المسرد التاريخي لمقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام
قال الله سبحانه وتعالى:
وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى
أي : اتخذوا عند مقام إبراهيم مصلى.
قيل : المسجد كله مقام إبراهيم , وقيل : الحرم كله ,
وقيل : جميع مشاهد الحج كمنى وعرفة ومزدلفة , وقيل : هو الحجر الذي قام
عليه إبراهيم عليه الصلاة والسلام عند بناء الكعبة وكان يرتفع به كلما
ارتفع البناء. وهذا القول الأخير هو الصحيح وهو الذي يتبادر إلى الاذهان
إذا ذكر المقام وهو الذي أراد الله أن تغوص فيه قدما إبراهيم عليه الصلاة
والسلام تخليدا لذكراه وما يحوطها من إيمان كامل وتعلق بالله شامل.
أصل المقام من الجنة لما رواه الترمذي وأحمد والحاكم وابن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
إن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله تعالى نورهما ولو لم يطمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب
ومع عظيم احترام العرب في الجاهلية للحجر الأسود
والمقام إلا أن الله حماهما من عبادتهما فلم يتحولا إلى أصنام وكذا الكعبة
لأن الله ببالغ علمه الواسع أراد أن تكون هذه المقدسات لأمة محمد صلى الله
عليه وسلم صافية نقية من شائبة الشرك في تاريخ جودها.
لقد تغير أثر القدمين عن هيئتهما الأصلية وذلك لأن المقام كان مكشوفا , ومن كثرة مس الأيدي له ذهبت معالم تفصيل الأصابع.
الظاهر من أثر القدمين في مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه كان بدون نعلين حين يرتقي الحجر.
روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
وافقت ربي في ثلاث: قلت يا رسول الله لو اتخذت مقام إبراهيم مصلى فنزلت:
واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى
إلخ
الحديث.
السنة أن تكون الصلاة خلف المقام وليس من الضروري
مقابلته تماما بل يقف خلفه في أي مكان مثل وقوف المأموم بالنسبة للإمام
خلفه وعن يمينه وشماله.
كان موضع المقام في الجاهلية وعهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى يوم الفتح إلى سقع الكعبة ثم إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أخره عن موضعه عندما نزلت آية
واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى
إلى مكانه الحالي حتى لا يعوق المصلون خلفه الطائفين , وكان كذلك على عهد
أبي بكر وعمر رضي الله عنهما , وحينما جرفه السيل في خلافة عمر وأعادوه
إلى ملاصقة البيت جاء عمر بنفسه من المدينة وأعاده إلى مكانه بمحضر من
الصحابة وكان ذلك في رمضان عام 17هـ فهو في موقعه إلى اليوم.
أول من طوق مقام إبراهيم بالذهب أمير المؤمنين محمد
المهدي عام 161هـ , ثم تتابع بعد ذلك الخلفاء والسدنة وغيرهم في صيانة
المقام وترميم فضته وذهبه وتثبيته بالرصاص وغيره.
كان المقام مكشوفا بدون أي حاجز يحميه. وفي فتنة
القرامطة الذين سرقوا الحجر الأسود أرادوا سرقة المقام أيضا , إلا أن بعض
السدنة غيبه عنهم , فبدأ التقكير بعد ذلك في حمايته , فجعلت له قبتان
متحركة إحداها خشبية والأخرى حديدية , ثم بعد ذلك عمل للمقام تابوتا يوضع
فيه , وتطور الوضع إلى بناء مقصورة له تنتهي مؤخرتها بمظلة متصلة
بالمقصورة ليصلي الناس تحتها ركعتي الطواف , ويقال : إن أول عمل المقصورة
كان عام 810هـ , وكان يتم بعد ذلك ترميمها من قبل السلاطين وغيرهم إلى أن
أزيلت هذه المقصورة واستعيض عنها بالصرح البلوري في عهد دولة آل سعود
وفقها الله , وذلك تجنبا لتعويق الطائفين عن الطواف ولكنه لم يغير موضعه
إطلاقا.
ولقد كان مقام إبراهيم عليه السلام حتى عام 1385هـ
داخل مقصورة وعليه ستار لا يخلص إليه وقد قام بذرعه في جمادى الأولى لعام
1377هـ الشيخ محمد طاهر كردي فوجد أن ما بين شاذروان الكعبة المشرفة وبين
أول شباك مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام المقابل للكعبة المشرفة أحد
عشر مترا.
لقد كان قرار إلغاء مقصورة المقام واستبدال ذلك
بالصرح البلوري المشاهد اليوم مبنيا على قرار توصية المجلس التأسيسي
لرابطة العالم الإسلامي الذي اتخذه في جلسته الحادية عشرة المنعقدة بتاريخ
25 \ 12 \ 1384هـ والذي جاء في مقدمة نصه: (تفاديا لخطر الزحام أيام موسم
الحج وحرصا على الأرواح البريئة التي تذهب في كل سنة تحت أقدام الطائفين
الأمر الذي ينافي سماحة الشريعة الإسلامية ويسرها وعدم تكليفها النفس
البشرية أكثر مما في وسعها يقرر المجلس الموافقة على المشروع الآتي ورفعه
إلى الجهات السعودية المختصة ...
