قصة عظيمة وقعة في رمضان يجب على الكل قرائتها
لم تأتِ آيـةُ التسامح في الإسلام {لا إكراه في الدين}
بعد أعظم آية في القرآن وهي آية الكرسي ، إلاّ ـ والله أعلـم ـ لبيان أنَّ
هذا الدين العظيم لايحتاج إلى الإكراه ـ واللجوء إليه دليل العجـز ـ
لينتصـر على الدين كلِّه ولو كره الكافـرون ، فالله تعالى الموصوف بالكمال
المطلق كما في آية الكرسي ، يسيـر عليـه أنَّ يجعل هذا الدين باهـرَ
الآيات بحيث يجتذب إليه القلـوب ، ويأخذ بالألباب ، ويخُضع النفوس لعظمةِ
حجّتـه ، أي : فلا تُكرهوا أحـداً عليه ، بـل أزيلوا الحجـب بين الناس
ورؤيـة شمس براهينه الساطعـة ، ثم خـلُّوا بينـها وبينهـم ، فإنَّ جلال
أنـواره سيخطـف الأبصـار ، ويأسـر الأرواح .
حدثني شخصٌ أسلم
عن قصة إسلامه وأنها كانت بسبب رمضان ، قال إنه تعجَّـب من المسلمين في
قريته ، كيف كانت وجوهُهُم تتقلَّـب في السماء عندما انصرم الشهر الذي قبل
شهر الصـوم ، كأنهـم ينتظرون إشارة من خالق الكون من فوقهـم ليقوموا بشيءٍ
بعدهـا ، فلما رأوْا الهلال ، فرحوا فرحا عظيما ، كأنهم بُشـِّروا بأعظم
البشرى ، ولم أتوقّـع أن يكون فرحهم بأنهم سيمتنعون عن الشهوات طيلة شهـر
في النهار كلِّه .. هذه الشهوات التي يتقاتل بنو البشر عليها ، وتخاض
الحروب التي تفتك بالملايين من أجلهـا، وأنهم سيصلُّون بمناجاة ربهم في
الليل ، قال : فأخذ هذا منهم بلبـِّي ، واستحوذ على قلبي ، فصمتُ معهـم ،
وأنا لا أعرف الإسلام ، ولم أنطـق بالشهادتـين ، بل أكتفي بالإمـتناع عن
الأكل والشرب وإتيان زوجتي إذا ذهب المسلـمون لصلاة الصبح ، وكنت أفطر إذا
سمعت أذان المسجد لصلاة المغـرب ، وأذهب فأصلي معهم في الليل ـ صلاة
التروايح ـ وأصنع مثل ما يصنعون ، قياما ، وركوعا ، وسجـودا ، غير أنني لا
أتكلـم بشيء ، فأجـد راحة عجيبة ، وسكينة لم تعرفها روحي من قبل ، حتى إذا
انتصف الشهر ، لاحظني الإمام وأنني غريب عن القوم ، فسألني عنـي ، فدهش من
قصتي إندهاشـا حمله على أن يجمع الناس ليسمعوا منـي ، فلما سمعوا قصتي
علموني الإسلام ، فنطقت بالشهادتين ، فكبروا وقالوا أنت أسلمت على يد
رمضان ، وسموني رمضـان !
ومن عجائب آيات الله في رمضان ، أنه
لو بذل فلاسفـة البشرية ومفكروهـم كلهم مجتمعـون طلاع الأرض ذهبـا على أن
يجعلوا سدس سكان الكرة الأرضية ، يجتنبـون الشهوات ، ويتنزهون عن متاع
الدنيا ، ويتركون بطونهم خاوية ، ويلتفـتون إلى أرواحهـم ليطهروها من
التعلق بعالم المـادة ، إلى السمو الأخلاقي الذي وصفه النبي صلى الله عليه
وسلم ( من لم يدع قول الزور ، والعمل به ، فليس لله حاجـة أن يدع طعـامه
وشـرابه ) ، يوما واحـدا وليس شهرا كاملا ، لأعلـنوا عجزهـم ، فيما نجـح
فيه هذا الدين العظيـم .
