مناسك الحج
من
ضروب التصنيف الفروعي التي اهتم بها الفقهاء المالكية إفرادهم بعض الكتب
والأبواب الفقهية بتآليف مستقلة، وإن كانت تلك الكتب والأبواب من ضمن ما
تناولوه في مصنفاتهم الموسعة، وكتاب »مناسك الحج« للشيخ أبي المودة خليل
بن إسحاق بن موسى الجُندي المصري، المشهور بالشيخ خليل، صاحب المختصر
المشهور (ت776هـ)، من أهم الكتب المفردة في أحكام شعيرة الحج التي هي أحد
أركان الإسلام الخمسة، وتكمن أهمية هذا الكتاب في مكانة وَاضِعِه، فالشيخ
خليل من أئمة المذهب البارزين الذين اشتهروا بمصنفاتهم المحررة والمدققة،
بل هو حاملُ لوائه في عصره، ويكفي في بيان مكانته أن مختصره الفقهي يعد من
الكتب المنتشرة والمشهورة بعد كتب: الموطأ، والمدونة، والرسالة، كما أنه –
رحمه الله – كان معروفا بالورع والعفة، والنزاهة والأمانة، وتأتي أهميته
أيضا في استيعابه مع اختصاره، وجمال وضعه، ودقة ترتيبه، وكثرة فوائده،
وجودة إضافاته.
وقد أوضح الشيخ خليل في ديباجة مَنْسَكِه السبب الذي دفعه إلى تأليفه
فقال: »فقد سألني جماعة منسكا، فأجبت سؤالهم«، وجاءت مواد الكتاب موزعة
فيه على سبعة أبواب؛ الأول: في فضل الحج، ووجوبه، وآداب السفر، ومواقيت
الحج، وحِكم الأفعال الواقعة فيه، والثاني: في الإحرام، ومسنوناته،
وأوجهه، وممنوعاته، والثالث: في دخول مكة، وأفعال الحج من أوله إلى آخره،
وبيان أركانه، وسننه، ومستحباته، وحج الصبي والعبد، والرابع: في لواحق
الحج؛ موانعه، والإجارة عليه، وأحكام العمرة، وطواف الوداع، والخامس: في
المُقام بمكة، وما يتعلق بها، والحرم، والمسجد الحرام، والبيت وما يتعلق
بذلك، والسادس: في زيارة النبي صلى الله عليه وسلم، والسابع: في زيارة بيت
المقدس، والخليل عليه السلام. وتجدر الإشارة إلى أن الكتاب ضم في ثناياه
تنبيهات مهمة على كثير من الأمور المحظورة التي يقع فيها الحُجَّاج.
وهكذا أَلَم الشيخ خليل بأحكام الحج وآدابه، والتي خطّها فيه وفق ترتيب
محكمٍ بديع ، حيث جعل كل باب من أبوابه المذكورة ينتظم في فصول، وأحيانا
تترتب تحت الفصول تفريعات ومسائل، كما اختار أن تكون لغته سهلة مرنة، مما
يجعل مؤلَّفه في المتناول، والكتاب غنيٌّ بذكر الآيات القرآنية، والأحاديث
النبوية، وكذا بعض الأقوال المأثورة عن السلف الصالح، فضلا عن أقوال كبار
فقهاء المذهب، وأقوال غيرهم من أرباب المذاهب الأخرى، وقد سلك في توثيق كل
هذا ونِسبته مسلكا حسنا في الغالب؛ فتجده ينصّ على مُخَرِّج الحديث، ويذكر
أحيانا درجته إن لم يكن مُخَرَّجاً في الصحيح، ويعزو الأقوال إلى أصحابها
خاصة عندما يتعلق الأمر بأقوال أئمة المذهب، وهو وإن كان قصد في كتابه ذكر
الأَهَمِّ والمشهور فإنه ينص أيضا على الخلاف، وله اهتمام ببيان بعض
الألفاظ اللغوية الغريبة، والاصطلاحات الفقهية المشكلة.
واستقى المؤلِّف مواد كتابه من التآليف العامة التي تطرقت لأحكام الحج
مع غيرها، ومن تلك التي خصّت الموضوع بالبحث، فمن مصادره العامة:
الصحيحان، وسنن الترمذي، والموطأ، والكتب الأمهات في الفقه المالكي،
والتفريع لابن الجلاب، والتلقين لعبد الوهاب، وبعض كتب ابن أبي زيد
القيرواني، وابن رشد الجَد، والقاضي عياض، والمدخل لأبي عبد الله ابن
الحاج، وكتب المؤلف نفسه: التوضيح، والمختصر، وغيرها.
ومن الكتب الخاصة: مناسك ابن أبي زيد، ومناسك ابن القابسي، ومناسك ابن
الحاج، المسمى »المنهاج في بيان مناسك الحاج«، ومناسك شرف الدين النووي
الشافعي المسمى »الإيضاح في المناسك«، وغيرها أيضا.
وعلى غرار كُتب الشيخ خليل نَالَ كتابه »المناسك« قبول العلماء
واستحسانهم، فنقلوا منه، واعتمدوا ما فيه من أقوال، كما خدموه وتعهدوه،
ولعلّ أبزر من اعتنى به الإمام أبو عبدالله محمد بن محمد بن عبدالله،
الشهير بالحطّاب (954هـ)، فقد أكثر عنه النقل في كتابه الحافل »مواهب
الجليل«، وله عليه حاشية شرح فيه مشكله، كما أكثر عنه أبو عبدالله محمد بن
يوسف، المعروف بالمواق (ت897هـ) في كتابه »التاج والإكليل«، وممن صرّح
بالنقل عنه: أبو عبد الله محمد بن عبدالله الخِرَشِي (ت1102هـ) في شرحه
على المختصر الخليلي، وأبو العباس أحمد بن غنيم النفراوي (ت1125هـ) في
»الفواكه الدواني«، وأبو الحسن علي بن أحمد العدوي الصعيدي
المالكي(ت1189هـ) في »كفاية الطالب الرباني«، وأبو عبد الله محمد بن أحمد
بن محمد عليش الطرابلسي (ت1299هـ) في »منح الجليل«، وصالح بن عبد السميع
الآبي الأزهري (ت1335هـ) في »الثمر الداني«.
صدر »كتاب مناسك الحج« في مجلد متوسط عن مركز الدراسات والأبحاث وإحياء
التراث، بالرابطة المحمدية للعلماء، المملكة المغربية، الطبعة الأولى:
1428هـ/2007م، تقديم وتحقيق الدكتور الناجي لمين، وله طبعة قديمة صدرت سنة
1369هـ .