الحجر الأسود تاريخ وأحـكام
الحجر
الأسود أشرف حجر على وجه الأرض ، وهو أشرف أجزاء البيت الحرام ، ولذا شرع
تقبيله واستلامه ، ووضع الخد والجبهة عليه ، وموضعه جهة الشرق من الركن
اليماني الثاني الذي هو في الجنوب الشرقي وارتفاعه من أرض المطاف متر واحد
ونصف المتر ولا يمكن وصفه الآن لأن الذي يظهر منه في زماننا ونستلمه
ونقبله إنما هو ثماني قطع صغيرة مختلفة الحجم أكبرها بقدر التمرة الواحدة
، وأما بقيته فداخل في بناء الكعبة المشرفة ، ويروى أن القطع تبلغ خمس
عشرة قطعة إلا أن القطع السبع الأخرى مغطاة بالمعجون الذي يراه كل مستلم
للحجر وهو خليط من الشمع والمسك والعنبر موضوع على رأس الحجر
أما
طوله فقد رآه محمد بن نافع الخزاعي يوم اقتلعه القرامطة في القرن الرابع
الهجري ورأى السواد في رأسه فقط وسائره أبيض وطوله قدر ذراع ، وأول من طوق
الحجر الأسود بالفضة عبد الله بن الزبير صوناً له وتتابع من بعده الخلفاء
والأغنياء وكان آخر من أهداه إطاراً قبل الدولة السعودية السلطان محمد
رشاد خان سنة 1331هـ وكان من الفضة الخالصة ، وقد أصلح الملك عبد العزيز
آل سعود من هذا الطوق ثم في عام 1375هـ بدل الملك سعود يرحمه الله الإطار
السابق بآخر من الفضة الخالصة
وقد مرّ على الحجر الأسود حوادث كثيرة
أولها ما ذكره ابن إسحاق أنه عندما أخرجت جرهم من مكة خرج عمرو بن الحارث
بن مضاض الجرهمي بغزالي الكعبة والحجر فدفنها في زمزم وانطلق ، غير أنّ
امرأة من خزاعة شاهدت عملية الدفن فأخبرت قومها فأعادوه إلى مكانه ،
وفي
الجاهلية أيضا كان خويلد أبو خديجة أم المؤمنين رضي الله عنه واحداً من
رجالات قريش الذين سجّل التاريخ لهم مآثر في مكّة المكرّمة من أعظمها
مأثرة الدفاع عن الكعبة يوم هاجمها تبع ، وأراد أن يحمل الحجر الأسود إلى
اليمن .. لقد قاد خويلد جماعة من رجالات قريش ، ونازع تبعاً ليصدّه عن أخذ
الحجر الأسود ، ونقله من مكانه في الكعبة المكرّمة ، فحال الله دون ما
أراد تبع ، ولم يقدر على ما أراد .قال ابن الأثير : « وهو ـ خويلد ـ الذي
نازع تبعاً حين أراد أخذ الحجر الأسود إلى اليمن ، فقام في ذلك الوقت
خويلد ، وقام معه جماعة من قريش ، ثمّ رأى تبع في منامه ما روّعه ، فنزع
عن ذلك ، وترك الحجر الأسود في مكانه »
وفي حياة الرسول صلى الله
عليه وسلم وقبل مبعثه الشريف أصاب الكعبة حريق صدّعَ بنيانها، وأوهن
حجارتها، فحارت قريش في أمرها، وترددوا في هدمها، حتى تقدم الوليد بن
المغيرة فاقتلع أول حجر منها، وشارك النبي صلى الله عليه وسلم وهو شاب في
نقل حجارتها مع الناقلين من بني هاشم، وهو الذي وضع الحجر الأسود في
مكانه، فاستقر ببركة جهوده، بعد أن اختلف الناس واحتكموا إلى أول داخل
للبيت، فكان هو صلى الله عليه وسلم أول داخل للكعبة ، فاتفقوا على تحكيمه
في قصة مشهورة ترويها كتب السيرة الشريفة.
