الأستاذ لشهب يونس
المدير العام
الجنـسية : المزاج : الـبـلـد : نوع المتصفح : الهواية : المهنة : الجنس : الْمَشِارَكِات : 21381 العمر : 30 تاريخ التسجيل : 01/02/2009 السٌّمعَة : 751 نقاط : 1045413 توقيع المنتدى :
| موضوع: ولادة الأمل بين الأنقاض.. بقلمي الخميس يونيو 28, 2012 3:58 am | |
| |
في أحد صباحات عام 1889 من القرن التاسع عشر في مدينة البصرة ..
ارتجفت سكينة الليل بطلوع الفجر ، فتداخلت أشعة بنفسجية لتكسو قباب وكنائس مدينة البصرة ، ولا زالت هناك امرأة لم تذق طعم الرقاد وهي تنظر لطفلها الجائع بين يديها ، فكأنها كانت تتمنى أن تنساب مع دقائق الأثير وتنتهي رحلة آلمها ، كانت تنظر لوحيدها والدموع تتألق في محجر عيونها ، وتارة أخرى ترفع عيونها صوب السماء وتنادي قائلة .. يارب السماوات والأرضيين ها قد طلعت شمس الصباح باكية فوق الجداول والوديان وحاكت بخيوطها وشاحاً ذهبياً ، وتمازجت رؤى الحياة مع أنفاس الوجود ، وما زلت أتأمل لقاء الأمل الذي حبته روحنا في حضرة أعتابك ، ياربي ما أقسى الحياة في ظلال الموت ، بل ما أقسى بنو البشر ، الذين ينامون على آسرتهم الوثيرة ، وقلوب الفقراء تتضور جوعاً ، ياربي قد جعلت الشحرور يحاكي بنغماته سحر الطبيعة فوق الغصون، ونفخت في فم البزاة تغريدة الجمال ، وتلونت الحدائق بأشراقة الزهور ، وأرسل النسيم قبلاته إلى ثانويات الهواء ، ونث الندى فوق الورد عذب طيبه .. كل هذا حدث ياربي بقدرتك التي وسعت كل شيء ، فامنحني ياربي الصبر والتجلد ، وسد فاقتي وأشبع أبني الجائع .. فأنه ما من رجاء تطأه أنوالي وتضرعاتي سوى بابك العظيم ..ثم أجهشت بالبكاء وتساقطت دمعات سخينة فوق وجنات طفلها ، فارتعشت شفتاه وفتح عيناه ، وقال بصوت مملوء بالبراءة ، أمي أني جائع ؟ احتضنت الأم وحيدها محاولة بذلك الولوج إلى أقصى بقاع كبده المحترقة لترتشف غليلها ، أرادت جاهدة أن توهمه بالصبر ، لكنها ظلت تبكي ، مرت ساعات وسطعت شمس الصباح حتى أنتثر ضياؤها فوق أزقة البصرة وعانقت شوارعها أحلام العاملين ، كان باشا سعيد محافظ البصرة آنذاك سائراً في شوارع المدينة مستكشفاً أحوال رعيته ، بعربته التي أيقظت حركة حرتقة خيلها القاعدين والواقفين ، ثم أخذ يطوف في أرجاء المدينة لساعات ، حتى توقف فجأة أمام منزل حقير منفرد وسط تلك المحلة ، فصاح على سائق العربة ، لماذا توقفت هنا ، فأجابه قائلا ، يا سيدي .. الخيول هي من أوقفت نفسها ، فهلا عذرتني ، فقال الباشا سعيد ، لا بأس إذن أستمر بمسيرك ، ثم نظر الباشا صوب ذلك المنزل الحقير بلمحة خاطفة، فرأى منزلا حامت أخيلة البؤس حوله وطوقته بنقاب الوحشة والفاقة ، فصاح على السائق أنتظر قليلاً ، دعني أرى ماذا يوجد داخل هذا المنزل ...، أقترب الباشا وطرق الباب ، فخرجت امرأة يشيع عليها الوقار يقف بجانبها طفل صغير ، قد أذبل الجوع عيونه وفند الحرمان أمانيه، فأرتعد إذ ذاك وخاف أن يقول إليها بأنه الباشا ، فقال سيدتي أنا عطش فهلا سقيتني بشربة ماء ، توارت خلف الباب وعادت بالماء وهي تخاطبه بلهجة ملؤها التقدير والاحترام ، أعذر فاقتنا سيدي ، فلا نملك ما نقدمه إلى ضيفنا العزيز غير الماء ، فأطرق الباشا رأسه خجلاً وخاطب المرأة بصوت حزين ، سامحيني أنت سيدتي ، لأني حاكم ظالم ، إذ تركتك تعانين ، لم أكن أدرك بأن زوجك قد توفى وأعلن الشقاء قدومه في دنياك إلا هاته الساعة عندما استفسرت عنك من جار لكم قد مر من هنا قبل قليل .. سامحيني سيدتي ، لأني تركتك تتبوئي منصة الفقر ، أنا الباشا بذاته ، أنا محافظ المدينة ، قد خلت نفسي عادلاً بينما كنت أظلم الناس بجهلي وقلة معرفتي بكم .. ثم نظرت إليه نظرة محبة ، وقالت إليه : سيدي قد استجاب الرب دعائي بعدما ناجيته هذا الصباح ، وها أنت تقف أمام بابي وترجو مساعدتي ، أطلب العفو من الله سيدي ، فمن أنا لتطلب منها أن تصفح عنك ، مضت ساعات حتى أصبح ذلك البيت مملوء بضحكات طفل صغير يرنو إلى الحياة بأمل يعانق أعماق الوجود .
بقلمي slipped away رحيل الاماني
|
| |
|