فقال
عليه الصلاة والسلام : والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما
قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا ، ولكن لا أجد سعة فأحملهم ، ولا
يجدون سعة ، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني ، والذي نفس محمد بيده لوددت أني
أغزو في سبيل الله فأقتل ، ثم أغزو فأقتل ، ثم أغزو فأقتل . رواه البخاري
ومسلم .
هذه كانت أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وإذا كانت النفوس كبار = تعبت في مرادها الأجسامُ
أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أشجع الشجعان حتى إنه ليحتمي به صناديد الأبطال عند اشتداد النِّـزال
قال
البراء رضي الله عنه : كنا والله إذا احمر البأس نتقي به ، وإن الشجاع
مـنـّا للذي يحاذي به ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم . رواه مسلم
وقال
عليّ رضي الله عنه : كنا إذا احمرّ البأس ، ولقي القوم القوم ، اتقينا
برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه .
رواه الإمام أحمد وغيره .
من هنا كانت أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم عالية ، كانت منزلة رفيعة ، ألا وهي الشهادة في سبيل الله .
وليست مرة بل مرّات
تأمل :
" والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل ، ثم أغزو فأقتل ، ثم أغزو فأقتل "
وفي رواية للبخاري :
والذي نفسي بيده وددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل ، ثم أحيا ثم أقتل ، ثم أحيا ثم أقتل ، ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا .
وما ذلك إلا لكرامة الشهيد والشهادة على الله .
ولذا
لما قُتِل من قُتِل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحد ولقوا
ربهم تبارك وتعالى ، فسألهم : ماذا يُريدون ما اختاروا غير العودة للدنيا
من أجل أن يُقتلوا في سبيل الله مرة ثانية .
لما
قُتل عبد الله بن عمرو بن حرام يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: يا جابر ألا أخبرك ما قال الله عز وجل لأبيك ؟ قلت : بلى . قال : ما كلم
الله أحداً إلا من وراء حجاب ، وكلّم أباك كفاحا ، فقال : يا عبدي تمنّ
عليّ أعطك . قال : يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية ! قال : إنه سبق مني أنهم
إليها لا يرجعون . قال : يا رب فأبلغ من ورائي ، فأنزل الله عز وجل هذه
الآية ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ
أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) . رواه الإمام
أحمد والترمذي وابن ماجه .
وقال
عليه الصلاة والسلام : لما أصيب إخوانكم بأُحد جعل الله عز وجل أرواحهم في
أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب في
ظل العرش ، فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن منقلبهم قالوا : يا ليت
إخواننا يعلمون بما صنع الله لنا لئلا يزهدوا في الجهاد ، ولا ينكلوا عن
الحرب . فقال الله عز وجل : أنا أبلغهم عنكم ، فأنزل الله عز وجل هؤلاء
الآيات على رسوله ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ
اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) . رواه
الإمام أحمد وأبو داود .
فأي كرامة يُكرم الله عز وجل بها الشهيد الذي قُتِل في سيل الله لإعلاء كلمة الله ؟
قال عليه الصلاة والسلام :
للشهيد عند الله عز وجل سبع خصال :
يُغفر له في أول دفعة من دمه .
ويرى مقعده من الجنة .
ويُحلى حلة الإيمان .
ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين .
ويُجار من عذاب القبر ، ويأمن من الفزع الأكبر .
ويوضع على رأسه تاج الوقار ، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها .
ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه ، وهو في صحيح الجامع.
فأي كرامة فوق هذه الكرامة ؟
وأي فضل فوق هذا الفضل سوى رؤية وجه الرب سبحانه وتعالى ؟
ولما
سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم
إلا الشهيد ؟ قال : كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة . رواه النسائي .
تلك كانت أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو عليه الصلاة والسلام لا يتمنى إلا ما كان يُقرّبه إلى الله عز وجل .
فهل نتمنى ما تمناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
أما إنها لو كانت أمنية صادقة لكفى .
قال صلى الله عليه وسلم : من مات ولم يغز ، ولم يحدث به نفسه ، مات على شعبة من نفاق . رواه مسلم .
وقال عليه الصلاة والسلام : من سأل الله الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء ، وإن مات على فراشه . رواه مسلم .
وأختم بوصية الصِّدِّيق رضي الله عنه : احرص على الموت توهب لك الحياة .
وإن تعجب فاعجب لمن قال تلك الكلمة ؟
لقد قالها أبو بكر رضي الله عنه لسيف الله المسلول رضي الله عنه .
وبقول الخنساء :
نهين النفوس وهَوْن النفوس = يوم الكريهة أوقى لها
وما أروع قول الحصين المرّي :
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد = لنفسي حياة مثل أن أتقدما.
كتبه الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم