الأستاذ لشهب يونس
المدير العام
الجنـسية : المزاج : الـبـلـد : نوع المتصفح : الهواية : المهنة : الجنس : الْمَشِارَكِات : 21381 العمر : 30 تاريخ التسجيل : 01/02/2009 السٌّمعَة : 751 نقاط : 1045453 توقيع المنتدى :
| موضوع: ۩Ξ۩ :: اللغة مصدر لقوة الإبتكار عند جبران خليل جبران :: ۩Ξ۩ الثلاثاء يوليو 12, 2011 7:51 am | |
| ۩Ξ۩ :: اللغة مصدر لقوة الإبتكار عند جبران خليل جبران :: ۩Ξ۩ ۩Ξ۩ :: اللغة مصدر لقوة الإبتكار عند جبران خليل جبران :: ۩Ξ۩ جليل كمال الدين كان جبران شديد التعصب للغة العربية، شديد الاعتزاز بها، ذلك انه كان يرى اللغة مظهرا لقوة الابتكار في مجموع الأمة. وقد قال في جواب له عن سؤال لمجلة (الهلال) المصرية، في العام 1922 (حول مستقبل اللغة العربية) - ان اللغة مظهر من مظاهر قوة الإبتكار في مجموع الأمة، او ذاتها العامة، فاذا هجعت قوة الابتكار توقفت اللغة عن مسيرها، وفي الوقوف التقهقر، وفي التقهقر الموت والإندثار. ويستنتج جبران (الذي تسميه مجلة (الهلال) - نابغة المهجر)، مما قاله انفاً، ان جدلية اللغة والفكر قائمة أبداً، وانه لا يمكن، بحال، تجاهلها او تجاوزها، ويقول في ذلك، نصاً، (اذن، فمستقبل اللغة العربية يتوقف على مستقبل الفكر المبدع، الكائن في مجموع الأمم التي تتكلم اللغة العربية. فان كان ذلك الفكر موجوداً كان مستقبل اللغة عظيماً كماضيها، وان كان غير موجود فمستقبلها سيكون كحاضر شقيقتيها - السريانية والعبرانية. وفات جبران ان اللغتين السريانية والعبرانية قد تطورتا قدماً، بفضل العناية والرعاية السياسية (خصوصاً بالنسبة للعبرانية في (دولة اسرائيل)). ولكن جبران معذور لانه تكلم عن واقع اللغة العبرانية (او العبرية) في الثلث الاول من القرن العشرين، وليس في أيامنا هذه. حسناً... ما هي (قوة الابتكار) التي يشدد عليها جبران ويعدها الاساس في تطور اللغة، اية لغة? ربما كان الأفضل الإستعانة بما يقوله جبران نفسه، جواباً عن مثل هذا السؤال. وما يقوله جبران، هنا، يتسم، عموماً، بمسحة انشائية عامة، لا تحجب، بحال، جوهر ما يرمي اليه، في تلك الحقبة المبكرة عن (عصر النهضة العربية) في الثلث الاول من القرن العشرين الآفل. ولنسمع ما يقوله المنور العربي الكبير، جبران في العام 1922، حيث تنثال عباراته تترى: (هي في الامة عزم دافع الى الامام، هي في قلبها جوع وعطش وشوق الى غير المعروف، وهي في روحها سلسلة احلام تسعى الى تحقيقها ليلاً نهاراً، ولكنها لا تحقق حلقة من أحد طرفيها، الا اضافت الحياة حلقة جديدة في الطرف الآخر. هي في الافراد النبوغ، وفي الجماعة الحماسة، وما النبوغ في الافراد سوى المقدرة على وضع ميول الجماعة الخفية في اشكال ظاهرة محسوسة). ويوضح جبران مقولته هذه في استطراد ينم عن رؤية متبصرة (قياساً الى زمانه)، وحس تاريخي بأبعاد تحليلية، ضارباً الأمثلة، مقدماً الشواهد ذات المصداقية التي يتفهمها اهل عصره