*ثم جاء الطبيب النمساوي سيغموند فرويد الذي تلقى تعليمه في فينا و عمل أستاذا لعلم أمراض الأعصاب و كان قد لاحظ مع شريكه الطبيب بروير أن مرضاه المصابين بالهستيريا (و المترافق مع شلل اليدين أو الرجلين أو جمود الرقبة و صعوبة في استعادة الذكريات الأليمة و نوبات عصبية ) يستعيدون حياتهم السوية و الطبيعية بعد تذكر حادثة معينة مروا بها و استطاعوا روايتها. اتبع فرويد بداية طريقة التنويم المغناطيسي الشائعة في ذلك الحين. ولاحظ أن المريض الذي يتكلم أثناء نومه يفضح ذكرياته الأليمة التي لم يكن يجرؤ على فضحها من غير التنويم,إلا أنه يتحرر من مرضه حينما يصبح اللاشعور واعيا فيتم الشفاء و سمى هذه الطريقة بالتطهيرية فقد عالج "فرويد" و "بروير" فتاةتبلغ من العمر 21 سنة تسمى أنا Anna وكانت تعاني من أعراض عصابية عديدةمثل السل والسعال العصبي وكشف التنويم المغناطيسي أن لها ذكريات مكبوتة تسمع فيها صوت موسيقي راقصةتأتي من منزل قريب بينما كانت تعتني بوالدها الذي توفى فيما بعد ؛ فاكتشفا أن شعورها بالذنب راجع لكونها كانت تعتقد أنهاكانت ترقص ( فقد كانت تتدرب على الرقص ) أكثر مما كانت ترعى والدها بعدها اختفى سعالها العصبي بعد أن ظهرت منجديد تلك الذكرى المكبوتة .لكنه اكتشف بعد حين أن الطريقة التطهيرية بربرية لأنها ترهق المريض و تخيفه ،كما أن المرض يعود للمريض من جديد بعد فترة وأن بعض الأشخاص يبدون مقاومة شديدة و يصعب تنويمهم فوضع طريقة جديدة تدعى التحليل النفسي Psychanalyseالتي تقوم على الحوار و التداعي الحر للأفكار Libre Association و التي تهدف إلى اكتشاف اللاشعور ومن مظاهرها عدم مقاطعة المريض أثناء كلامه إلا عند الضرورة على ألا يخفي المريض عن طبيبه شيئا مهما بدا له تافها أو مرفوضا أخلاقيا و الهدف هو إخراج هذه الرغبات المكبوتة في اللاشعور فيصارعها المريض من جديد إلى غاية أن تزول الأعراض المرضية .وقد طور فرويد طريقته في التحليل النفسي فأخذ بتأويل زلات اللسان و الأفعال الناقصة و الأحلام الليلية، و قد صادفت هذه النظرية رواجا كبيرا في أوساط علماء النفس و المثقفين، يقول فرويد:« اللاشعور فرضية لازمة ومشروعة .. مع وجود الأدلة التي تثبت وجود اللاشعور »
*و ما يثبت وجود اللاشعور أيضا حسب التحليل النفسي وجود عمليات نفسية لاشعورية لا تقتصر على المرضى بل على الأسوياء أيضا منها الحيل الدفاعية اللاشعورية التي نستخدمها للتخلص من الدوافع المنبوذة أو لحماية الذات من القلق الشديد، و تأثير الرغبات المكبوتة التي لا يمكن تحقيقها في الواقع، أو من تأنيب الضمير،فالقلق هو إنذار بالخطر يخبر الأنا أن شيئا ما ينبغي عمله،وإذا لم يتم تجنب القلق أو التعامل معه بفاعليه فإنهيصبح مرضا نفسيا.وعندما يعجز الأنا عن التعامل مع القلق بطرق منطقية(عقلانية) فإنه يلجئ إلىطرق غير واقعية تسمى بــ(آليات الدفاع أو الحيل الدفاعية) والتي من أهمها: الأحلام: التي تعتبر مناسبة لظهور الميول و الرغبات المكبوتة في اللاشعور في صور رمزية،، فالحلم – بالنسبة لفرويد – نشاط نفسي ذو دلالة لا شعورية يكشف عن متاعب وصراعات نفسية يعانيها النائم تحت تأثير ميولاته ورغباته التي لم يستطع تحقيقها ، فيتم تحقيقها بطريقة وهمية، و رمزية في الحلم وأطرف حلم رواه فرويد في كتابه تفسير الأحلام ما روته إحدى مريضاته فقد رأت في منامها و هي في السنة الرابعة من عمرها حشدا من الأطفال الصغار ، جميعهم من إخوتها و أقاربها بنين و بنات يحبون فوق أرض حقل أخضر، و فجأة نبتت لهم أجنحة و طاروا جميعا أمام عينيها إلى أن اختفوا في الجو و هي تنظر إليهم..