رمضان .. أمن الوعيد ، ومنحة العزيز الحميد
رمضان .. أمن الوعيد ، ومنحة العزيز الحميد
أمين بن محمد السلمي
إن
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيأت
أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه
وعلى آله وصحبه والتابعين وسلم تسليماً كثيرا وبعد ،،،
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)سورة آل عمران (102).
(
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبث
منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام إن الله
كان عليكم رقيبا ) سورة النساء (1).
( يا أيها الذين آمنوا
اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع
الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما )سورة الأحزاب (71،70).
قال الله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) سورة البقرة (183).
أيها
الأحبة في الله .. ها قد أظلنا شهر كريم ، ومد الله سبحانه وتعالى في
أعمارنا ، وهدانا لهذا الشهر فأهلاً وسهلاً بهذا الشهر، يا مرحباً بهذا
الشهر ، مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام .
مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام يا حبيباً زارنا في كل عام
قد لقيناك بحبٍ مفعمٍ كل حبٍ في سوى المولى حرام
فاقبل اللهم ربي صومنا ثم زدنا من عطاياك الجسام
لا تعاقبنا فقد عاقبنا قلق أسهرنا في جنح الظلام
أيها
الصائمون .. يا من تركتم في نهاركم ما أحل الله سبحانه وتعالى لكم طلباً
لمرضاته ، إن الله عز وجل يرحب بكم في هذا الشهر ، يرحب بكم في هذه الليالي
.
أيها الناس .. قدم شهر رمضان شهر التوبة والغفران ، شهر الصلاح
والإيمان ، شهر الصدقة والإحسان ، شهر تفتح فيه الجنان ، شهر تغلق فيه
أبواب النيران ، شهر تصفد فيه مردة الجان ، شهر التراويح ، شهر التسابيح ،
شهر التفاريح .
أيها الناس .. جاء شهر الرحمة ، رقاب تعتق ، ونفوس ترفق
وإياد تتصدق ، باب الجود في شهر رمضان مفتوح ، والرحمة فيه تغدو وتروح ،
والفوز من الله سبحانه وتعالى المنان ممنوح ، شهر ترتاح فيه الروح ، هنيئاً
لمن صامه ، هنيئاً لمن ترك فيه شرابه وطعامه .
وبشرى في كل ليلة لمن
قامه واتبع إمامه ، أيها الناس هذا الشهر شهر غيث للقلوب بعد انقطاع مطر
الطاعة وجدب القلوب بالذنوب في هذا الشهر سلوة الأرواح بعد فزع الخطوب .
هذا الشهر يذكرنا بالجائعين ويشعرنا بإخوان لنا بائسين من المسلمين شهر
رمضان فرصة العمر السانحة وموسم البضاعة الرائجة فالكفة في هذا الشهر راجحة
يوم تعظم فيه الحسنات .
أيها الصائمون .. يوم تغفر فيه السيئات ، يوم
تُمحى فيه الخطيئات ، إنه يوم القيامة يوم يرحب المولى سبحانه وتعالى بأهل
الصيام ، فيقال أين الصائمون ؟ فيقولون ها نحن يا رب قد أتينا ، فيقال لهم :
ادخلوا الجنة من باب الريان ، فيغلق فلا يدخل منه أحد بعدهم .
يا عبدالله .. يا مسلم .. اغتنم شهر رمضان ، وابتعد عن المعاصي والآثام واترك العدوان قل لعينك غضي طرفك عن الحرام وخافي الملك العلام وقل لأذنك صومي عن الخنا وابتعدي عن استماع الغناء ، وانصتي للقرآن الكريم وبادري لقراءة الذكر الحكيم ، وقل للسانك
توقف عن شكرا والزور ، وتذكر يوم يحصل ما في الصدور ، وأمسك عن الفحشاء
والبغضاء والكلمة الشنعاء والغيبة والنميمة ، والافتراءات على الناس
العظيمة ، وقل ليدك يا عبدالله أقلعي عن أذية العباد ومقارعة الفساد ، وأخذ الرشوة من العبيد ، قبل أن تأتي كل نفس معها سائق وشهيد ، ويقال لك (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) وقل لقدمك
لا تمش إلى الحرام ، ولا تكوني إليه مسرعة في الإقدام ، فتقدمي فتكون
الحسرة والآلام ، يوم لا ينفع من ذلك أي شيء يوم القيامة ، ذلك يومٌ مجموع
له الناس ، وذلك يوم مشهود .