ولم يعتر الحجر الأسود نقل
أو تغييب من عهد قصي إلى بناء عبد الله بن الزبير وهو أول من ربط الحجر
الأسود بالفضة عندما تصدع من الأحداث التي جرت عام (64 هـ) حيث احترقت
الكعبة بسبب الحرب بين ابن الزبير الذي تحصَّن داخلها ، وقائد يزيد -
الحصين بن النمير- الذي رمى الكعبة بالمنجنيق ، وتطايرت النار وأحرقتها،
وتكررت الفعلة سنة (73 هـ) على يد الحَجّاج ، ثم أضاف إليه الخليفة
العباسي هارون الرشيد تنقيبه بالماس وأفرغ عليه الفضة
ولعل أفظع ما
مرّ على الحجر الأسود حادثة القرامطة الذين أخذوا الحجر وغيبوه 22 سنة ،
وردّ إلى موضعه سنة 339 هـ ، فلقد غزى أبو طاهر القرمطي القطيف واحتلها
واحتل مكة المكرمة وانتهب الحجر الأسود 317هـ وفي 318هـ تقريبا سن الحج
إلى الجش بالأحساء بوضع الحجر الأسود في بيت كبير في قرية الجش وأمر
القرامطة سكان منطقة القطيف بالحج إلى ذلك المكان ، ولكن الأهالي رفظوا
تلك الأوامر ، فقتل القرامطة أناساً كثيرين من أهل القطيف ولا زالت بعض
آثار ذلك البناء باقية وهي عين الجعبة ( الكعبة) وفي ذلك يقول شاعرها
المعاصر
ولو لم تكن من رياض الخلود *** لما زارها الحجر الأسود
ويقال أن أبا طاهر نقل الحجر الأسود إلى الكوفة خلال عام 330 هـ ولكنه أعيد ثانية إلى الأحساء
قال
ابن كثير : وفي سنة تسع وثلاثين وثلثمائة في هذه السنة المباركة في ذي
القعدة منها رد الحجر الأسود المكي إلى مكانه في البيت ، وقد بذل لهم ( أي
القرامطة ) الأمير بجكم التركي خمسين ألف دينار على أن يردوه إلى موضعه
فلم يفعلوا ، ثم أرسلوه إلى مكة بغير شيء على قعود فوصل في ذي القعدة من
هذه السنة ولله الحمد والمنة وكان مدة مغايبته عندهم ثنتين وعشرين سنة
ففرح المسلمون لذلك فرحا شديدا )
وقد وقع حادث على الحجر الأسود في
آخر شهر محرم عام1351 هـ عندما اقتلعت قطعة من الحجر الأسود وعمل
الأخصائيون مركبا كيماويا وأضيف إليه المسك والعنبر وبعد أن تم تركيب
المركب الكيماوي أخذ الملك عبد العزيز رحمه الله قطعة الحجر بيده ووضعها
في محلها تيمناً .
• الحجر الأسود في ظلال السنة
قال
صلى الله عليه وسلم ( الحجر الأسود من حجارة الجنة ) (1) ( نزل الحجر
الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم ) (2) ( إن
الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله تعالى نورهما ولو لم يطمس
نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب ) (3) يعني بالركن ههنا : الحجر
الأسود ، وسمي ركنا لأنه مبني في الركن ( إن مسح الحجر الأسود والركن
اليماني يحطان الخطايا حطا ) (4) ( لولا ما مس الحجر من أنجاس الجاهلية ما
مسه ذو عاهة إلا شفي وما على الأرض شيء من الجنة غيره ) (5) ( ليأتين هذا
الحجر يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد على من استلمه
بحق ) (6)
الحجر الأسود وفقه العبادات ( الحج )
1- الطواف
والطواف
ركن من أركان الحج في جميع المذاهب ( طواف الإفاضة ) وفي العمرة كذلك (
طواف الركن )، وبدء الطواف يكون من الحجر الأسود ، فعن جابر بن عبد الله
رضي الله عنه قال [ خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حتى
إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشي أربعا .. ] (7)
قال
الشوكاني : فيه دليل على أنه يستحب أن يكون ابتدأ الطواف من الحجر الأسود
بعد استلامه وحكي في البحر عن الشافعي والإمام يحيى : أن ابتداء الطواف من
الحجر الأسود فرض (8) وقال ابن رشد صاحب بداية المجتهد : والجمهور مجمعون
على أن صفة كل طواف واجبا كان أو غير واجب ، أن يبتدئ من الحجر الأسود ..