، وهو حلم يبدوا لأول وهلة و لا علاقة له بالموت، و لكن بعد الاستقصاء و التحليل علم فرويد أنها قبل ذلك الحلم كانت قد سمعت بوفاة طفل من أقاربها، فسألت ذويها ماذا يحدث للأطفال الذين يموتون ؟، فأخبروها أنهم يتحولون إلى ملائكة ذوي أجنحة و يطيرون بعيدا إلى السماء و بذلك اكتشف فرويد المضمون الحقيقي لحلم الطفلة الصغيرة فتحولُ جميع أقاربها و أصدقائها الصغار إلى ملائكة يطيرون و يختفون في السماء و تبقى هي وحدها معادل للقول بأنهم جميعا ماتوا و لم يبق على قيد الحياة سواها ؛ و هذا الحلم هو تحقيق لرغبة الحالمة الخفية في أن يموت كل الأطفال في الوسط الذي تعيش فيه و تنفرد هي بالإعزاز و رعاية والديها يقول فرويد: « غالبا ما تكون الأحلام في غاية العمق عندما تكون في غاية الجنون ».و مثال آخر يقول أن إحدى مريضات فرويد ذكرت أنها رأت في الحلم أنها تشتري من دكان كبير قبعة جميلة لونها أسود وثمنها غالي جدا فيكشف المحلل أن للمريضة في حياتها زوجا مسنا يزعج حياتها وتريد التخلص منه وهذا ما يرمز إليه سواد القبعة أي الحداد وهذا ما أظهر لفرويد أن لدى الزوجة رغبة مخفية في التخلص من زوجها الأول،وكذا أنها تعشق رجلا غنيا وجميلا وجمال القبعة يرمز لحاجتها للزينة لفتون المعشوق وثمنها الغالي يعني رغبة الفتاة في الغنى.يقول فرويد: « تفسير الأحلام هو الطريق الملكي لمعرفة أنشطة العقل اللاواعية« .
* إضافة إلى حيلة أخرى هي: هفوات أو فلتات اللسان وزلات الأقلام: فالناس – في حياتهم اليومية – قد يقومون بأفعال مخالفة لنواياهم ومقاصدهم ، تظهر في شكل هفوات وزلات تصدر عن ألسنتهم وأقلامهم تغير المعنى بأكمله ، وهذه الهفوات والزلات لها دلالة نفسية لاشعورية كالنفور والكره والغيرة والحقد .. وليست كلها صادرة عن سهو أو غفلة كما يعتقد البعض إذ يروي فرويد عن رئيس برلمان النمسا أنه لما دخل القاعة قال: يشرفني أن أعلن عن رفع الجلسة بدل قوله: افتتاح الجلسة وهكذا يكون قد عبر لاشعوريا عن عدم ارتياحه لنتائج الجلسة. يقول فرويد : « يكتشف المرء الحقيقة الكاملة من خطأ لآخر »
النسيان: فقد تكون وراءه رغبات مكبوتة فنحن نميل إلى نسيان الأمور التي لا نرغب فيها و تجرح مشاعرنا حيث يروي فرويد عن نفسه انه نسي ذات يوم اسم مريضته لأنه عجز عن تشخيص مرضها و عندما ننسى إحضار شيء وعدنا به زميلنا فهذا ناتج عن كرهنا لانجاز الوعد. ومن أمثلة النسيان أن شخصا أحب فتاة ولكنها لم تبادله الحب وحدث أن تزوجت شخصا آخر،ورغم أن الشخص الخائب كان يعرف الزوج منذ أمد بعيد وكانت تربطهما رابطة العمل فكان كثيرا ما ينسى اسم زميله محاولا عبثا تذكره وكلما أراد مراسلته أخذ يسأل عن اسمه،وتبين لفرويد أن هذا الشخص الذي ينسى اسم صديقه يحمل في نفسه شيئا ضد زميله كرها أو غيرة ويود ألا يفكر فيه.