إنـَّه في كلِّ عام وفي شهـر كامـل ،
يلغـي من التاريخ البشري البطـون ، ويجعل محلَّها القلـوب ، ولهذا ـ والله
أعلم ـ جعل الصيام في النهار دون الليل ، حتـى يظهـر إعـلان هذه الحكـمة
على الناس جهاراً نهـاراً ، لايستخفى بظلمة الليل ، ولاتكنـُّه بيوت المدر
، والوبـر ، وإنَّ هذه و الله لآيـةً باهـرة .
واتفـق لي أيضا قصة
أخرى من قصص الإسلام ، تشبه ما ذكرته آنفا ، وحدثتني بها امرأة كانت غير
مسلمة ، وكانت تشعر إذا دخل هذا الشهر المبارك بمـا يمنعها من الأكل
والشـرب ، وكان تبتعد عن زوجها متذرعة بالمرض في النهار إذا أرادها ،
وتقول لم أكن أستطيع أن آكل أو أشـرب ، حتى أسمع المساجد حولي بيتي تؤذن
مع غروب الشمس ، فكانت الدموع تذرف من عيني ، إذ أجـد شهيتي لا تطيعني إلا
إذا سمعت هذا الأذان ، فآكل وأنا أبكي ، وأتمنى أن أصبـح مسلمة ، ولولا
الخـوف من زوجي وأهله وأهلي ، لأسلمت ، ولما سألتني ماذا أصنع ، قلت لها
أسلمـي وانطقي بالشهادتين ، واكتمـي إيمانك حتى يفتح الله عليك.
واسأل المجتهدين في دعوة غير المسلمين فسيخبرونك بالأعجايـب ، وأنّ شهـر رمضان هـو شهر الدخول في دين الله أفواجـا ،
ومن
عجائب رمضـان إطـلاقه عوامـل الخيـر بين الناس ، ولهذا تجد ما يتعاطاه
الناس من الإحسان لبعضهم في هذا الشهر المبارك ، لايقارن بالسنة كلَّها ،
حتى صار يُسمَّى عند عامة الناس ( رمضان كريم ) وذلك لكثرة ما يرونه من
تعاطـي الخير والإحسان بين الناس فيه .
ومن هنا ـ والله أعلم ـ
شرعت بهجة العيد بعده ، ومقرونة بإخراج الصدقة قبل صلاة العيد أيضـا ،
لتربية المسلمين على أنَّ الإبتهاج الحقيقي هو الذي يثمـرُهُ الإحسان إلى
الناس ، والتخلص من جشع الحياة المادية ، إلى عطـاء الصفاء الروحـي .
ومن
عجائبه أنـَّه يمـرِّن المسلمين على الدعوة إلى الإسلام ، فيعيد اللحمة
بين المسلم ورسالته ، ذلك أنـَّه يحـوِّل التـَّركَ المجـرَّد إلى أكبـر
وأنفع فعل إيجابي للإنسانية ، ولهذا تجد كثيراً من الناس لايسمعون عن
الإسلام إلاَّ في رمضان ، وكـم هي تلك القصص التي يجد المسلم فيها نفسه
يتحول إلى داعيـة رغما عنه ، عندما يسأله من حوله : لماذا لا تأكـل ؟!
فيقول لأنه رمضان وأنا صائم ، فيسألونـه عن الصوم ، فيحدثهـم عن الإسـلام .
وأخيـرا
فهاهـو الإسلام يبهر العالم بإنجازه العظيم في رمضـان ، عندما يضـرب في
وجـه العولمة المادية المتوحشـة التي أهلكت الحرث والنسل بما غرست في
العالم أجمع من جشع ثالوث المادة ، والشهوة ، والمنفعة ، يضـرب في وجهها
بقيم تنقية الروح ، وتهذيـب الخلق ، وصنـاعة الخيـر المتعدي .
ليقول
لأعداء الإسلام : هؤلاء هم المسلمون الذين تسعون بكل سبيل لتلويث سمعتهم ،
هـاهـم يترفعـون عن جشعكم البغيض ، ورأسماليـتكم الخبيثة ، بالصيـام ،
ليعملوكـم ما لاتعرفون ، عن تصفية الروح بالخير ، والإحسان ، والرحمة ،
والإيمـان .
فاللّهم اجعل لنا من بركة رمضان الحظ الأوفـر ، والنصيـب الأكبـر ، والقـدر الأكثـر .
آمين