معنى التفويض وخطره على عقيدة أهل السنة
الســلام عليكــم
إنَّ الحمد لله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونعـــــــــــــوذُ باللهِ من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا
من يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما
فإنَّه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً ...
أهلا وسهلا بكل أعضاء و زوار المنتدى الحديث والسيرة
ما هو معني التفويض :
أولاً : التفويض في اللغة : قال ابن فارس : الفاء والواو والضاد ، أصل صحيح يدل على اتكال في الأمر على آخر ، ورده عليه .
ومنه قوله تعالى (( وأفوض أمري إلى الله )) [ غافر آية / 44 ] .
يقال : فوّض إليه الأمر ، إذا صيره إليه ، وجعله حاكماً فيه .
ثانياً : معنى التفويض في الاصطلاح :
هو رد العلم بالصفات إلى علم الله بها إما معنىً أو كيفية ، وهو على هذا نوعان هما :
أولاً
: تفويض العلم بحقيقة الصفات وماهيتها إلى رب العالمين ، وهذا أصل من أصول
السلف الصالح ، فهم يفوضون الكيفية دون المعنى ، وإن لم يجر على اصطلاحهم
تسميته تفويضاً .
ثانياً : تفويض العلم بمعاني الصفات لله تعالى وهو
المبتدع في الشرع أي تفويض المعنى والكيفية ، فيقال : الله أعلم بمراده وهو
الذي عليه أهل الكلام .
مثال ذلك : إذا عارض قواعد أهل الكلام نص شرعي ،
ولم يقدروا على تأويله وصرفه عن معناه الحق ، فوضوا معناه إلى الله تعالى ،
وقالوا : إن معناه لا يعلمه إلا الله ، مع اعتقادهم أن ما يفهم من ظاهر
النص غير مراد .
قال الخطابي عن حديث النزول : مذهب علماء السلف وأئمة
الفقهاء أن يجروا مثل هذه الأحاديث على ظاهرها وأن لا يريغوا لها المعاني
ولا يتأولوها ، لعلمهم بقصور علمهم عن دركها .
شبهة أهل التفويض :
استدلوا
بما ورد عن السلف تجاه نصوص الوحي من التسليم والإذعان وعدم التكلف ،
والبعد عن الكلام المذموم ، ونظراً لما في قلوبهم من الشبهات وجدوا في
عبارات بعض السلف عن نصوص الوحي فرجاً لهم ، ففهموا منها معنى غير مراد ،
وأراد قائلها بها حقاً ، وأرادوا بها باطلاً .
من ذلك ما ورد عن جمع من
السلف لما سئلوا عن الأحاديث التي فيها الرؤية فقالوا : " أمروها بلا كيف
"، وفي رواية " أمروها كما جاءت بلا كيف " إلى غيرها من النصوص .
والجواب
: أن هذه العبارة المحكمة " أمروها كما جاءت بلا كيف " المروية عن جمع من
الأئمة جارية على سنن السلف تجاه نصوص الصفات ، وهي تتضمن الرد على طوائف
من أهل البدع كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " فقولهم رضي الله
عنهم : " أمرها كما جاءت " رد على المعطلة ، وقولهم " بلا كيف " رد على
الممثلة .
وقال ابن القيم رحمه الله : " ومراد السلف بقولهم بلا كيف هو
نفي التأويل ، فإنه التكييف الذي يزعمه أهل التأويل ، فإنهم هم الذين
يثبتون كيفية تخالف الحقيقة .
والمقصود إبقاء دلالتها على ما هي عليه ،
فإنها ألفاظ جاءت دالة على معان ، فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن
يقال : أمروها ، مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد ، أو أمروا ألفاظها مع
اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة .
الرد على أهل التفويض وبيان لوازمه الفاسدة :
أولاً : إن أعظم جناية لهذا المسلك أن ينسب هذا المذهب إلى سلف الأمة وخيارها ، وأن يقال إن التفويض هو منهج أهل السنة .
ثانياً
: أن القول بالتفويض قدح في حكمة الرب تبارك وتعالى ، وفي القرآن الكريم ،
وفي الرسول صلى الله عليه وسلم ، وذلك بأن يكون الله تعالى أنزل كلاماً لا
يفهم ، وأمر بتدبر ما لا يتدبر ، وأن يكون القرآن الذي هو النور المبين
والذكر الحكيم سبباً لأنواع الاختلافات والضلالات ، وأن يكون الرسول صلى
الله عليه وسلم لم يبلغ البلاغ المبين ، وبهذا تكون قد فسدت الرسالة وبطلت
الحجة ، وهو الذي لم يتجرأ عليه صناديد الكفر .
ثالثاً : أن القول
بالتفويض وقوع في التعطيل المحض ، لأن إثبات أسماء الله وصفاته يلزم منه
الإيمان بما تدل عليه من معان ، وأهل التفويض على النقيض من ذلك ، آمنوا
بألفاظ مجردة عن المعاني ، فاسمه الرحمن – مثلاً – دال على صفة الرحمة كما
يقوله أهل السنة ، والمفوضة بم يؤمنوا بهذا لعدم علمهم بمعنى كل اسم من
أسمائه على التعيين .