الإسقاط: فنحن نميل إلى توجيه و إسقاط الأفعال التي تثير فينا إحساسا بالذنب على الآخرين فالغشاش يرى جميع الناس غشاشين و الأناني يرى الجميع أنانيين فيصير المحظور مباحا بطريقة لاشعورية يقول فرويد :« لا يريد معظم الناس الحرية حقا، لأن الحرية تتطلب مسؤولية ومعظم الناس يخافون من المسؤولية ».
التقمص: عندما يرى الشخص ذاته غير مهمة في نظر الغير يلجأ لاشعوريا إلى تقمص شخصية ذات أثر فيقلدا في طريقة اللباس و حلاقة الشعر و الكلام و الحركات( الملامح الخارجية) حتى يجلب الاهتمام.
النكت: فالإنسان وهو يسخر و ينكت يكون قد تحلل من قيود آداب الحديث لذا تجد الرغبات المكبوتة منفذا للخروج كما تجعل النكتة الواقع الذي اعترض رغباتنا محل ضحك و سخرية، خاصة النكت ذات المواضيع الجنسية أو السياسية.
التعويض: ويكون نتيجة الشعور بالنقص الذي يدفع الفرد إلى التعويض في مجال آخر ، ومن أمثلة التعويض أن الفتاة قصيرة القامة قد تخفف من عقدتها النفسية بانتعالها أعلى النعال أو بميلها إلى الإكثار من مستحضرات التجميل حتى تلفت إليها الأنظار، أو تقوم ببعض الألعاب الرياضية أو بارتداء بعض الفساتين القصيرة .
التبرير: و الذي يستخدم لتفادي الصراع بين دافع ما و السلطة الأخلاقية ( الضمير) كأن يغادر فرد ما الحافلة دون دفع ثمن التذكرة ثم يبرر لنفسه بأنه كان واقفا طيلة المسافة بالتالي فصاحب الحافلة لا يستحق ماله. و الشخص الذي لم يتمكن من أخذ تذكرة لحضور مسرحية ما قد يلجأ لتبرير موقفه بإحصاء عيوب المسرحية.
النكوص: و هو رجوع الشخص الكبير سنا سلوكيا إلى الوراء كالشيخ الذي يلعب مع الصغار تحقيقا للرغبة ( و التي قد تكون طلب الرعاية و الحنان من أفراد أسرته)أو بحثا عن لذة.
*كما قسم فرويد الجهاز النفسي إلى ثلاث مستويات ينتج عن العلاقة بينها إما التوازن و إما الاختلال في الحياة النفسية وهي:
الهو: Le Soi : و يمثل جملة الغرائز و الرغبات البيولوجية التي تسير وفق مبدأ اللذة و يتصف بأنه لا يعترف بالأخلاق و المعايير الاجتماعية و المنطقية و يظهر الهو من خلال غريزتين هما غريزة الحياة و غريزة الموت( التدمير ) ،و يحدث بينهما تفاعل يكون مختلف الأنشطة النفسية في الحياة، و هما: الغريزة الجنسية( الليبيدو ) أو غريزة الحياة Libido:
فهي الأساس الذي بنى عليه فرويد نظريته؛ لكنه توسع فيها و لم يحصرها في وظيفة التناسل و إنما جعلها غريزة الحياة فهي تعني كل التنبيهات و النشاطات التي تنتج عنها لذة سواء كانت جنسية أو وجدانية أو حسية و كل الأعمال الايجابية و البناءة التي تؤدي إلى استمرار الحياة،يقول فرويد في هذا السياق « إن الفنان الذي يرسم لوحة فنية ليس إلا طريقة لا شعورية للتعبير عن غريزته الجنسية المكبوتة » و يقول أيضا : « إن الطاقة الغريزية التي يولد الطفل مزودا بها تمر بأدوار محددة بحياته؛ كما أن النضج البيولوجي هو الذي ينقل الطفل من مرحلة إلى أخرى، ولكن نوعوطبيعة المواقف التي يمر بها هي التي تحدد النتاج السيكولوجي لهذهالمراحل «.