ثم عرضت مواصفات المشروع , وكانت الاستجابة من الدولة سريعة جدا فكان هذا الإنجاز البلوري المشاهد اليوم.
هذا
رسم تقريبي لكنه إلى الحقيقة أقرب , رسمناه بيدنا لحجر مقام سيدنا إبراهيم
عليه الصلاة والسلام حسب مشاهدتنا له حينما فتح لنا المقام في 17 شعبان
1367 هـ والمقام الكريم كله محاط بالفضة من سطحه وجوانبه كما هو ظاهر في
هذا الشكل , وهو ملتصق بالرخامة التي تحته لا يمكن تحريكه (محمد طاهر
الكردي).
وكـلمـا طـال البـناء ارتـفـعـا |
| بـه المـقـام فـي الهـوا ورفـعـا |
بــه الـقـواعــد وفـيـه القـدم |
| تـشـبـهـهـا للـهـاشـمـي قـدم |
وهو
حق لا شك فيه لما ورد من الأحاديث الصحيحة , ولما يدل عليه شكل القدمين
اللتين على المقام الكريم. وكان أبو جهم ابن حذيفة القرشي الذي حضر بناء
الكعبة المعظمة مرتين: في بناء قريش , وفي بناء ابن الزبير رضي الله عنهما
يقول: ما رأيت شبها كشبه قدم النبي صلى الله عليه وسلم بقدم إبراهيم عليه
السلام التي كنا نجدها في المقام.
وقال
قوم من بني مدلج وهم من أشهر العرب معرفة بالقيافة وبالآثار والعلامات
لعبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم حينما كفله بعد وفاة أمه آمنة:
احتفظ بمحمد فإنا لم نر قدما أشبه بالقدم التي في مقام إبراهيم منه.
وتبعا
للترميم الكامل للكعبة المشرفة فقد جاء الأمر السامي الكريم من خادم
الحرمين الشريفين بترميم مقام سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام في مكانه
مع عدم تغيير في موقعه ولا بمقدار مليمتر واحد.
وقد تم في هذا الترميم التغيير فقط للهيكل والقبة والهلال والكسوة الخرسانية للقاعدة على الشكل التالي:
تم تغيير الهيكل المعدني المركب على مقام سيدنا
إبراهيم عليه الصلاة والسلام بهيكل نحاسي جديد ذي جودة عالية , بالإضافة
أن شبكه الداخلي مطلي بالذهب ومن الخارج زجاج مقاس 10 مليمتر ليعطي رؤية
واضحة ومن النوع المقاوم للحرارة والكسر.
كما تم تغيير كسوة القاعدة الخرسانية من الجرانيت
الأسود ورخام وادي فاطمة إلى رخام كرار أبيض صافي ومحلى بجرانيت أخضر
ليماثل حجر سيدنا إسماعيل عليه الصلاة والسلام. وليصبح بشكل انسيابي بعد
أن كان ذا شكل مضلع.
وقد تم الانتهاء من هذا الترميم في مساء الأربعاء في
21 \ 10 \ 1418هـ , ونسأل الله أن يتقبل ذلك من خادم الحرمين الشريفين
أحسن قبول.
صورة توضح الصندوق الحديدي المغطى لمقام سيدنا إبراهيم عليه السلام
والذي كان قبل الهيكل القديم الذي تم تركيبه في عام 1387 هـ الموافق 1967م
صورة توضح مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام
بعد تركيب سطح القاعدة الرخامية الجديدة للمقام
صورة توضح مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام بالخلفية الفضية السطحية والجانبية الملبسة به
وذلك أثناء بناء القاعدة الخرسانية المحيطة بالمقام لتركيب الهيكل القديم عليه عام 1387 هـ الموافق 1967م
صورة توضح جزءا من الحلية الفضية المحيط بحجر مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام من الأعلى
ويظهر في الصورة بداية آية الكرسي كما يظهر بعض النقش
صور توضح تركيب الحزام النحاسي - بعد طليه بالذهب - المثبت لقاعدة القبة الكرستالية
المغطية لمقام سيدنا إبراهيم عليه السلام
صورة توضح القاعدة النحاسي للقبة الكرستالية المغطية لمقام سيدنا إبراهيم عليه السلام
داخل الهيكل ويظهر في الصورة مفتاح الكعبة داخل المخمل الأخضر
صورة جانبية كاملة لهيكل مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام
القديم مع القاعدة الجرانتية القديمة
صور جانبية كاملة لهيكل مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام الجديد
مع القاعدة الرخامية الجديدة بعد الانتهاء تماما من تركيب الهيكل الجديد
صورة توضح الكعبة المشرفة مع هيكل مقام سيدنا إبراهيم الجديدة بالقاعدة الرخامية الجديدة
بعد إزالة الحاجز الخشبي المحيط بالمقام والانتهاء تماما من عملية التركيب