الأستاذ لشهب يونس
المدير العام
الجنـسية : المزاج : الـبـلـد : نوع المتصفح : الهواية : المهنة : الجنس : الْمَشِارَكِات : 21381 العمر : 30 تاريخ التسجيل : 01/02/2009 السٌّمعَة : 751 نقاط : 1045633 توقيع المنتدى :
| موضوع: رمضان حجة لك أو عليك الإثنين أغسطس 15, 2011 8:23 am | |
| رمضان حجة لك أو عليك |
رمضان حجة لك أو عليك
فرض الله علينا صيام رمضان، واستحب لنا - صلى الله عليه وسلم - قيامه، وحثنا على المسابقة والمسارعة والمنافسة إلى فعل الخيرات فيه يقول الحسن - رحمه الله -: "إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون، ويخسر فيه المبطلون"1. فإذا ما قام المسلم بصيام رمضان على الوجه الأكمل حاز على تحصيل التقوى التي شرع الله لأجلها صيام رمضان {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}2. والتقوى هي كلمة جامعة لكل خصال الخير، مانعة من كل خصال الشر؛ وهذه الكلمة يقصد من وراءها المداومة والاستمرارية على طاعة الله، والمراقبة له - سبحانه - على كل حال، وفي كل زمان ومكان، ولا غنى للإنسان عنها أبداً، بل هو بحاجة إليها أشد من حاجته للطعام والشراب والهواء، ولذلك جاءت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية بالأمر بها، والحث عليها، والترغيب فيها، والوصية بها - نسأل الله أن يجعلنا من المتقين -. والمسلم إذا قام بصيام رمضان، وحرص على تحصيل التقوى؛ كان رمضان له حجة يوم القيامة، ودليل وبرهان على صدق إيمانه، وتقربه إلى ربه بطاعته، وإخلاصه له - سبحانه -، بل يكون هذا الصيام شافعاً له، حاجزاً له عن النار بإذن الرحيم الغفار، ونستشهد لذلك بما جاء في الحديث عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة؛ يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار؛ فشفِّعني فيه، ويقول القرآن: رب منعته النوم بالليل فشفِّعني فيه؛ فيشفعان))3 يقول الإمام المناوي - رحمه الله -: "أي يشفعهما الله - تعالى - فيه، ويدخله الجنة، وهذا القول يحتمل أنه حقيقة بأن يجسد ثوابهما، ويخلق الله فيه النطق {وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}4، ويحتمل أنه يوكل ملكاً يقول عنهما، ويحتمل أنه على ضرب من المجاز والتمثيل"5، ويقول العلامة القارئ - رحمه الله -: "أي يقبل شفاعتهما، وهذا دليل على عظمتهما، ولعل شفاعة رمضان في محو السيئات، وشفاعة القرآن في علو الدرجات، قال الطيبي: الشفاعة والقول من الصيام والقرآن إما أن يؤوَّل، أو يجري على ما عليه النص، وهذا هو النهج القويم، والصراط المستقيم، فإن العقول البشرية تتلاشى وتضمحل عن إدراك العوالم الإلهية، ولا سبيل لنا إلا الإذعان والقبول، ومن أولَ قال: استعيرت الشفاعة والقبول للصيام والقرآن لإطفاء غضب الله، وإعطاء الكرامة، ورفع الدرجات، والزلفى عند الله"6. فالصيام الذي تحققت به التقوى، وسلم من كل لغو، وحُفِظَ من كل شين، وأُتقن غاية الإتقان؛ سيكون لا شك شافعاً لصاحبه، وحجة له عند ربه - سبحانه وتعالى -، وهذا الصيام هو الذي يمنع صاحبه من تناول ما أبيح له من طعام وشراب وشهوات؛ استجابة لله، وإخلاصاً له - سبحانه -؛ لذلك جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كل عمل ابن آدم له يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله - تعالى -: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به؛ يدع شهوته وطعامه من أجلي))7، فتأمل - أخي - في قوله: ((إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به))، وقوله: ((يدع شهوته وطعامه من أجلي)) فقد اختص الله - سبحانه - نفسه بالصيام دون بقية العبادات وذلك لأن الصائم يمتنع عن تناول المحبوبات