إضافة إلى غريزة العدوان ( أو غريزة الموت ) التي تشمل كل مظاهر القسوة و الهدم و التحطيم و التهديم و الاضطهاد و الكره ضد الآخر سواء كان إنسانا أو حيوانا أو جمادا أو حتى ضد نفسه كما في الانتحار ، و تظهر أيضا من خلال اللوم المستمر و مشاعر الذنب و تعذيب الذات و يكفي أن نتأمل حالة الغضب و هو ينتقل من العدوان المكبوت إلى حالة إفناء النفس بتوجيه عدوانه إلى نفسه، فيلطم الغاضب نفسه و يجذب شعره و هي أعمال كان يفضل لو يوجهها إلى شخص آخر.و التي تظهر في السلوك التخريبي كما نجده عند الطفل الذي يكسر لعبه، يقول فرويد: « كل أشكال الحياة هدفها الموت »الأنا الأعلى Le Moi Supérieur: (Le Sur-Moi) : و يمثل القوة القمعية و النقدية التي تقف أمام متطلبات الهو اللامحدودة فيشمل الموانع و المحظورات الأخلاقية و القوانين العقابية و الذي يتكون من خلال التربية و سلطة الأبوين و العادات و القوانين الاجتماعية و المعتقدات الدينية( مثل يجب أن ...يجب ألا...) و بتعبير آخر هو جملة القيم الأخلاقية التي نتعلمها من المجتمع و يمثل سلطة الأبوين و الضمير وهو ذو طابع أخلاقي مكتسب يتسلط على الذات و يكبح الهو. يقول فرويد: « إن الطفل يتحرك بالغريزة، بيد أن هذه الغريزة لا تلبث أن تدخل في سن مبكرة في تناقض مع متطلبات الحياة »
الأنا Le Moi : تمثل الجانب الواقعي من الشخصية ( النفس) وهو ساحة الصراع بين مطالب الهو و موانع الأنا الأعلى و لذلك مهمة الأنا هي التوفيق بينهما ؛و إزالة الصراع لكنه في بعض الأحيان يضطر إلى كبت و رفض بعض مطالب الهو. كما تعتبر الأنا القوة المنظمة التي تحقق التوازن النفسي و التوافق بين الأنا الأعلى و الهو فيؤدي إلى الابتعاد عن الصراع و الأزمات النفسية و ذلك باستخدام مختلف الآليات الدفاعية التي تؤدي إلى تحقيق المطالب وفق أساليب مقبولة أخلاقيا و اجتماعيا أما المطالب المرفوضة فتشكل ما يسمى «الكبت »Le Refoulement، و الرغبة المكبوتة تستقر في اللاشعور و تبقى حية محتفظة بكل طاقتها و تؤثر باستمرار على الحياة النفسية و على السلوك.
* و بفضل هذا التقسيم صار بالإمكان فهم أسباب الهستيريا التي حددها أطباء النفس اليوم في أسباب نفسية تنحصر في الصراع بين الغرائز والمعايير الاجتماعية، والصراع الشديد بين الأنا الأعلى و بين الهو (خاصة الدوافع الجنسية) بالتوفيق عن طريق العرض الهستيري، بسبب الإحباط وخيبة الأمل في تحقيق هدف أو مطلب، والفشل والإخفاق في الحب، والزواج غير المرغوب فيه ،والزواج غير السعيد، والغيرة، والحرمان ونقص العطف والانتباه وعدم الأمن، والأنانية والتمركز حول الذات بشكل طفلي.وعدم نضج الشخصية وعدم النضج الاجتماعي، وعدم القدرة على رسم خط الحياة، وأخطاء الرعاية الوالديـه مثل التدليل المفرط والحماية الزائدة .
