، فهذه المرأة يجب عليها أن تصوم؛ لأنها لا عذر لها في ترك الصيام.
والحال الثانية: أن تكون الحامل غير متحملة لصيام: إما لثقل الحمل عليها، أو لضعفها في جسمها، أو لغير ذلك، وفي هذه الحال تفطر، لاسيما إذا كان الضرر على جنينها، فإنه قد يجب الفطر عليها حينئذ. وإذا أفطرت فإنها كغيرها ممن يفطر لعذر يجب عليها قضاء الصوم متى زال ذلك العذر عنها، فإذا وضعت وجب عليها قضاء الصوم بعد أن تطهر من النفاس، ولكن أحياناً يزول عذر الحمل ويلحقه عذر آخر وهو عذر الإرضاع، وأن المرضع قد تحتاج إلى الأكل والشرب لاسيما في أيام الصيف الطويلة النهار، الشديدة الحر، فإنها قد تحتاج إلى أن تفطر لتتمكن من تغذية ولدها بلبنها، وفي هذه الحال نقول لها أيضاً: أفطري، فإذا زال عنك العذر فإنك تقضين ما فاتك من الصوم)[33].
وهذا القول بالقضاء للحامل أو المرضع عليه الخلاف، ولكنه الراجح، والله أعلم، يقول ابن رشد::( وهذه المسألة للعلماء فيها أربعة مذاهب:
أحدها: أنهما يطعمان ولا قضاء عليهما، وهو مروي عن ابن عمر وابن عباس.
والقول الثاني: أنهما يقضيان فقط ولا إطعام عليهما وهو مقابل الأول وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وأبو عبيد وأبو ثور.
والثالث: أنهما يقضيان ويطعمان وبه قال الشافعي.
والقول الرابع: أن الحامل تقضي ولا تطعم والمرضع تقضي وتطعم،[34].
وسبب اختلافهم تردد شبههما بين الذي يجهده الصوم وبين المريض، فمن شبههما بالمريض قال: عليهما القضاء فقط، ومن شبههما بالذي يجهده الصوم قال عليهما الإطعام فقط)[35]، ثم قال: (كما أن من أفردهما بالقضاء أولى ممن أفردهما بالإطعام فقط لكون القراءة غير متواترة، فتأمل هذا فإنه بين).
فالأظهر القضاء فقط، والله أعلم، لأسباب منها:
• أن سبب الفطر خوف الضرر البدني فأشبه المرض،وعليه يدخلا في عموم قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 184].
• حديث أنس بن مالك الكعبي- رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحبلى والمرضع الصوم"[36].
• أما القول بالإطعام فمرده الآثار عن ابن عمر وابن عباس ي، أن ابن عباس قال في قوله تعالى: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ﴾ [البقرة: 184]: أثبتت للحبلى والمرضع[37]. والظاهر أن الآية منسوخة، وأن قول ابن عباس م القياس لما ورد أنه رأى أم ولد له حاملاً أو مرضعاً، فقال لها: "أنت بمنزلة الذي لا يطيق، عليك ان تطعمي كل يوم مسكينا ولا قضاء عليك"[38]، فقوله "أنت بمنزلة" يدل أنه قياس،ولذلك قال ابن رشد (لكون القراءة غير متواترة) فقصد أن الأمر يعود للقياس وليس للقراءة، والقياس على من عذره مؤقت أظهر، والله أعلى وأعلم.
• (الحامل لا يضرها ما نزل منها من دم أو صفرة، لأنه ليس بحيض ولا نفاس، إلا إذا كان عند الولادة أو قبلها بيوم أو يومين مع الطلق، فإنه إذا نزل منها دم في هذه الحال صار نفاساً، وكذلك في أوائل الحمل فإن بعض النساء لا تتأثر عادتهن في أول الحمل فتستمر على طبيعتها وعادتها، فهذه يكون دمها دم حيض)[39].
الأعمال الشاقة والامتحانات:
• شخص يعمل في فرن للرغيف و يواجه حر النار الشديد طوال ساعات النهار وهو صائم، لذلك فهو يواجه عطشا شديدا وإرهاقا في العمل: (لا يجوز لذلك الرجل أن يفطر بل الواجب عليه الصيام، وكونه يخبز في نهار رمضان ليس عذرا للفطر، وعليه أن يعمل حسب استطاعته)[40].
• الامتحان المدرسي ونحوه لا يعتبر عذرا مبيحا للإفطار في نهار رمضان، ولا يجوز طاعة الوالدين في الإفطار للامتحان؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق،وإنما الطاعة بالمعروف،كما جاء بذلك الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -)[41].