وجيله. فهو يقول: (ففي الجاهلية كان الشاعر يتأهب لأن العرب كانوا في حالة التأهب، وكان ينمو ويتمدد ايام المخضرمين لان العرب كانوا في رحلة النمو والتمدد، وكان يتشعب ايام المولدين لان الامة الاسلامية كانت في حالة التشعب. وظل الشاعر يتدرج ويتصاعد ويتلون، فيظهر آناً كفيلسوف، وآونة طبيباً، وأخرى كفلكي، حتى راود النعاس قوة الابتكار في الامة العربية فنامت وبنومها تحول الشعراء الى ناظمين، والفلاسفة الى كلاميين، والاطباء الى دجالين، والفلكيون الى منجمين). هكذا وبهذه المتابعة الأصيلة والاستشراف الرائع، تحدث جبران عن قوة الابتكار ومديات تطورها وتأثيرها في تاريخ الحضارة العربية الاسلامية وفكرها خاصة. ولا يلبث جبران ان يخرج بالإستنتاج التالي، المسوغ كل التسويغ، والمقنع كل الإقناع، فيقول: (اذا صح ما تقدم كان مستقبل اللغة العربية رهن قوة الابتكار في مجموع الأمم التي تتكلمها، فان كان لتلك الأمم ذات خاصة (او وحدة معنوية) وكانت قوة الإبتكار في تلك الذات قد استيقظت بعد نومها الطويل كان مستقبل اللغة العربية عظيماً كماضيها والا فلا).العلاقة بين المدينة واللغةويقف جبران موقفاً شديد الخصوصية تجاه العلاقة بين المدنية الاوروبية والروح الغربية من جهة ومستقبل وتطور اللغة العربية من جهة أخرى. فان جبران ينطلق، هنا، من مفهوم (جبراني) خاص، وهو مفهوم يتسم بسمات بيولوجية - سوسيولوجية - فكرية متميزة. ففي ثنيات حديثه، بهذا الخصوص، يقول: (انما (التأثير) شكل من الطعام تتناوله اللغة من خارجها فتمضغه وتبتلعه وتحول الصالح منه الى كيانها الحي كما تحول الشجرة النور والهواء وعناصر التراب الى افنان فأوراق فأزهار فثمار. ولكن اذا كانت اللغة من دون اضراس تقضم، ولا معدة تهضم، فالطعام يذهب سدى بل ينقلب سماً قاتلاً). ويُكمل هذا الموقف موقفه من (الروح الغربية). فان جبران يرى، محقاً، حياة الانسان موكباً يسير دائماً الى الأمام، يتبادل، في شتى المراحل، التأثير والتأثر في مكوناته، في العصور المختلفة، مستهدياً بقوة الإبتكار الملهمة، المؤثرة دوماً. يقول جبران: واما الروح الغربية فهي دور من ادوار الانسان وفصل من فصول حياته. وحياة الانسان موكب هائل يسير دائماً الى الأمام. ومن ذلك الغبار الذهبي المتصاعد من جوانب طريقه تتكون اللغات والحكومات والمذاهب: فالأمم التي تسير في مقدمة هذا الموكب هي المبتكر، والمبتكر مؤثر، والأمم التي تمشي في مؤخرته هي المقلدة، والمقلد يتأثر، فلما كان الشرقيون سابقين والغربيون لاحقين كان لمدينتنا التأثير العظيم على لغاتهم، وها قد اصبحوا هم السابقين وامسينا نحن اللاحقين، فصارت مدنيتهم بحكم الطبع، ذات تأثير عظيم على لغتنا وافكارنا واخلاقنا. ويفرق جبران بين التطور الاوروبي القائم في بعضه على التأثر بعلومنا وثقافتنا السابقة، وبين تعثرنا في استلهام علوم الغرب وتقليدها دون ابتكار او استيعاب حي خلاق، فيقول: (بيد ان الغربيين كانوا في الماضي يتناولون ما نطبخه فيمضغونه ويبتلعونه محولين الصالح منه الى كيانهم الغربي، اما الشرقيون في الوقت الحاضر فيتناولون ما يطبخه الغربيون ويبتلعونه ولكنه لا يتحول الى كيانهم الشرقي، بل يحولهم الى شبه غربيين، وهي حالة اخشاها واتبرم منها لانها تبين لي الشرق تارة كعجوز فقد اضراسه وطوراً كطفل بدون اضراس)!.