أيها الناس .. أيها الصائمون .. بالله عليكم بالله بربكم ، أما آن في هذا الشهر للعصاة أن ينغمسوا في شهر الصيام .
يا من لا تصلي .. (ألم يأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق)
ألم يأن لك أن تتوب لله سبحانه وتعالى وتترك المعاصي وتهجر الموبقات وتأتي
إلى رب من خلق الأرض والسماوات تائباً ذليلاً خاشعاً باكياً مخبتاً ( ألا له الملك والأمر وهو أسرع الحاسبين ).
أيها
الناس .. إن الله عز وجل يفرح بتوبة العباد ، إن الله عز وجل لن يستفيد
شيئاً من عذابنا ، لن يستفيد شيئاّ إذا أدخلنا النار ، ولكنه سبحانه وتعالى
يريد أن يفعل الناس الخيرات يريد أن يغشى الناس الطيبات ويريد منهم أن
يتركوا المنكرات والمعاصي والموبقات ، أما آن في هذا الشهر للعصاة أن
يطهروا الأجسام مما علق بها من الآثام الجسام ، ويغسلوا ما علق بالقلوب من
الحرام ، أما آن للمعرضين أن يسألوا من رب العالمين مفتاح باب الصائمين
ليجدوا رضوان رب العالمين في مقام أمين .
أيها الناس إن ثياب العصيان آن لها أن تخلع في شهر رمضان ليلبس العبد ثياب الرضوان ليدخل الجنان ويأمن من لفح النيران .
يا الذي ما كفاه الذين في رجبٍ حتى عصا ربه في شهر شعبانِ
ها قد أظلك شهر الصوم بعدهما فلا تصيره أيضاً شهر عصيانِ
اتل الكتاب وسبح فيه مجتهداً فإنه شهر تسبيح وقرآنِ
فحمل على جسدٍ ترجو النجاة له فسوف تحمل أجساداً بيرانِ
كم كنت تعرف ممن صام في سلفٍ من بين أهلاٍ وجيرانِ وخلانِ
أفناهم الموت واستبقاك بعدهمُ حيناً فما أقرب القاصي من الدانِ
ومعجباً بثياب العيد تلبسها فأصبحت في غداٍ أثواب أكفانِ
حتى متى يعمر الإنسان مسكنه مصير مسكنه قبرٌ لإنسانِ
أيها
الناس .. إن السلف الصالح رضوان الله عليهم كانوا إذا دخل عليهم شهر رمضان
أكثروا فيه من قراءة القرآن ولزموا الذكر في كل آن ، فبشرهم المولى سبحانه
وتعالى بالأمان ، يوم يفزع من في السماوات ويفزع من في الأرض ، ويموت
الناس ويقول الله سبحانه وتعالى (كل من عليها فان) .
أيها الناس ..
بادروا للتوبة بادروا للعودة ، بادروا للإنابة ، فهذا شهر الآيات والتلاوات
، وقبول الدعوات ، وزمن العظات ، فيه تعتق الرقبات ، وتكثر الهبات ، وترفع
الدرجات ، وتغفر الزلات على أهل الدمعات ، إن هذا الشهر تنزل فيه الرحمات
على أهل الطاعات وتعرض عن أهل المعاصي والمهلكات .
عباد الله .. إن
رحمات الخالق الكريم تنزل على أهل الصيام والذكر والقيام ، ولا تنزل على
أهل المجلات ومشاهدة الفوازير والمسلسلات والمسابقات والمباريات ، وقتل
الأوقات والتعرض للحرمات .
في هذا الشهر تغسل القلوب من الأوساخ ، ( إن الحسنات يذهبن السيئات ، ذلك ذكرى للذاكرين ) .
أيها
الناس .. يا من انتدبتم أنفسكم للصيام في هذا الشهر ، سلام عليكم ذا
حُبستم في الأسحار ترددون الاستغفار بدمع حار مدرار ، سلام عليكم إذا طلع
الفجر وثبت الأجر إذا كنتم في صلاتكم خاشعين ولمولاكم خاضعين وعلى ذنوبكم
باكين سلام عليكم ساعة الإفطار بعد يوم صوم في المدن والقفار ، سلامٌ عليكم
وقد جلستم على مائدة الغفار تطلبون الأجر على ما قدمتم في النهار ،
فترتفعون إلى المولى سبحانه وتعالى بالدعاء وتنادون يا الله .. يا الله ..