النقد : صحيح أن اكتشاف اللاشعور ساهم في علاج الكثير من حالات الهستيريا و الاضطرابات النفسية كما تعتبر نظرية فرويد حول التحليل النفسي أول نظرية متكاملة في الشخصية ؛كما بين تأثير مرحلة الطفولة في نمو الشخصية وقد شاركه الكثير من الباحثين هذا الرأي؛ لكناللاشعور يبقى مجرد فرضية فلسفية لا ترتقي إلى مستوى النظرية العلمية فتجارب فرويد اقتصرت على المرضى فقط و لم تمتد إلى الأسوياء غير أن مدرسة التحليل النفسي جعلت اللاشعور حقيقة مؤكدة ، مما جعلها تحول مركز الثقل فيالحياة النفسية من الشعور إلى اللاشعور ، فقد أنكر فرويد حرية الشعور مع أن الشفاء من الاضطرابات العصابية اللاشعورية لا يتم إلا بالشعور، كما بالغ فرويد في جعل الإنسان تحت رحمة جملة من الغرائز أهمها الغريزة الجنسية و بالغ في اعتبارها المحرك الأساسي للإنسان فقد تعرض إلى كثير من الانتقادات حتى من أقرب الناس إليه فآراءه المتعصبة لجهة سيطرة اللاشعور على حياة الإنسان افقده خصوصية هامة ألا وهي الوعي والإدراك فجعله أسيرا لغرائزه ومكبوتاته ونفى عنه كذلك كل إرادة وحرية في الاختيار ، فابنته أنا فرويد Anna Freud ( 1895-1982م)وتلميذه ألفرد أدلر ( 1870-1937م) Alfred Adler كانا أكثر من انتقده في هذا الجانب ،كما رأت ابنته أنا Anna أيضا أن التداعي الحر لا يمكن تطبيقه عمليا مع الأطفال قبل سن البلوغ فذلك يؤثر على تحليل الأحلام وهو الطريق الثانية للنفاذ إلى اللاشعور فمع أن الطفل يحكي أحلامه بحرية إلا أنه لا يمكن أن يعلق عليها ليكشف عن مضمون الحلم الكامن ؛و كذلك من غير الممكن أن نقسر الطفل على أن يرقد على وسادة ليتداعى بحرية لأنه غالبا ما ينام و أيضا لقلة حيلته في التعبير عن نفسه لغويا؛ و لعدم نضجه و وعيه ثانيا . ومن الانتقادات الموجهة إلى فرويد أن الإنسان في الحقيقة مكرم و منزه عن بقية الكائنات بميزة العقل فربط الأمراض النفسية بالليبيدو يعتبر تشويها للإنسان إذ تم تصويره كحيوان يجري وراء شهواته و غرائزه و حين نتحدث عن اللبيدو أوالجنس فلامناص من ذكر فرويد فقد كان يوجه اهتمامه لهذه المسألة إلى درجة المبالغةوالشذوذ وكل ما كتبه يدور حول الغريزة الجنسية لأنه يجعلها مدار الحياة كلهاومنبع المشاعر البشرية بلا استثناء و يصل به الأمر إلى تقرير نظريته إلى حد أنيصبغ كل حركة من حركات الطفل الرضيع بصبغة الجنس الحادة المجنونة فالطفلأثناء رضاعته ـ كما يزعم هذا الأخير ـ يجد لذة جنسية ويلتصق بأمه بدافع الجنسوهو يمص إبهامه بنشوة جنسية،وقد جاء فيبروتوكولات حكماءصهيون: (يجب أن نعمل أن تنهار الأخلاق في كل مكان فتسهل سيطرتنا...إنفرويد منا وسيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس كي لا يبقى في نظرالشباب شيء مقدس ويصبح همه رواء غرائزه الجنسية وعندئذ تنهار أخلاقه) فقد لحقت تهمة المادية بنظرية التحليل النفسي إذ ردت عالم القيم كله إلى عقد نفسية مرتبطة بالغرائز المكبوتة .