ان جبران واضح، صريح، يحدد مواقفه، بروح وطنية، عروبية، انسانية اصيلة. فهو عدو التقليد، والانضواء، والانهيار والنسخ الأعمى، ومنحاز أبداً الى التجديد الخلاق، واستلهام خير ما لدى الغرب وسواه دون الذوبان في الغرب، دون التغريب، والتحول الى (شبه غربيين) على حد قوله آنفاً. وهو يذكر بمقولة غاندي التي تقول بفتح النوافذ كل النوافذ، للرياح كل الرياح، من دون السماح لا باقتلاعنا من بيتنا وموقعنا. بيد ان جبران ظلم بعض الامم، من دون ان يريد ذلك، فقد سحب مقولاته على الشرقيين جميعاً وساواهم بالعرب وبعض المسلمين، بينما كان ينبغي افراد الهنود والصينيين واليابانيين (وجميعهم شرقيون) على حدة، فقد اخذوا بأسباب التطور، بمستويات متفاوتة، منذ مطلع القرن، وأصبحوا اليوم كيانات حضارية متقدمة علمياً، متطورة تقنياً، نأخذ منهم نحن اليوم علومهم وتقنيتهم، ونفيد منهم، بوصفهم ذوي ثقل علمي - تقني متميز في عالم اليوم.وربما كان جبران معذوراً بعض الشيء، ففي مطلع القرن العشرين، وفي ثلثه الاول حصراً، لم تكن مظاهر تقدم الأمم ومعالمه، واضحة كل الوضوح، باستثناء اليابانيين، لان النفوذ الغربي الامبريالي قد هيمن الى وقت موقوت، وامد محدود، على الهنود والصينيين. وفي تضاعيف حدثه، ينطق نابغة المهجر، جبران، منذ وقت مبكر جداً، وفي مطلع القرن العشرين، وقبل أن ينطلق اساطين (الحوار والتحليل الفكري - السياسي بأمد بعيد، ينطلق بالحقيقة بما يشبه النبوءة، فيقول ما دعمته وقائع الحياة لقرن ونيف: - (ان روح الغرب صديق وعدوّ لنا. صديق اذا تمكنا منه، وعدو اذا تمكن منا، وصديق اذا فتحنا له قلوبنا وعدو اذا وهبناه قلوبنا، صديق اذا أخذنا منه ما يوافقنا وعدو اذا وضعنا نفوسنا في الحالة التي توافقه).ان جبران على مطلق الحق في مقولته هذه، فروح الغرب (وهي هنا العلم والتقنية) ضرورية لنا، ينبغي استلهامها والبناء بها في تطورنا، ولكن من دون هيمنة غربية ومن دون انضواء واستسلام للغرب. وقد أكد الكثيرون من رجال العلم والفكر والسياسة الوطنيين المحنكين على ضرورة استلهام (روح الغرب) هذه (بمعنى العلم والتقنية الحضارية) ولازالوا لحد يومنا هذا يؤكدون هذا الامر الذي انتبه اليه جبران قبل قرن تقريباً. مديات انتشار اللغة العربيةوعن سؤال حول مديات انتشار اللغة العربية في المدارس العالية وغير العالية، وتعليم جميع العلوم بها، اجاب جبران بما يؤكد موقفه الوطني، الاستقلالي الذي ميز رؤية جبران الفكرية - اللغوية (والعامة أيضاً) في مطلع القرن العشرين الآفل. انه يقول (وللقول