يا الله ، فينادي بكم ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله .
أيها
الناس .. سبحان الله ، سبحان الملك الغفار ، سبحان من جاعت لطاعته البطون ،
وبكت من خشيته العيون ، وسهرت لمرضاته الجفون ، ما شفيت القلوب إلا بقربه
سبحانه وتعالى لأنه هو المأمون ، ما أحسن الجوع في سبيله ، وما أجمل السهر
مع قيله ، وما أبرك العمل بتنزيله .
لها أحاديث من ذكراك تشغلها *** عن الطعام وتلهيها عن الزاد
إذا تشكت تلال السير أسعفها *** شوق القدوم فتحيا فيه ميعاد
لها بوجهك نور تستضي به *** ومن حدثك في أعقاب آحاد
يا
صائم .. إذا سابك أحد ، إذا سابك أحد في رمضان فقل إني صائم ، فليس من
أخلاقي أن أخاصم ، رعاك الله يا عبدالله ، إذا تركت سيء الكلام لأن النفس
قد لجمت بخطاب الصيام ، أيها الصائم إذا سابك أحد فقل إني صائم ، فلن أحمل
السلاح ، لأني في موسم الفلاح ، أدعو الناس إلى الصلاح ، وأرجو من المولى
يوم القيامة الفلاح ..
ياصائمة .. يا أمة الله يأ أختنا المصونة يا
أمنا الحنونة ودرتنا المكنونة تربأ بك هذه الأيام أن تكوني مع الشيطان في
ضياع للأوقات وذهاب للساعات في قيل وقال ومطاردة للبرامج المسلية في
التلفاز وكأن الله سبحانه وتعالى قد وعد من يشاهدالتلفاز بالمفاز ، يا
أختاه أيامك معدودة ، وأنفاسك محدودة ، فلا تذهب عنك هذه الأيام المباركة
والليالي الفاضلة بين مطبخ وطعام ، فيكفي ما صنعته في سائر الأيام ، أخبري
زوجك في هذه الأيام أنك تريدين المغفرة والرضوان وتريدين في هذا الشهر أن
تختمي القرآن ومساعدة الأخوات والإخوان .
وأن تتصدقي وتكوني من أهل البذل وتتركي كل خلق رذل لتفوزي بآخر الشهر وتلحقي بركب أهل الفضل .
أخواني
.. أخواتي .. أيها الصائمون .. استمعوا لهذه الحادثة العجيبة وهذه القصة
الغريبة وكيف أن المولى سبحانه وتعالى عزيز ذو انتقام لا يعجزه شيء في
الأرض ولا في السماوات ، إذا اجتمعوا على مبارزته ومحاربته .
يحكى أن
فتاة كانت تستقل إحدى الحافلات وفجاءة إذ بجهاز هاتفها يرن عليها فترفع
السماعة فإذا بصديق لها يناديها وهو يقول تأخرت علي يا فلانة أسرعي يا
فلانة ، فقالت له على رسلك لن أتأخر عليك سوف أصل خلال دقائق لقد تعطرت
ولبست وتهيأت ، لماذا أيها الناس ، تهيأت لمعصية الله عز وجل تهيأت لفعل
الفاحشة في أيام قريبة من شهر رمضان في أيام قريبة تنزل فيها الرحمات ،
ويأتي المولى سبحانه وتعالى للعباد بكل ما يحبون من البركات والخيرات ،
فإذا بهذه الفتاة تقول لصاحبها : على رسلك سوف أصل خلال دقائق لا تبتئس ولا
تحزن ، وكان يجلس قريباً منها شاب يبدو عليه الالتزام .
فقال لها
الشاب : يا أختاه وقد بليتي بهذه المعصية ألا سترت نفسك ألا خفت ربك .