[1] بداية المجتهد ونهاية المقتصد.
[2][فقه العبادات - لابن عثيمين].
[3] البخاري، كتاب التفسير، باب قول الله تعالى: ﴿ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون ﴾ في الترجمة قبل الحديث رقم 4505. وفي الباب أثر ابن عباس.
[4] [ابن جبرين - فتاوى الصيام].
[5] متفق عليه البخاري، 1816، ومسلم 84.
[6] مجموع فتاوى اللجنة الدائمة 10/178، و 10/174 – 189. وأعضاء اللجنة: عبد الله ابن قعود، عبد الله بن غديان، عبد الرزاق عفيفي، عبد العزيز بن باز رئيساً اللجنة.
[7] مجموع فتاوى ابن باز، 15/205.
[8] المرجع السابق، 15/204.
[9] [حسنين محمد مخلوف - فتاوى علماء الأزهر].
[10] المغني لابن قدامة، 4/403، 4/404.
[11]أحمد وابن حبان في صحيحه وابن خزيمة وهو من حديث ابن عمر م، وصححه الألباني في حاشيته على صحيح ابن خزيمة، رقم 950،وفي إرواء الغليل، برقم 564
[12] ابن عثيمين ـ مجالس شهر رمضان - وما بين المعقوفتين [ ] من كلامه في الشرح الممتع.
[13] معجم لغة الفقهاء، للدكتور محمد روَّاس، ص 219.
[14] [مجموع فتاوى ابن تيمية].
[15] [مجموع فتاوى ابن عثيمين، 19/ 133].
[16] الشرح الممتع 4/498.
[17] رواه البخاري (1945) ومسلم رقم (1122).
[18] عون المعبود.
[19] مجموع فتاوى ابن تيمية 24/17،وقال ابن باز: في فتاويه: "قد كنت سابقاً أعتقد أن تحديد مدة الإقامة للمسافر في أثناء السفر ليس عليها دليل صريح من الكتاب ولا من السنة، وكنت أفتي على ضوء ذلك بجواز القصر والفطر للمسافر إذا أقام في أثناء سفره لبعض الحاجات ولو أجمع على إقامة أكثر من أربعة أيام، ثم إنني أخيراً أرى من الأحوط للمسافر إذا أجمع الإقامة في أي مكان أكثر من أربعة أيام أن يتم ويصوم سداً لذريعة تساهل فيها الكثير من السفهاء بالقصر والفطر بدعوى أنهم مسافرون وهم مقيمون إقامة طويلة"، والتحديد بأربعة أيام هو قول الجمهور.
[20] مجالس شهر رمضان - ابن عثيمين، ومثله كل من أفطر لعذر شرعي.
[21] [مجموع فتاوى ابن تيمية].
[22] [مجموع فتاوى ابن عثيمين]، وهذا إذا كانت مسافة سفرهم مسافة قصر، وعليهم القضاء.
[23] (فتاوى رمضان\ج1-ص337)
[24] [مجموع فتاوى ابن عثيمين]
[25] [ابن عثيمين - فقه العبادات]
[26] فتاوى ابن عثيمين 1/534.
[27] متفق عليه: البخاري، 2890، ومسلم، 1119.
[28] متفق عليه:البخاري،برقم 321، ومسلم،برقم 335.
[29] المغني لابن قدامة، 4/397.
[30] متفق عليه: البخاري، برقم 1925،1926، ومسلم، برقم 1109.
[31] [مجالس شهر رمضان، لابن عثيمين].
[32] الإلمام بشيء من أحكام الصيام، للشيخ الراجحي حفظه الله.
[33] [مجموع فتاوى ابن عثيمين].
[34] وفرق البعض بين ما كان سببه الخوف على النفس ففيه القضاء، أما كان سببه الخوف على ولديهما ففيه القضاء، والإطعام، وبه قال مجاهد، و أحمد، والشافعي، ورواية عن مالك.
[35] بداية المجتهد ونهاية المقتصد، وممن قال بالقضاء فقط الحسن البصري، وإبراهيم النخعي، والأوزاعي، والثوري، وعطاء، والزهري، وسعيد بن جبير.
[36] أخرجه الترمذي و قال: حديث حسن، وأبو داود، وابن ماجه والنسائي.
[37] أبوداود، برقم 2317، وصححه الألباني.
[38] الدارقطني 2/206 وقال الألباني في الإرواء: سنده جيد.
[39] [مجموع فتاوى ابن عثيمين].
[40] [فتاوى اللجنة الدائمة - فتوى: 13489].
[41] [فتاوى اللجنة الدائمة - فتوى:9601