له رغبة فيما عند الله، وإخلاصاً له - سبحانه -، فيجازيه الله على ذلك الجزاء الأوفى: ((وأنا أجزي به))؛ يوفيهم أجرهم بغير عدد ولا حساب {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}8. إنه الله - سبحانه - الجواد الكريم، ملك الملوك، ورب الأرباب، من بيده خزائن كل شيء؛ وسيجازي الصائمين صدقاً بجائزة تليق بمقامه وعظمته لا بمقامهم وعملهم هم، وليست كجوائز الملوك أو الرؤساء؛ ذلك أن جائزة كل إنسان بحسب إمكانياته ومنزلته، والله - تعالى - مالك الملك كله، فجائزته إذن هي جائزة عظيمة، وإحسانه كبير؛ يقول أبو جعفر الباقر عن هذه الجائزة: "جائزة لا تشبه جوائز الأمراء، إذا أكمل الصائمون صيام رمضان وقيامه فقد وفوا ما عليهم من العمل، وبقي ما لهم من الأجر وهو المغفرة". وهذه الجائزة العظيمة - نسأل الله أن يوفقنا لنيلها، والظفر بها - هي لمن صام وقام رمضان إيماناً واحتساباً، وحفظ جوارحه عن الحرام، وكفَّ نفسه عن الآثام، وتقرَّب إلى مولاه بما أوجب عليه يقول أبو جعفر الباقر: "من أتى عليه رمضان فصام نهاره، وصلَّى وِرداً من ليله، وغضَّ بصره، وحفظ فرجه، ولسانه، ويده، وحافظ على صلاته في الجماعة، وبكَّر إلى الجمعة؛ فقد صام الشهر، واستكمل الأجر، وأدرك ليلة القدر، وفاز بجائزة الرب"9. ولذلك اختص الله الصائمين لرمضان؛ والمتْبعين له بمستحبات الصيام، والمكثرين من ذلك؛ بباب في الجنة يقال له "الريان" فعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ في الجنة باباً يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يومَ القيامة، لا يدخل منه أحد غيرُهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخُل منه أحدٌ غيرهم، فإذا دخلوا أغلِقَ فلم يدخل منه أحد))10. والأعمال الصالحة - ومنها الصيام - التي يفعلها العبد المسلم مخلصاً لله فيها، ومتبعاً لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ هي التي تنفعه في قبره، ويوم قيامته، فتكون حاجزة له ومانعة عن دخول النار - إن كان موحداً -، وموجبة له دخول الجنة - بعد رحمة الله وفضله -؛ ويشهد لذلك ما جاء في الأثر عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ حِينَ يُوَلُّونَ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ مُؤْمِناً كَانَتِ الصَّلاةُ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَالزَّكَاةُ عَنْ يَمِينِهِ، وَالصَّوْمُ عَنْ شِمَالِهِ، وَفِعْلُ الْخَيْرَاتِ وَالْمَعْرُوفُ وَالإِحْسَانُ إِلَى النَّاسِ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، فَيُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، فَتَقُولُ الصَّلاةُ: لَيْسَ قِبَلِي مَدْخَلٌ، فَيُؤْتَى عَنْ يَمِينِهِ فَتَقُولُ الزَّكَاةُ: لَيْسَ مِنْ قِبَلِي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى عَنْ شِمَالِهِ فَيَقُولُ الصَّوْمُ: لَيْسَ مِنْ قِبَلِي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ فَيَقُولُ فِعْلُ الْخَيْرَاتِ وَالْمَعْرُوفُ وَالإِحْسَانُ إِلَى النَّاسِ: لَيْسَ مِنْ قِبَلِي مَدْخَلٌ...))11. والصيام الذي يجب أن نسعى لتحقيقه هو: منع البطن عن المأكولات والمشروبات، ومنع الجوارح عن ارتكاب المحرمات؛ مع استغلال الوقت في طاعة الله بالحفاظ على فرائض الصلوات، والإكثار من النافلات، وقراءة القرآن بالتدبر والتأمل، ومحاولة العمل، وتفقد أحوال المساكين، والإحسان إلى الناس - وبخاصة الوالدين والأقارب الأقرب فالأقرب -، مستلهمين الحكمة التي لأجلها شرع الصيام، عاملين على تحقيق ذلك، وبهذه المواصفات سيكون صيامنا - بإذن الله - حجة لنا وشاهداً، وإن لم يكن فلا، و