(9) فإن ابتدأ من غيره لم يعتد بما فعله حتى يصل إلى الحجر الأسود فإذا
وصله كان ذلك أول طوافه
2- الطواف من الحجر إلى الحجر
عن
ابن عمر رضي الله عنه قال [ رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر
إلى الحجر ثلاثا ومشى أربعا ] (10) وجاء في كيفية الطواف : أن يدور الحاج
( أو المعتمر ، أو الطائف ) حول الكعبة بنية الطواف ، سبع مرات ، يبدأ كل
شوط من الحجر الأسود ، محاذيا له بجميع البدن ، ويختمه بالحجر جاعلا
الكعبة عن يساره ، خارجا بجميع بدنه عن حجر إسماعيل عليه السلام ، وعن
الشاذروان ( وهو بناء مسنم قدر ثلثي ذراع خارج عن عرض جدار الكعبة
قال
الإمام النووي (11) في كيفية الطواف أن يحاذي بجميع بدنه على جميع الحجر ،
وذلك بأن يستقبل البيت ، ويقف على جانب الحجر الذي إلى جهة الركن اليماني
، بحيث يصير جميع الحجر عن يمينه ، ويصير منكبه الأيمن عند طرف الحجر ، ثم
ينوي الطواف لله تعالى ، ثم يمشي مستقبلا الحجر ، مارا إلى جهة يمينه حتى
يجاوز الحجر ، فإذا جاوزه انفتل وجعل يساره البيت ، ويمينه إلى خارج ، ولو
فعل هذا من الأول وترك استقبال الحجر جاز ... ثم المرور بجميع الأركان ،
ثم يمر منه إلى الحجر الأسود ، فيصل إلى الموضع الذي بدأ منه ، فيكمل له
حينئذ طوفة واحدة ... وهكذا يفعل سبعا
ثم قال : وينبغي أن ينتبه هنا
لدقيقة ، وهي : أن من قبّل الحجر الأسود فرأسه في حد التقبيل في جزء من
البيت ، فيلزمه أن يقر قدميه في موضعهما حتى يفرغ من التقبيل ويعتدل قائما
، لأنه لو زالت قدماه من موضعهما إلى جهة الباب قليلا ، ولو قدر بعض شبر
في حالة تقبيله ، ثم لما فرغ من التقبيل اعتدل عليهما ، في الموضع التي
زالتا إليه ، ومضى من هناك في طوافه ، لكان قد قطع جزءا من مطافه وبدنه في
هواء الشاذروان ، فتبطل طوفته تلك (12) وهذا خطأ شائع يقع فيه الطائفون ،
دون أن ينتبهوا لذلك . والله أعلم . وفي المغني قولان يجزئه ولا يجزئه
(13) .
3- استلام الحجر باليد وتقبيله
عن
عابس بن ربيعة رحمه الله ، قال : رأيت عمر يقبل الحجر ، ويقول : إني لأعلم
أنك حجر ما تنفع ولا تضر ، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقبلك ما قبلتك ". أخرجه الجماعة (14). وزاد مسلم والنسائي في إحداهما :
ولكن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفيا " ولم يقل :" رأيت رسول
الله يقبلك " ومعنى ( حفيا ): أي شديد السرور في غاية اللطف والاعتناء
وبارا به .
ويستحب أن يخفف القبلة بحيث لا يظهر لها صوت ويقول عند الاستلام [ باسم الله والله أكبر ]
4- السجود على الحجر بعد تقبيله
لما
رواه البيهقي عن ابن عباس [ أنه قبله وسجد عليه وقال : رأيت عمر بن الخطاب
رضي الله عنه قبله وسجد عليه ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فعل هكذا ففعلت ] (15)
5- الاستلام في الزحام
عن
عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال : طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة
الوداع على بعير ، يستلم الركن بمحجن". هذه رواية البخاري ومسلم وأبي داود
والنسائي (16) وفي أخرى للبخاري والنسائي والترمذي قال : طاف النبي صلى
الله عليه وسلم بالبيت على بعير ، كلما أتى على الركن أشار إليه ". زاد
البخاري في رواية أخرى " بشيء كان في يده وكبر ". وفي أخرى لأبي داود : أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة ـ وهو يشتكي ـ فطاف على راحلته ،
كلما أتى على الركن استلمه بمحجن ، فلما فرغ من طوافه أناخ ، وصلى ركعتين
".
وعن نافع رحمه الله قال : رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده ، ثم قبّل
يده ، وقال : ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله (17)
وهذا محمول على تعذر تقبيل الحجر
وعن أبي الطفيل رضي الله عنه قال :
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف على راحلته يستلم الركن بمحجنه ،
ويقبل طرف المحجن ، ثم خرج إلى الصفا ، فطاف سبعا على راحلته (18).
