[center]ماذا بعد الحج
مضت
أيام هي غرة جبين العام، تصرمت وذهبت فمن الناس من كتبت لـه السعادة
والعتق والفوز، ومن الناس من سوف وغفل فضاعت أيامه كما ضاع عمره ...
فمنهم
حج واعتمر وطاف ورمى ووقف بعرفة والمشعر الحرام وأهدى اللحم والعظام،
ومنهم من صام يوم عرفة وصلى ونحر وذبح الأضاحي، وكبر واستغفر.
عمتهم
الرحمة والغفران والعتق من النيران، ذهب الحجيج ورجعوا فهل استفادوا
واتعظوا واعتبروا هل أقاموا على العهد والميثاق أو هل تغيرت الحال إلى أحسن
حال، هل تأثروا بما عملوا من شعائر وقفوا فيه مشاعر تلك مواقف الحجيج إرث
أبيهم إبراهيم عليه السلام إمام الحنفاء الذي هجر الشرك وعبادة الأوثان
وهجر ما يغضب الله.
تلك الرحاب والمشاعر موقف المصطفى والنبي المجتبى صلى الله عليه وسلم القائل من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
فيا من حججت البيت العتيق الزم طاعة مولاك واعلم أنك بدأت صفحة جديدة فإياك أن تسودها بالمعاصي والسيئات ...
ويا من صمت يوم عرفة وصيامه يكفر سنتين وصليت العيد وذبحت الأضحية هاهي صحائفك ناصعة فجد في طريق الخير والعمل.
هاهو عامنا الهجري يطوي أيامه سريعاً ويستعد للرحيل فبماذا ستودعه وهل هو شاهد لك أو عليك.
هاهي أيامك تنقص يوماً بعد يوم وهي إلى الرحيل تدنيك وتقربك ...
نفرح بالأيام نقطعها وهي إلى الموت تدنينا ..
هاهي أيامك تمضي سريعاً فماذا استودعتها.
هاهم الناس اليوم يقطعون أوقات فراغهم بما يدخل عليهم السرور والبهجة بالمتعة والنزهة فهلا كان للروح نصيباً من ذلك ...
إن المتعة هي أنس القلب وطمأنينة النفس بقضاء الوقت بما يفيد في الدنيا والآخرة ..
أيها الاخوة:
كثيراً ما يغرق الناس في وسائل الترفيه ترفاً وبذخاً ومباهاة ومجاراة للآخرين ...
فهلا
كان الاقتصاد والانتفاع بما يدخل السرور على إخوانك المسلمين الذين لا
يجدون للفسحة ولا للمتعة سبيل ولا طريق، (فأفضل الأعمال سرور تدخله على
مسلم) وهنا يتجلى الإيثار والمحبة والوفاء فيما بين المسلمين ...
وحين
تسمو النفس وتطلب ما عند الله تؤثر غيرها (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم
خصاصة) (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا).
وتبقى نفوس تظمأ ليروى غيرها وتجوع ليشبع غيرها) ..
فإن كانت منزلة عالية فلتهنأ النفوس بما أباح الله ولتدخل على غيرها وتشركه في متعتها ...
أيها الاخوة:
إن الإسلام لم يحرم المتعة ولا الترفيه بل جعله من وسائل التقوي على العبادة والنشاط فيها ...
ونهى
عن التبتل والانقطاع، لكن علينا أن تكون وسائل الترفيه وقضاء الوقت بما
ينفع ويقوي ويفتح الأذهان ويشحذ الهم ويحد الذكاء، فتكون الوسائل لها أهداف
سامية مؤثرة تأثيراً إيجابياً لا سلبياً ..
وعلينا ألا نتلقف كل ما يرد علينا من وسائل دون معرفة ما لها من أضرار وما تسببه من آثار ..
فوسائل الترفيه لها أثرها في تكوين شخصية النشء والشباب وتنمية المهارات أو قتلها ...
وإن المهتمين بوسائل الترفيه وتجارها أن يتقوا الله في الأمة فلا يدفعهم حب المال والمادة أن يدخلوا على النشء ما يفسدهم ويضرهم ...
أيها الاخوة:
شبابنا إلى أين ما هي أحوالهم وما هي تصرفاتهم في وقت فراغهم؟
مَنْ يجالسون من أين يتلقون أفكارهم وثقافاتهم؟.. بماذا تقضى لياليهم وأيامهم ...
مناظر ومشاهد تحزن القلب وتدمع العين لما وصل إليه شبابنا من ضعف التربية وعدم المتابعة، واللامبالاة من أهليهم وأولياء أمورهم ...
ما هي اهتماماتهم وما هي أمنياتهم إنها اهتمامات ساذجة وأمنيات بائسة ...
ماذا قُدم لهؤلاء الشباب وأين المهتمين بالدعوة والتربية والتوجيه ...
شباب
في عمر الزهور فيهم الفطرة والإيمان ومحبة الخير ولكن في غياب الموجه
والمربي ضلوا كيف يستفيدون من أوقاتهم ويدخلوا السرور على أنفسهم.
لم يعلموا كيفية الاستفادة ولم يدربوا على أعمال تفيدهم وتصقل مواهبهم وتُعدهم للمستقبل.
أيها الاخوة:
إن التكامل في التربية هو الذي يخرج الجيل المتكامل ...
فالتدريب
على تحمل المصاعب والمشاق وعلى معاني الرجولة والاعتماد على النفس والصبر
والمصابرة، والتعلم على خدمة النفس والآخرين ... جزء من التربية مهم لا
يغفل ...
والتدريب على الاستفادة من الوقت واستثماره ومحاولة قضاءه بما يفيد جانب من جوانب التربية ..
وغرس الإيمان وتأصيل الأخلاق والآداب وأحكام الشريعة من جوانب التربية المهمة ...
وإن المتأمل لمنهج التربية النبوية يجد أن هذه الجوانب قد اهتم بها المصطفى صلى الله عليه وسلم ..
فقال صلى الله عليه وسلم للذين ضربوا الأبنية وسقوا الركاب: (ذهب المفطرون بالأجر كله).
وقال: (وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة) ..
(وإماطة الأذى عن الطريق صدقة).
وسئل
عن أي العمل أفضل قال الإيمان بالله والجهاد في سبيل الله قلت أي الرقاب
أفضل قال أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمناً قلت فإن لم أفعل قال تعين صانعاً
أو تصنع لأخرق) الحديث متفق عليه.
فالإسلام اهتم بالجوانب العملية في التربية وأولها اهتماماً لمالها من الأثر البالغ في تكوين الشخصية ..
وأمر آخر مهم في جوانب التربية مراعاة الفوارق الفردية فما يجيده شخص قد لا يجيده آخر، وما يخفق فيه شخص يتفوق فيه آخر ...
وجانب مهم محاولة اكتشاف الجوانب الإيجابية وتعزيزها والجوانب السلبية ومحاولة علاجها.
وفتح باب الحوار والمناقشة وإبداء الرأي لتكوين الشخصية والرجوع إلى آرائهم ترغيباً لهم وتشجيعاً.
فقد رجع الرسول عليه الصلاة والسلام لرأي أصحابه ونسائه.