لماذا لا تخافين من الله ؟ وقد أنعم عليك بعينين ولساناً وشفتين ووجه جميل ،
لماذا تبارزين المولى عز وجل المعاصي ؟
فتكبرت عليه هذه الفتاة ثم
نزلت من هذه الحافلة وهي تقول للشاب : يا هذا ، خذ هذه البطاقة وأعطها لربك
وقل له يتصل بي الليلة ، فإذا بسيارة تأتي مسرعة ثم ترتطم بهذه الفتاة
المسكينة فيتقطع جسدها وتتناثر أشلاؤها ويتقطع ويتفرق دمها على الطريق !!
من ذا الذي يحارب المولى سبحانه وتعالى ثم ينتصر.
يا
أختاه .. يا أمة الله .. إن الله عز وجل يناديك في كل وقت (وقل للمؤمنات
يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها).
أين التي تتزين إذا ذهبت إلى صلاة التراويح من هذه الأية ؟
أين التي تتعطر إذا خرجت إلى الأسوق من هذه الآية ؟
أين البنات وأين الفتيات وأين الأخوات اللواتي يتسكعن في الأسواق ويخالطن الباعة في شهر الرحمات ؟
أين ولاة الأمور أين الآباء ؟
أين الذين يغارون على أعراضهم ؟
أين الفاضلات من النساء ، أين الداعيات من النساء ؟
لماذا
لا يأمرن بالمعروف وينهين عن المنكر وهن يرين هذه الأيام نماذجاً عجيبة من
النساء يأتين في هذه الليالي العظيمة إلى المساجد سافرات متبرجات متعطرات .
يا أمة الله .. ألا ترجين رحمة الله ؟ الجواب بالتأكيد بلى والله إنك كذلك ، ولكن أين الفعل ؟ (إن رحمة الله قريب من المحسنين) .
أيها
الناس .. أيها الصائمون .. هذه الأيام سوف تنقضي ، وهذه الأعمار سوف تروح ،
فبين عائد إلى الجنة وبين عائد إلى النار ، بين من يشتري الجنة وبين من
يبيعها بقليل ولعاعة من الدنيا لا تساوي شيئاً .
أيها الناس .. هل كلنا
سوف يستغل رمضان ، هل كلنا سوف يعتق في هذا الشهر من النيران ، إن الذين
المعتوقون من النار في هذا الشهر إنما هم أهل الطاعات ، إنما هم أهل
القربات ، إنما هم أهل التراويح والبكاء والدمعات أما الذين إذا حانت
التراويح وجاء القيام انشغلوا عنها وقالوا فلان يطول في الصلاة وفلان يريد
أن يفتن الناس في الصلاة وسوف أبحث لي عن مسجد آخر حتى لا أفتن ، إن هؤلاء
أقدم لهم رسالة عاجلة ، رسالة من رب الأرض والسماوات ، رسالة ممن خلقهم
ورزقهم ، رسالة إليهم ولكل الذين يعرضون عن استغلال هذا الشهر ولكل الذين
يبتئسون ويحزنون إذا قدم عليهم هذا الشهر ويفرحون إذا انقضى .
تقول
الرسالة (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الحياة الدنيا
إلا متاع الغرور) ، فهذا هو الفوز العظيم ، هي جنة عرضها السماوات والأرض ،
لا حرمنا الله منها ، ولا حرمكم الله سبحانه وتعالى منها .
الله
سبحانه وتعالى أيها الناس اختص أشهراً معينة واختص أياماً معينة وأوقاتاً
معينة فيها من الفضل وفيها من الخير وفيها من الأجر أكثر من سائر الأيام
وسائر الشهور وسائر الأوقات .
أيها الناس .. لماذا لا نستغل هذا الشهر
ونحن في مقتبل منه ؟ نحن في أول يوم من أيام شهر رمضان المبارك ، ولماذا
يستهتر بعض الناس بهذا الشهر ؟ ولماذا ينوي بعض الناس المعصية في هذا الشهر
؟ إن بعض الناس من الكبار والصغار ، من النساء والرجال يعقدون النية تلو
النية أن يسهرون في شهر رمضان ، وأن يشاهدوا المسلسلات في شهر رمضان وأن
يخرجوا للتسكع في شهر رمضان وأن يجتمعوا على القيل والقال في شهر رمضان .
