المنطق الصوري - التصور والحكم
أولاً: التصور: وهو إدراك الماهية من غير أن نحكم عليها بنفي أو إثبات أو هو الإدراك الخالي عن الحكم.
أي: بمعنى إدراك الذهن لمعنى المفرد من غير تعرض لإثبات شيء له ولا لنفيه
عنه، فهو تصور عقلي فقط مجرداً عن أي نسبة مضافة إليه صدقاً أو كذباً.
مثال ذلك: إدراك معنى الشمس أو الفرس أو الإنسان، أو إدراك معنى اللذة أو الألم، أو معنى المرارة، ومعنى الحلاوة، ونحو ذلك.
فالتصور: هو فهم المعنى المراد به ذلك المفرد كما في الأمثلة السابقة
ونحوها دون تعرض لإثبات شيء له، ولا لنفيه عنه. وكأن صورة المفرد تنطبق في
الذهن لإدراك المتصور لمعناها.
والإدراك في الاصطلاح: هو وصول النفس إلى المعنى بتمامه، فإن وصلت إليه لا تمامه فهو المسمى في الاصطلاح بالشعور.
ثانياً: التصديق(الحكم): هو أن تحكم عليه بالنفي أو الإثبات أو هو علم
إدراك الماهية مع الحكم عليها بالنفي أو الإثبات أي إثبات أمر لأمر
بالفعل، أو نفيه عنه بالفعل، وهو إدراك الذهن للعلاقة القائمة بين موضوع
ومحمول على سبيل النفي أو الإثبات.
مثال ذلك: الكاتب إنسان.
فإدراك معنى الكاتب فقط: علم تصور.
وإدراك معنى الإنسان فقط: علم تصور.
وإدراك النسبة بين التصورين دون الحكم بوقوعها أو عدم وقوعها: علم تصور.
وأما التصديق: فهو إدراك وقوع النسبة بالفعل، وهو إدراك كون الإنسان كاتباً بالفعل.
ويلاحظ أن تسميته جاءت من أن التصديق إما جازم أو لا، والجازم إما بغير
دليل - وهو التقليد - وإما بدليل؛ فهو إما أن يقبل متعلقه النقيض بوجه وهو
الاعتقاد أولاً، وهو العلم إذن التصديق خبر، والخبر بالنظر إلى ذاته يحتمل
التصديق والتكذيب، فسموه بأشرف الاحتمالين.
ويلاحظ أيضاً أن الوصول إلى التصديق لا بد فيه من أربع تصورات:
-تصور المحكوم عليه: وهو الموضوع.-تصور المحكوم به: وهو المحمول.
-تصور النسبة الحكمية من غير حكم بوقوعها أو عدم وقوعها.
تصور وقوع النسبة الحكمية بالفعل أو عدم وقوعها.
ويلاحظ أن الموضوع في اصطلاح المنطقيين هو المعروف في المعاني بالمسند إليه وفي النحو بالمبتدأ أو الفاعل أو نائب الفاعل.
والمحمول في اصطلاحهم هو المعروف في المعاني بالمسند، وفي النحو بالخبر أو
الفعل، وإنما سمي الموضوع موضوعاً لأن المحمول صفة من صفات الموضوع أو فعل
من أفعاله. والصفة لا بد لها من موصوف، والفعل لا بد له من فاعل.
فالأساس الذي وضع لإمكان إثبات الصفات أو نفيها هو المحكوم عليه. ولذا سمي
موضوعاً كالأساس للبنيان، وسمي الآخر محمولاً لأنه كسقف البنيان لا بدله
من أساس يبنى عليه.
مثال: لو قلت: (زيد عالم) أو (زيد ضارب)، فالعلم صفة زيد والضرب فعله، ولا
يمكن أن توجد صفة بدون موصوف، ولا فعل بدون فاعل، فصار المحكوم عليه كأنه
وضع أساساً للحكم فسمي موضوعاً، وسمي ما يسند إليه من صفات وأفعال
محمولاً، لأنها لا تقوم بنفسها، فلا بد لها من أساس تحمل عليه.