قال
في الفتح : قال الجمهور : إن السنة أن يستلم الركن ويقبل يده ، فإن لم
يستطع أن يستلمه بيده استلمه بشيء في يده وقبل ذلك الشيء فإن لم يستطع
أشار إليه واكتفى بذلك (19). إذا لم يستطع تقبيله لا بفمه ولا بمحجن ولا
بيده . لكنه استطاع أن يرمي طرف إحرامه على الحجر فهل يصح ذلك ؟ الجواب :
نعم يفعل ذلك فقد صح عن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان يمس الحجر بثوبه
ويقبله روى ذلك عبد الرزاق في مصنفه بإسناد صحيح .
6- هل يُستلم ويُقبل غيرُ الركن الأسود ؟
جاء
عن ابن عمر رضي الله عنه قال : لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يمس من
الأركان إلا اليمانيين (20) ( وهما الركن الأسود والركن اليماني ) وإنما
اقتصر صلى الله عليه وسلم على استلام اليمانيين لما ثبت في الصحيحين من
قول ابن عمر أنهما على قواعد إبراهيم دون الشاميين ، فعلى هذا يكون للركن
الأول من الأركان الأربعة فضيلتان ؛ كونه الحجر الأسود ، وكونه على قواعد
إبراهيم ، وللثاني الثانية فقط ، وليس للآخرين أعني الشاميين شيء منها ،
فلذلك يقبل الأول ويستلم الثاني فقط ولا يقبل الآخران ولا يستلمان على رأي
الجمهور (21) .
7- الزحام على الحجر
ذكر
الماوردي (22) الاختلاف في الزحام على الحجر ،فقال : واختلف في الزحام
لاستلام الحجر ، فقيل : ينتظر حتى يخف الزحام ، وإن علم أن الزحام لا يخف
، ترك الاستلام ، ولم يزاحم الناس ، وأشار إليه رافعا ليده . وقال النووي
(23):" ويستحب أن يستقبل الحجر الأسود ويدنو منه ، بشرط أن لا يؤذي أحدا
بالمزاحمة ، فيستلمه ، ثم يقبله من غير صوت يظهر في القبلة ،ويسجد عليه ،
ويكرر التقبيل والسجود عليه ثلاثا ، ثم يبتدئ الطواف ".
وحكي عن طائفة
أن الزحام عليه أفضل كفعل ابن عمر رضي الله عنه (24) ويروى أن عبيد بن
عمير قال لابن عمر : إني أراك تزاحم على هذين الركنين فقال : إني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن استلامهما يحط الخطايا حطا (25)
والدلالة
على أن الزحام مكروه : رواية سعيد بن المسيب ، عن عمر بن الخطاب رضي الله
عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك رجل قوي لا تؤذي الضعيف ،
فإذا أردت أن تستلم الحجر ، فإن كان خاليا فاستلمه ، وإلا فاستقبله
وكبر(26) وروى الأزرقي (27) أخبرني عطاء أنه سمع ابن عباس يقول : إذا وجدت
على الركن زحاما فلا تؤذ ولا تؤذى ، لا تؤذ مسلما ولا يؤذيك ، إن رأيت منه
خلوة ، فقبله ، أو استلمه ، وإلا فامض .
وعن عروة بن الزبير رضي الله
عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن عوف :" كيف صنعت يا أبا
محمد في استلام الركن ؟" قال استلمت وتركت . فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم أصبت " (28).قال الإمام الشافعي رحمه الله : وأحسب أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال لعبد الرحمن أصبت أنه وصف له أنه استلم في غير زحام ، وترك
في زحام (29).
وجاء في حاشية المغني والشرح الكبير (30) تعليق مقابل
حديث ابن عمر السابق :" إيذاء الناس محرم ، واستلام الحجر مستحب ، فمن
الجهل الفاضح ما يجري دائما في وقت الزحام من إيذاء الأقوياء للضعفاء
وضغطهم للنساء لأجل استلام الحجر فالرجل يرتكب عدة معاص لأجل مستحب واحد ".
أما
النساء فلا يختار لهن الاستلام ولا التقبيل ، إذا حاذين الحجر أشرن إليه ،
وقد روى عطاء أن امرأة طافت مع عائشة رضي الله عنه فلما جاءت الركن قالت
المرأة : يا أم المؤمنين ألا تستلمين ؟ فقالت عائشة رضي الله عنها : وما
للنساء واستلام الركن امض عني . وأنكرت عائشة ذلك على مولاة لها . فإن
أرادت المرأة تقبيل الحجر فعلت ذلك في الليل عند خلو الطواف (31).