في
شهر يقول المولى سبحانه وتعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) فلو لم
يكن لهذا الشهر من فضل سوى أنه أنزل فيه القرآن لكفى ، إن بعض الناس من
الذين يتهيأون لمعصية الله عز وجل في هذا الشهر لم يفهموا حقيقة هذا الشهر
وجهلوا جهلاً عظيماً جهلاً مركباً بفضيلة هذا الشهر ، فوالذي لا إله إلا هو
لو علم الناس حقيقة الفضيلة التي أودعها الله سبحانه وتعالى في شهر رمضان ،
والله لحرصوا على ساعاته ولياليه بل حرصوا على دقائق وثوانيه .
إن هذا
الشهر شهر عظيم ويكفي فيه أيها الناس إن الله سبحانه وتعالى يعتق من شاء
من عبادة في هذا الشهر وأن غفلة كثير من الناس عن الموت ونسيانه هي من أحد
الأسباب الرئيسية التي تجعلهم يتعاملون مع شهر رمضان كأنه مثل باقي شهور
العام ، بل ربما تعاملوا معه معاملة أسوأ من باقي شهور العام ، فإذا جاءت
أيام العيد فإنهم يفرحون بانتهاء رمضان .
أيها الناس .. فلنراقب أنفسنا ، ولنحاسب أنفسنا ولنسأل أنفسنا أسئلة ولنقوم بالإجابة عليها بتجرد وبإنصاف .
أما بالسؤال الأول : هل سنختم القرآن في هذا الشهر ؟
كل منا يسأل نفسه هذ السؤال .
أيها
الشباب .. أيتها الشابات .. أيها الرجال .. أيتها النساء .. اسألوا أنفسكم
هذا السؤال بصدق وأجيبوا عليه بصدق هل ستقرؤون القرآن في شهر رمضان ؟ وهل
ستختمونه ولو مرة واحدة في هذا الشهر ؟
إن بعض الناس ديدنهم عدم فتح مصحف الله سبحانه وتعالى لا في شهر رمضان ولا في سواه من باقي شهور السنة وهذا والله من الحرمان .
أما
السؤال الثاني : هل ستحرصون على صلاة الجماعة يا من لا تصلون في باقي شهور
العام في المساجد في الجماعة ؟ هل ستصلون في شهر رمضان الصلاة في وقتها ؟
يا من لا نجدكم في صلاة الفجر .. هل سنجدكم في صلاة الفجر في شهر رمضان وهل سوف تواظبون على بقية الصلوات في الجماعة .
أيتها المرأة .. هل ستصلين التراويح في البيت أم في المسجد ؟ إذا كان في المسجد فخذي الإذن من ولي أمرك ، وإلا فبيتك أفضل لك .
فإذا كنت ستصلين التراويح في المسجد فاستغلي هذه الأوقات المباركة بالإنصات لقراءة الإمام والتأمين على دعائه .
إذا أتيت إلى المسجد فالتزمي آداب الصلاة والزمي خفظ الصوت حتى لا تفتني الناس في صلاتهم .
والسؤال الثالث هل سوف نصلي في هذا الشهر صلاة التراويح كاملة ؟
أيها
الشباب ، يا من تجتهدون في صلاة التراويح في الأيام الأولى وللأسف مرت
الليلة الأولى لشهر رمضان ولم يصل معنا صلاة التراويح إلا ثلاثة صفوف فأين
الناس في صلاة التراويح وهل أول ليلة من رمضان لا تحسب .
لقد ذهب شعبان وانقضى ، وأول ليلة من رمضان كانت البارحة فربما أعتق الله وتعالى أناساً من النيران في الليلة الماضية .
أما السؤال الرابع : هل سنحافظ على السنن الرواتب ؟
يا
من تأتي إلى الصلوات في سائر العام مستعجلاً إقامة الصلاة ثم إذا سلم
الإمام أسرعت إلى الباب هل ستواظب على السنن الرواتب في هذا الشهر أم لا ،
أم أنك ستتعامل مع هذا الشهر كأنك تتعامل مع سائر أشهر العام .
السؤال الخامس : هل ستستحضرون النية في إطعام المساكين ؟
وأنت
أيتها المرأة هل ستستحضرين النية في إطعام زوجك الطعام وفي تحضير الطعام
للأبناء والإخوان ، إن عدم احتساب الأجر في هذا الشهر إنما هو من الحرمان .