لقد تجاهل فرويد عناصر كثيرة تؤثر في الشخصية كالعناصر الاجتماعية و العرقية و التاريخية و الثقافية بدليل ظهور فرضيات جديدة من طرف تلاميذه خاصة ألفرد أدلر الذي اختلف مع فرويد بالتأكيد أن القوة الدافعةفي حياة الإنسان هي الشعور بالنقص والتي تبدأ حالما يبدأ الطفل بفهم وجودالناس الآخرين والذين عندهم قدرة أحسن منه للعناية بأنفسهم والتكيف معبيئتهم . فمن اللحظة التي ينشأ الشعور بالنقص يبدأ الطفل يكافح للتغلب عليه، ولأن النقص لا يحتمل الآليات التعويضية التي تنشأ من النفس تظهرالاتجاهات العصابية الأنانية وإفراط التعويض وانسحاب من العالم الواقعي ومشاكله أما تلميذه الأخر عالم النفس السويسريكارل يونغ(1875-1961م)Carl Jungفيرى أن الليبيدو يؤثر على الطبع المنطوي و لا يقوى على المنبسط لاهتمامه بالعالم الخارجي و قال بوجود اللاشعور الاجتماعي. كما رفض الطبيب النمساوي ستيكال Stekelاللاشعور من خلال قوله: ( أنا لا أومن باللاشعور فلقد آمنت به في مرحلته الأولىولكن بعد تجربتي التي دامت ثلاثين عاما وجدت أن الأفكار المكبوتة إنما هي تحتشعورية وان المرضى دوما يخافون من رؤية الحقيقة).ومعنى هذا أن الأشياءالمكبوتة ليست في الواقع غامضة لدى المريض إطلاقا إنه يشعر بها ولكنه يميلإلى تجاهلها خشية إطلاعه على الحقيقة في مظهرها الخام كما هاجم جورجي لوكاس فرويد قائلا: « ﺇن سيكولوجيا فرويد هي سيكولوجيا الرجل العاطل عن العمل و لهذا غلبت فيها الدوافع الجنسية »و قال طبيب الأعصاب الفرنسي هنري آي Henri ey (1977-1900)ساخرا من أسلوب التحليل النفسي الذي ابتكره فرويد: « ﺇن المحلل النفسي كالبوم لا يرى إلا في الظلام ».
التركيب:إن الحياة النفسية كيان متشابك يتداخل فيه ما هو شعوري بما هو لاشعوري ، فالشعور يمكننا من فهم الجانب الواعي من الحياة النفسية ، واللاشعور يمكننا من فهم الجانب اللاواعي منها ، أي أن الإنسان يعيش حياة نفسية ذات جانبين : جانب شعوري وجانب لا شعوري ، وأن ما لا يستطيع الشعور تفسيره ، نستطيع تفسيره برده إلى اللاشعور.واعتبار الحياة النفسية يمثلها الشعور فقط فيه نوع من الإهمال لجانب مهم وهو اللاشعور ، وكذلك اعتبار الحياة النفسية يمثلها اللاشعور فقط فيه تقليل من قيمة الإنسان ككائن واع بكل خصائصه ، والرأي السليم هو أن الحياة النفسية عند الإنسان لا يمكن معرفتها وتفسيرها إلا بالإيمان بوجود الجانبين معا فهما يتكاملان لمعرفة حقيقة النفس الإنسانية وما يدور بداخلها وان كانت هذه المعرفة محدودة إلى حد ما .
الرأي الشخصي: لكن حسب رأيي الشخصي فان الحياة النفسية للإنسان هي حياة شعورية بالدرجة الأولى لأنه يعيش معظم لحظات حياته واعيا ولان من خصائص الشعور الديمومة، و الاتصال، لكن هناك جانب آخر لاشعوري له دور كبير في تنفيس الرغبات المكبوتة و لكلا الجانبين دور و أهمية في الحياة النفسية لكل منا.
حل المشكلة :وهكذا يتضح في الأخير، أن الإنسان يعيش حياة نفسية ذات جانبين : جانب شعوري يُمكِننا إدراكه والاطلاع عليه من خلال الشعور ، وجانب لاشعوري لا يمكن الكشف عنه إلا من خلال التحليل النفسي ، ومادام الشعور وحده غير كافٍ لمعرفة كل ما يجري في حياتنا النفسية ، فإنه يمكن أن نفهم عن طريق اللاشعور كل ما لا نفهمه عن طريق الشعور ، فالشعور يساعدنا على التكيف مع العالم الخارجي؛ و اللاشعور بمخزونه المتنوع يساعد على اكتشاف تاريخ الفرد بالتالي تقويم سلوكه، فبفضل اللاشعور مثلا تطور العلاج النفسي كما استثمر في مجال التربية حيث بين حساسية و أهمية مرحلة الطفولة و كيف أن التجارب القاسية التي يعيشها الطفل تكون سببا لما يعانيه و هو راشد؛ فالشاب الذي يصير لصا أو مجرمامثلا قد يكون السبب راجعا إلى العنف الذي تعرض له في أسرته؛ و هو طفل صغير، أو إلى العنف الذي تعرض له في المدرسة..