دلالته البالغة): (لا يعم انتشار اللغة العربية في المدارس العالية وغير العالية حتى تصبح تلك المدارس ذات صبغة وطنية مجردة، ولن تعلم بها جميع العلوم حتى تنتقل المدارس من ايدي الجمعيات الخيرية واللجان الطائفية والبعثات الدينية الى أيدي الحكومات المحلية). ولما أحياناً اماتنا. احياناً لانه ايقظ بعض مداركنا ونبه عقولنا قليلاً، واماتنا لأنه فرق كلمتنا وأضعف وحدتنا وقطع روابطنا وابعد ما بين طوائفنا حتى اصبحت بلادنا مجموعة مستعمرات صغيرة مختلفة الأذواق، متضاربة المشارب، كل مستعمرة منها تشد في حبل احدى الأمم الغربية وترفع لواءها، وتترنم بمحاسنها وامجادها. فالشاب الذي تناول لقمة من العلم في مدرسة اميركية قد تحول الى معتمد اميركي، والشاب الذي لبس قميصاً من نسيج مدرسة روسية اصبح ممثلاً لروسيا... الى آخر ما هناك من المدارس وما تخرجه في كل عام من الممثلين والمعتمدين والسفراء. وأعظم دليل على ما تقدم اختلاف الآراء وتباين المنازع في الوقت الحاضر في مستقبل سوريا السياسي. فالذين درسوا بعض العلوم باللغة الانكليزية يريدون - اميركا وانكلترا وصية على بلادهم، والذين درسوها باللغة الفرنسية يطالبون فرنسا ان تتولى أمرهم، والذين لم يدرسوا بهذه اللغة او بتلك لا يريدون هذه الدولة ولا تلك بل يتبعون سياسة ادنى الى معارفهم واقرب الى مداركهم. وقد يكون ميلنا السياسي الى الامة التي نتعلم على نفقتها دليلاً على عاطفة عرفان الجميل في نفوس الشرقيين، ولكن ما هذه العاطفة التي تبني حجراً من جهة واحدة وتهدم جداراً من الجهة الأخرى? ما هذه العاطفة التي تستنبت زهرة وتقتلع غابة? ما هذه العاطفة التي تحيينا يوماً وتميتنا دهراً؟بهذه المتابعة الواقعية الدقيقة، لجذور المشكلة اللغوية العربية في الثلث الأول من القرن العشرين، وبهذا التحليل وهذه المحاججة الموضوعية المخلصة طلع علينا جبران في مناقشته المسألة اللغوية، الأمر الذي اكسب معالجته هذه مصداقية بالغة وزادها. وزناً ورصانة، واجتذب اليها مجايليه ومن لحقهم على مدى القرن العشرين. وبعد هذه المعالجة (الجبرانية) شديدة الخصوصية، التي اتسم بها أحد روادنا الادبيين والفكريين (أواخر القرن التاسع عشر - أواسط القرن العشرين)، ينتهي جبران الى جوابه الذي يلخص موقفه الوطني التنويري المتميز، فيقول: (نعم سوف يعم انتشار اللغة العربية في المدارس العالية وغير العالية وتعلم بها جميع العلوم فتتوحد ميولنا السياسية وتتبلور منازعها القومية لان في المدرسة تتوحد الميول، وفي المدرسة تتجوهر المنازع، ولكن لايتم هذا حتى يصير الواحد منا ابناً لوطن واحد بدلاً من وطنين متناقضين احدهما لجسده والآخر لروحه، لا يتم هذا حتى نستبدل خبز الصدقة بخبز معجون في بيتنا، لان المتسول المحتاج لا يستطيع ان يشترط على المتصدق الأريحي. ومن يضع نفسه في منزلة الموهوب لا يستطيع معارضة الواهب، فالموهوب مسير دائماً، والواهب مخير ابداً) | |
|