أما السؤال السادس : هل سنتصدق على الفقراء في هذا الشهر ؟
فالأموال التي ندفعها لهم ، إنما هي أموال الله استودعها عندنا ، وهي عارية وسوف تؤخذ هذه العارية إما بالصدقة وإما بالإفلاس .
أما السؤال السابع : هل سندعو لإخواننا المسلمين في هذا الشهر ؟
إنهم
يعانون في أماكن كثيرة ، في فلسطين في العراق في أفغانستان في الشيشان
وغيرها من بلاد المسلمين هل سنتألم لألمهم ونحزن لمآسيهم ونتذكر ما يعانونه
من الحرمان والإضطهاد والتشريد ؟
أما السؤال الثامن : هل سننام في نهار رمضان أم سنقضيه في الصيام وقراءة القرآن ، وهل سنسهر في ليل رمضان أم سنقضيه في القيام ؟
إن
ديدن بعض الناس السهر في ليل رمضان حتى صلاة الفجر وربما صلى الفجر وربما
نام عن صلاة الفجر ، فإذا كان النهار نام من أوله حتى آخره ، ثم قام يفطر
مع الصائمين ، وهذا هو الحرمان بعينه .
أما السؤال التاسع : هل سنتوجه
وندعو الله سبحانه وتعالى في هذه الأيام المباركة ؟ وهل سنخبت لله عز وجل ؟
وهل سنسلم القياد لله سبحانه وتعالى فننقاد في سائر شهور العام كما ننقاد
في شهر رمضان ؟
أما السؤال العاشر : هل سنطهرنا بيوتنا من الآثام والمعاصي في رمضان ؟
هل
سنطهرنا بيوتنا من القنوات الخبيثة ، من القنوات الخليعة ، من دعاة
الفحشاء ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في
الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون )
هل ترضى يا عبدالله وهل ترضين يا أمة الله أن تكوني من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا في أبنائك ؟
هل
من الأنصاف أيها الأب الحنون أن تعطي لولدك المال إذا احتاج ، وتذهب به
إلى المستشفى إذا مرض ، وتحضر له من يشرح له دروسه إذا شعرت بانخفاض مستواه
، ثم تطعنه خلف ظهره بتهيئة كل وسائل إفساد الدين والأخلاق له في البيت ؟
والله
إن من الناس من يستعجب لأمرهم ويستغرب ، من الناس من يسهروا في ليالي
رمضان في هذه الليالي العظيمة على أغاني الفيديو كليب ، فبين صدر وبين فخذ
وبين نحر ، والله سبحانه وتعالى ينزل في الثلث الأخير يقول : هل من تائب
فأتوب عليه ، هل من مستغفر فأغفر له .
إن من الناس من يتعاملون مع هذا
الشهر بكل استهتار ، فلا صلاة في وقتها ولا صيام إلا عن الطعام والشراب ،
أما السباب والشتام فحدث ولا حرج ، وأما الليل بين قيل وقال وغيبة ونميمة
وفلان وفلانة ، فمعاصٍ ترتكب وحرمات تنتهك عبر الفضائيات والشاشات والقنوات
ولا حول ولا قوة إلا بالله .
أما السؤال الحادي عشر : هل طهرنا
أموالنا من الحرام وخصوصاً الربا ، ونحن الذين نتصدق في هذا الشهر كل يوم
بما جادت به أنفسنا على المساكين والمحتاجين وأهل الحاجة ، هل طهرنا
أموالنا من الغصب ، هل طهرنا أموالنا من أموال اليتامي ؟ هل طهرنا أموالنا
من السرقة ، من أكل أموال الناس بالباطل ؟
إن بعض الناس يأخذ المال من
حرامه ثم يضعه في حله ويعتقد أن الله سبحانه وتعالى سيتقبل منه ، إن الله
عز وجل طيب لا يقبل إلا طيباً ، فإن هذا الشهر فرصة مواتية لأرباب الأموال
لكي يطهروها خصوصاً من الربا فمن كان متعاملاً مع بنوك ربوية فهي فرصة
للتوبة .
إن الله عز وجل يحارب من يحاريه ، وأن أبشع حرب يخوضها هي مع
الله سبحانه وتعالى إذا بارزه بالربا ، خاصة في هذا الشهر ، فإن الله عز
وجل كما أنه قد ضاعف الأجر لأهل الطاعة فيه فقد ضاعف الوزر لأهل المعصية
أيضاً .