رمضان الدعوة هـديـه صلى الله عليه وسلم في رمضــان .. (2)
هديه صلى الله عليه وسلم في الصيام مع شدة الحر:
عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال :
لقد رأيت رسول الله بالعَرْج يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو من الحر .
وكان إذا سافر تارة يصوم، وتارة يفطر، وتارة يبتدأ الصوم في أول النهار ثم يفطر بعد ذلك،
ويبدو – والله أعلم- أن مرجع هذا الاختلاف في الحال اختلاف أنواع السفر ومشاقه.
عن أبي الدرداء قال:
خرجنا مع رسول الله في شهر رمضان في حر شديد، حتى إن كان أحدنا ليضع
يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله وعبد الله بن رواحة.
وعن ابن عباس أن رسول الله خرج عام الفتح في رمضان، فصام حتى بلغ الكَدِيد أفطر، فأفطر الناس.
وفي رواية قال:
سافر رسول الله في رمضان، فصام حتى بلغ عسفان، ثم دعا بإناء فيه شراب
فشربه نهارا ليراه الناس، ثم أفطر حتى دخل مكة.
قال ابن عباس:
فصام رسول الله وأفطر، من شاء صام ومن شاء أفطر.
وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ كراع
الغميم، فصام الناس، ثم دعا بقدح ماء، فرفعه حتى نظر الناس إليه، ثم شرب، فقيل له بعد ذلك:
إن بعض الناس قد صام. فقال: " أولئك العصاة، أولئك العصاة ".
وفي رواية أخرى:
فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنما ينظرون فيما فعلت،
فدعا بقدح من ماء بعد العصر.
وعن أبي سعيد الخدري قال:
غزونا مع رسول الله لست عشرة مضت من رمضان، فمنا من صام،
ومنا من أفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم.
وفي رواية له :
فمنا الصائم ومنا المفطر، فلا يجد الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم،
يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ويرون أن من وجد ضعفا فأفطر فإن ذلك حسن.
وفي رواية عند أحمد قال:
أتى رسول الله على نهر من ماء السماء، والناس صيام في يوم صائف
مشاة، ونبي الله على بغلة له، فقال: " اشربوا أيها الناس " قال: فأبوا. فقال:
" إني لست مثلكم، إني أيسركم، إني راكب " فأبوا،
فثنى رسول الله فخذه، فنزل، وشرب وشرب الناس،
وما كان يريد أن يشرب.
وعن منصور الكلبي أن دحية بن خليفة خرج من قرية من دمشق مِزَّة إلى قدر قرية عقبة من الفسطاط،
وذلك ثلاثة أميال في رمضان، ثم إنه أفطر وأفطر معه ناس، وكره آخرون أن يفطروا،
فلما رجع إلى قريته قال: والله لقد رأيت اليوم أمرا ما كنت أظن أني أراه، إن قوما رغبوا
عن هدي رسول الله وأصحابه يقول ذلك للذين صاموا، ثم قال عند ذلك: اللهم اقبضني إليك .
وكان يعجل الفطر بعد غروب الشمس مباشرة، وكان يفطر قبل صلاة المغرب، وكان يفطر على رطب،
فإن لم يجد فعلى تمر، فإن لم يجد حسى حسوات من ماء، وكان يوجه أمته لذلك ويحثهم عليه.
قال ابن عبد البر: (أحاديث تعجيل الإفطار وتأخير السحور صحاح متواترة) اهـ
ومن هذه الأحاديث:
عن ابن أبي أوفى قال:
سرنا مع رسول الله وهو صائم، فلما غربت الشمس قال لرجل: " انزل فاجدح لنا ".
قال: يا رسول الله، لو أمسيت. قال: " انزل فاجدح لنا ". قال: يا رسول الله، إن عليك نهارا.
قال: " انزل فاجدح لنا ". فنزل فجدح، ثم قال: " إذا رأيتم الليل أقبل من هاهنا فقد أفطر الصائم "
وأشار بإصبعه إلى قبل المشرق.
وعن مالك بن عامر قال:
دخلت أنا ومسروق على عائشة، فقال لها مسروق:
رجلان من أصحاب محمد كلاهما لا يألوا عن الخير، أحدهما يعجل المغرب والإفطار،
والآخر يؤخر المغرب والإفطار، فقالت: من يعجل المغرب والإفطار؟ قال: عبد الله. قالت:
هكذا كان رسول الله يصنع . وعبد الله هو ابن مسعود.
وعن سهل بن سعد أن رسول الله قال:
" لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر".
وعن أنس بن مالك قال:
كان رسول الله يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فعلى
تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء.
وعن سلمان بن عامر قال:
قال رسول الله : " إذا كان أحدكم صائما فليفطر على التمر،
فإن لم يجد التمر فعلى الماء، فإنه طهور ".
وكان يقول إذا أفطر: " ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى "
وكان إذا أفطر عند قوم دعا لهم.
عن أنس بن مالك أن النبي كان إذا أفطر عند أهل بيت قال لهم:
" أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة ".
وكان ربما واصل في رمضان الصيام إلى اليوم التالي، ولكن هذا كان من خصائصه ،
فلا يشرع للإنسان الوصال، ومن أحب أن يواصل فقد رخص فيه النبي إلى السحر، والأولى تركه.
عن أبي هريرة قال:
نهى رسول الله عن الوصال، فقال رجل من المسلمين: فإنك يا رسول الله تواصل؟!
قال رسول الله : " وأيكم مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ".
فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما، ثم يوما، ثم رأوا الهلال، فقال:
" لو تأخر الهلال لزدتكم ". كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا.
وعن أنس بن مالك قال:
أخذ يواصل رسول الله ، وذاك في آخر الشهر، فأخذ رجال من أصحابه يواصلون
، فقال رسول الله : " ما بال رجال يواصلون، إنكم لستم مثلي،
أما والله لو تمادَّ لي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم ".
(فائدة ) قال العلامة ابن القيم:
وقد اختلف الناس في هذا الطعام والشراب المذكورين على قولين:
أحدهما: أنه طعام وشراب حسي للفم....
الثاني:
أن المراد به ما يغذيه الله به من معارفه، وما يفيض على قلبه من لذة
مناجاته، وقرة عينه بقربه، وتنعمه بحبه، والشوق إليه، وتوابع ذلك من
الأحوال التي هي غذاء القلوب، ونعيم الأرواح، وقرة العين، وبهجة النفوس
والروح والقلب بما هو أعظم غذاء وأجود وأنفعه، وقد يقوى هذا الغذاء حتى
يغني عن غذاء الأجسام مدة من الزمان) أ.هـ.
والصحيح هو المعنى الثاني كما نص على ذلك ابن رجب في "لطائف المعارف".