رابعاً : أن أصحاب التفويض وافقوا أهل التأويل في
أن الله أنزل كلاماً يراد به خلاف الظاهر منه ، فنصوص الصفات التوحيد
والقدر ، ألفاظ لا نعقل معانيها ولا ندري ما أراد الله ورسوله منها .
خامساً
: مصادمة دلائل النصوص الشرعية في باب الإثبات ، فإذا كان أحد لا يعلم
معنى النصوص وما تدل عليه ، أصبح الحق متعلقاً بالأدلة العقلية ، والمقدمات
المنطقية التي يقيمونها فيظهر من ذلك أن قول أهل التفويض من شر أقوال أهل
البدع والإلحاد .
سادساً : وفيه تجهيل للأئمة والسابقين من العلماء ،
فأهل التفويض على حد زعمهم في نصوص الصفات " أنها ألفاظ لا تعقل معانيها ،
ولا ندري ما أراد الله ورسوله منها ، ولكن نقرأها ألفاظاً لا معاني لها ،
قد جنوا على السلف الصالح الذين تواترت أقوالهم في إثبات دلالات هذه النصوص
على صفات الله على الوجه اللائق به سبحاته وتعالى .
فمن هذا العرض يظهر
صحة منهج السلف الصالح وسلامة طريقتهم في أسماء الله وصفاته ، فأهل السنة
يثبتون أسماء الله وصفاته على الوجه اللائق به سبحانه تعالى من تعطيل ولا
تمثيل على حد قوله تعالى (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) [ الشورى
آية /11] .
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
في تعليقه على قول شيخ الإسلام رحمه الله في الواسطية : " وهذا من شر أقوال أهل البدع والإلحاد " .
قال الشيخ : وصدق رحمه الله إذا تأملته ، وجدته تكذيباً للقرآن ، وتجهيلاً للرسول صلى الله عليه وسلم ، واستطالة للفلاسفة .
تكذيب
للقرآن ، لأن الله يقول : (( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء )) [
النحل آية / 89] ، وأي بيان في كلمات لا يدرى ما معناها ؟ وهي من أكثر ما
يرد في القرآن ، وأكثر ما ورد في القرآن أسماء الله وصفاته ، إذا كنا لا
ندري ما معناها ، هل يكون القرآن تبياناً لكل شيء ؟ أين البيان ؟ .
إن
هؤلاء يقولون : إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يدري عن معاني القرآن فيما
يتعلق بالأسماء والصفات ! وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام لا يدري
فغيره من باب أولى .
وأعجب من ذلك يقولون : الرسول صلى الله عليه وسلم
يتكلم بالكلام في صفات الله ولا يدري ما معناه ! يقول : ( ربنا الذي في
السماء ) وإذا سئل عن هذا ؟ قال : لا أدري ! وكذلك في قوله : ( ينزل ربنا
إلى السماء الدنيا ) وإذا سئل ما معنى ينزل ربنا ؟ قال : لا أدري ، وعلى
هذا فقس .
وهل هنالك قدح أعظم من هذا القدح بالرسول صلى الله عليه وسلم ،
بل هذا من أكبر القدح ! رسول من عند الله ليبين للناس وهو لا يدري ما معنى
آيات الصفات وأحاديثها ، وهو يتكلم بالكلام ولا يدري معني ذلك كله !
فهذان وجهان : تكذيب القرآن ، وتجهيل الرسول .
وفيه
فتح الباب للزنادقة الذين تطاولوا على أهل التفويض ، وقالوا : أنتم لا
تعرفون شيئاً بل نحن الذين نعرف ، وأخذوا يفسرون القرآن بغير ما أراد الله ،
وقالوا : كوننا نثبت معاني للنصوص خير من كوننا أميين لا نعرف شيئاً ،
وذهبوا يتكلمون بما يريدون من معنى كلام الله وصفاته !! ولا يستطيع أهل
التفويض أن يردوا عليهم ، لأنهم يقولون : نحن لا نعلم ماذا أراد الله ،
فجائز أن يكون الذي يريد الله هو ما قلتم ! ففتحوا باب شرور عظيمة ، ولهذا
جاءت العبارة الكاذبة : " طريقة السلف أسلم ، وطريقة الخلف أعلم وأحكم " !
يقول شيخ الإسلام رحمه الله : " هذه قالها بعض الأغبياء " .
وهو صحيح أن القائل غبي ، هذه الكلمة من أكذب ما يكون نطقاً ومدلولاً .
المراجع
: معجم مقاييس اللغة / الصحاح / معالم السنن / الحموية / اجتماع الجيوش
الإسلامية / التدمرية / درء تعارض العقل / مختصر الصواعق / شرح العقيدة
الواسطية لابن عثيمين
أهل السنة و الجماعة