8- ختم الطواف
ويختم
الطواف باستلام الحجر .ثم صلاة ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام ثم
يعود إلى الحجر فيستلمه لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى
ركعتين عاد إلى الحجر ، والأصل أن كل طواف بعده سعي يعود إلى الحجر لأن
الطواف لما كان يفتتح بالاستلام ، فكذا السعي يفتتح به بخلاف ما إذا لم
يكن بعده سعي .
عن نافع قال كان ابن عمر إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن
التلبية فإذا انتهى إلى ذي طوى بات فيه حتى يصبح ثم يصلي الغداة ويغتسل
ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله ثم يدخل مكة ضحى فيأتي
البيت فيستلم الحجر ويقول ( بسم الله والله أكبر ) ثم يرمل ثلاثة أطواف
يمشي ما بين الركنين فإذا أتى على الحجر استلمه وكبر أربعة أطواف مشيا ثم
يأتي المقام فيصلي ركعتين ثم يرجع إلى الحجر فيستلمه ثم يخرج إلى الصفا من
الباب الأعظم فيقوم عليه فيكبر سبع مرار ثلاثا يكبر ثم يقول لا إله إلا
الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (32)
• هل المسلمون يعبدون الحجر الأسود
اشتهرت
مقولة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه في تقبيله للحجر الأسود " لولا
أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ، ما قبلتك " من حديث أخرجه
الجماعة .
قال الحافظ ابن حجر : قال الطبري : إنما قال ذلك عمر ، لأن
الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام ، فخشي عمر أن يظن الجهال أن استلام
الحجر تعظيم بعض الأحجار ، كما كانت العرب تفعل في الجاهلية ، فأراد عمر
أن يعلم الناس أن استلامه إتباع لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا
لأن الحجر يضر وينفع بذاته ، كما كانت تعتقده في الأوثان .
وقال الحافظ
: وفي قول عمر هذا التسليم للشارع في أمور الدين ، وحسن الاتباع فيما لم
يكشف عن معانيها ، وهو قاعدة عظيمة في إتباع النبي صلى الله عليه وسلم
فيما يفعله ، ولو لم يعلم الحكمة فيه ، وفيه دفع ما وقع لبعض الجهال من أن
في الحجر الأسود خاصة ترجع إلى ذاته ، وفيه بيان السنن بالقول والفعل ،
وأن الإمام إذا خشي على أحد من فعله فساد اعتقاد ، أن يبادر إلى بيان
الأمور ويوضح ذلك (33) .
من هنا يظهر أن تقبيل الحجر الأسود ليس على
سبيل التعظيم ، وإنّما هو على سبيل الحبّ ، كما يُقَبِّل أحدُنا أولادَه و
زوجتَه . فلو كان التقبيل دليلاً على التعظيم ،لاستلزم أن الجميع يعبد
زوجته . ومن الواضح أنّ ذلك غير معقول ؛ فعُلِمَ أن التقبيل لا يستلزم
العبادة والتعظيم ؛ فقد يكون مصدره الحبّ .