ويل لمن شفعاؤه خصمـاؤه والصور في يوم القيامة ينفخ فبدلاً من أن يكون القرآن والصيام شافعان لصاحبهما، حجة له؛ يصبحان خصمين له؛ لأنه لم يحقق العلة والمقصد من مشروعية الصيام، بل ارتكب المخالفات التي تتنافى مع شهر الصيام، فلم يراع له حرمة، ولم يعظم له قدراً. ترى نهار هذا المسكين قد قضاه في النوم عن الصلوات، وإذا استيقظ أطلق للسانه العنان للولوغ في أعراض الناس، وأكل لحومهم، وأما ليله فيمضيه في السهر على القنوات، ومتابعة المسلسلات والفضائيات، وهكذا ديدنه وحاله في شهره، فكيف سيكون هذا الشهر حجة أو شاهداً له؟ على العكس سيكون هذا الشهر حجة، وشاهداً، وخصماً عليه. ومن كان هذا حاله كان حظه من صيامه الجوع والعطش كما جاء في الحديث: ((رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش))12، وجاء في الحديث الصحيح أيضاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))13. فالواجب عليك - أيها الصائم - الابتعاد عن كل قول وفعل يتنافى مع الصيام يقول الإمام أحمد - رحمه الله -: "ينبغي للصائم أن يتعاهد صومَه من لسانه، ولا يماريَ في كلامه، كانوا إذا صاموا قعدوا في المساجد، وقالوا: نحفظُ صومنا، ولا نغتابُ أحداً"14. ويقول الصحابي الجليل جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن شكرا والمحارم، ودع عنك أذى الجار، وليكن عليك وقارٌ وسكينةٌ، ولا يكنْ يومُ صومِك ويومُ فطرِك سواءً".
إذا لم يكن في السمع مني تصــاون وفي بصري غض وفي منطقي صـمت
فحظي إذن من صومي الجوع والظما فإن قلت إني صمت يومي فما صمت15 وإذا لم نحفظ صيامنا عن كل العيوب والآفات؛ فإنه سيكون حجة علينا - نسأل الله العافية والسلامة -. إننا نودع شهراً كريماً بما فعلنا فيه من بر وإحسان، أو بما ارتكبنا فيه من إثم وعصيان، وسيأتي يوم القيامة ليكون شاهداً لنا أو علينا، شاهداً لنا بالطاعات والحسنات، أو شاهداً علينا بالمعاصي والسيئات {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ}16. ونحن هنا - أخي - لا نقنِّطك بل نحذرك من ذلك، وندعوك إلى الإحسان في العمل، وتدارك ما فاتك من الوقت؛ فما زالت لديك فرصة لاستدراك ما فات بالتوبة الصادقة، والإكثار من نوافل الطاعات، والندم على تضيع الأوقات؛ والعزم على عدم العودة في ما بقي من العمر؛ فمن أحسن فيما بقي؛ غُفِرَ له ما مضى. نسأل الله أن يجعل شهر رمضان شاهداً لنا لا علينا، حجة لنا لا علينا، وأن يتقبل منا الصيام والقيام، وصالح الأقوال والأعمال، ونسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحسن لنا الختام، وأن يعيد شهر رمضان علينا أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة، ونحن في أمن وإيمان، وصحة وعافية، وسعة رزق؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
1 وظائف رمضان (74).
2 سورة البقرة (183).
3 رواه أحمد (6337)، وقال الألباني: "صحيح"؛ كما في صحيح الترغيب والترهيب برقم (1429).
4 سورة البقرة (284).
5 فيض القدير (4/251).
6 مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (6/257-258).
7 رواه البخاري (6938)، ومسلم (1945).
8 سورة الزمر (10).
9 انظر لطائف المعارف (232).
10 أخرجه البخاري (1763)، ومسلم (1947).
11 الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك (1403)، والطبراني في الأوسط (2630)، وقال الألباني: "حسن" كما في صحيح الترغيب والترهيب برقم (3561).
12 رواه الإمام أحمد (8501)، وقال الألباني: "صحيح لغيره"؛ كما في صحيح الترغيب والترهيب رقم (1084).
13 رواه البخاري (1770).
14 المغني (3/116).
15 وظائف رمضان (21).
16 سورة الجاثية (28-31).
فرسان السنة
| | |
|