وقد أبان هذه الحقيقةَ
سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه على رؤوس الأشهاد ؛ فعندما أراد أن يقبل
الحجر الأسود لدى الطواف ، قال على مرأى من الأعراب ما معناه : إني أعلم
أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقبلك ما قبلتك ؛ فلو كان الحجر معبودًا ، لما قال له عمر رضي الله : إنك
لا تضر ولا تنفع ؛ فعُلِمَ أن الدافع إلى تقبيله هو الحبّ
------------
الهوامش والمصادر
(1)
(سمويه) عن أنس (صحيح) حديث رقم: 3175 في صحيح الجامع (2) رواه الترمذي عن
ابن عباس. (صحيح) حديث رقم: 6756 في صحيح الجامع (3) رواه أحمد والترمذي
عن ابن عمرو (صحيح) حديث رقم: 1633 في صحيح الجامع (4) رواه أحمد عن ابن
عمر (صحيح) حديث رقم: 2194 في صحيح الجامع (5) سنن البيهقي عن ابن عمرو
(صحيح) حديث رقم: 5334 في صحيح الجامع (6) رواه ابن ماجة عن ابن عباس
(صحيح) حديث رقم: 5346 في صحيح الجامع (7) رواه مسلم برقم 1218
(8) نيل
الأوطار للشوكاني 5/117 (9) بداية المجتهد ونهاية المقتصد محمد بن رشد
القرطبي 1/340 (10) رواه مسلم ــ كتاب الحج برقم 2213 (11) كتاب متن
الإيضاح في المناسك ص68 (12) متن الإيضاح ص74 (13) المغني لابن قدامة
والشرح الكبير للمقدسي 3/384 ـ 385 (14) البخاري 3/369 في الحج : باب ما
ذكر في الحجر الأسود ، وباب الرمل في الحج والعمرة ، وباب تقبيل الحجر ،
وأخرجه مسلم رقم (1270) في الحج : باب استحباب تقبيل الحجر الأسود ،
والموطأ 1/367 في الحج : باب تقبيل الركن الأسود في الاستلام ، والترمذي
رقم (860) في الحج : باب ما جاء في تقبيل الحجر ، وأبو داود رقم (1873) في
المناسك : باب تقبيل الحجر ، والنسائي 5/227 في الحج : باب تقبيل الحجر ،
وابن ماجه رقم (2943) في المناسك : باب استلام الحجر ، والدارمي 1/52، 53
في المناسك : باب في تقبيل الحجر الأسود ، وأحمد في المسند 1/21، 26، 34،
35، 39، 46، 51، 53، 54، وابن الجارود في المنتقى رقم (452)، والبيهقي في
السنن الكبرى 5/74 ، وفي الباب من حديث عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر
وعبد الله ابن سرجس .
(15) قال الألباني في إرواء الغليل 4/310 صحيح
(16) البخاري 3/378 في الحج : باب استلام الركن بالمحجن ، وباب من أشار
إلى الركن إذا أتى عليه ، وباب التكبير عند الركن ، وباب المريض يطوف
راكبا ، وفي الطلاق : باب الإشارة في الطلاق ولأمور ، وأخرجه مسلم رقم
(1272) في الحج : باب جواز الطواف على بعير غيره واستلام الحجر بالمحجن ،
وأبو داود رقم (1877) في المناسك : باب الطواف بالواجب ، والنسائي 5/233
في الحج : باب استلام الركن بالمحجن ، والترمذي رقم (865) في الحج : باب
ما جاء في الطواف راكبا ، وابن ماجه رقم (2948) في المناسك : باب من استلم
الركن بمحجن ، وأحمد في المسند 1/214، 237، 248، 304 ، وابن الجارود في
المنتقى رقم (463) (17) رواه مسلم ــ كتاب الحج برقم 2226
(18) أخرجه
ابن ماجه في سننه : كتاب المناسك ، باب من استلم الركن بمحجنه 2/983 رقم
(2949) وابن الجارود في المنتقى رقم (464) . (19) نيل الأوطار للشوكاني
5/115 (20) رواه الجماعة إلا الترمذي لكن له معناه من رواية ابن عباس (21)
نيل الأوطار للشوكاني 5/116 (22) الحاوي الكبير للمارودي 5/178
(23)
كتاب متن الإيضاح في المناسك ص68 . (24) الحاوي الكبير 5/178 بتصرف (25)
أخرجه البيهقي 5/81 ، وفي الأم للشافعي 2/172 . (26) الأثر عن عمر أخرجه
البيهقي 5/81 ، وعبد الرزاق ص8907 . (27) أخبار مكة للأزرقي ص334 (28)
أخرجه مالك في الموطأ 1/366 في الحج : باب الاستلام في الطواف، ومن طريقه
الطبراني في الكبير 1/127 رقم (257) . وأخرجه البيهقي في الكبرى 5/80 .
وهو مرسل فإن عروة بن الزبير لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم .
قال
الزرقاني في شرح الموطأ : وقد أخرجه ابن عبد البر موصولا من طريق سفيان
الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عوف .
وأخرجه البرتي في مسند عبد الرحمن بن عوف (31، 32) ومن طريقه الحاكم في
المستدرك 3/306 (29) البيهقي في الكبرى 5/80 (30) المغني ـ لابن قدامة
المقدسي 3/384
(31) الحاوي الكبير للماوردي 5/178 (32) حديث صحيح رواه
أحمد في المسند ( مسند المكثرين من الصحابة ) برقم 4400 (33) فتح الباري
3/370