ويلاحظ أن كلاً من التصور والتصديق ينقسم إلى بدهي وكسبي.
فالبدهي: هو ما لا يحتاج إدراكه إلى تأمل.
والكسبي: ما يحتاج إدراكه إلى التأمل.
فالتصور البدهي: كتصور معنى الواحد ومعنى الاثنين.
والتصديق البدهي: كإدراك أن الواحد نصف الاثنين، وأن الكل أكبر من الجزء.
والتصور الكسبي: مثّل له بعضهم بتصور الملائكة والجنة، ومن أمثلته: تشخيص الطبيب لعين المريض؛ فهو تصور له بعد بحث وتأمل ونظر.
والتصديق الكسبي: كقولك: الواحد نصف سدس الاثني عشر، وربع عشر الأربعين.
مباحث الألفاظ من حيث صلتها بالمعاني والدلالات
المباحث: جمع مبحث، وهم اسم مكان بمعنى مكان البحث، والبحث: هو الفحص
والتفتيش عن الألفاظ من حيث التركيب والإفراد ونحو ذلك كالكلية والجزئية…
الخ.
أولاً: تقسيم اللفظ من حيث الأفراد والتركيب:
الألفاظ الدالة على معان إما أن تكون مفردة أو مركبة:
اللفظ المفرد: وهو ما لا يقصد بجزئه الدلالة على جزء معناه أو: (ما لا يدل جزؤه على جزء معناه وينقسم إلى الأسماء والأفعال والحروف).
فإنه إن دل بذاته دلالة مطلقة مجردة عن الزمان فهو الاسم، وإن دل بذاته
دلالة مقترنة بأحد الأزمنة الثلاثة فهو الفعل، وإن توقفت دلالته على
اقترانه بغيره فهو الحرف.
اللفظ المركب: (وهو ما قصد بجزء اللفظ الدلالة على جزء المعنى والمركب هو:
(ما يدل جزئه على جزء معناه دلالة مقصودة خالصة. فخرج بقولهم: (ما دل
جزؤه) ما لا جزء له أصلاً كباء الجر ولامه، وماله جزء لا دلالة له على شيء
كبعض حروف زيد.
وخرج بقولهم: (على جزء معناه): ما له جزء وله دلالة؛ ولكن لا على جزء
معناه كأبكم، فإن نصف الأول وهو (الأب) يدل على ذات متصف بالأبوة، ونصفه
الأخير وهو (كم) يدل على سؤال عن عدد، ولكن ليس واحدٌ منهما يدل على جزء
المعنى المقصود بالأبكم.
وخرج بقولهم: (مقصودة) العلم الإضافي؛ كعبد الله، فإن جزءه الأول يدل على
العبد، والثاني يدل على الخالق جل وعلا، ولكن هذه الدلالة ليست مقصودة؛
لأن المقصود جعل اللفظين علماً للشخص معيناً له عن غيره من الأشخاص.
وخرج بقولهم: (خالصة): ما لو قصد في تسمية الإنسان بعبد الله مثلاً أنه
متصف بالعبودية لله، فإن دلالة جزء اللفظ على جزء المعنى حينئذ مقصودة
لكنها غير خالصة من شائبة العلمية.
ثانياً: تقسيم اللفظ من حيث عموم المعنى وخصوصه:
تنقسم الألفاظ من حيث ما تدل عليه من المعاني إلى نوعين:
أصلي الدلالة:
وهو ما كان مستعملاً للدلالة على المعاني التي وضعت لها في الأصل.
ومثاله: لفظ الأسد حين يطلق على الحيوان المعروف، والغالب لهذا النوع من
الأسماء أن يدل على المعنى الواحد باسم واحد، فإن دل على المعنى الواحد
بأسماء كثيرة فإنها تسمى مترادفة، وذلك كدلالة الليث والأسد والغضنفر على
نفس الحيوان المعروف
مغير الدلالة:
وتغير الدلالة إما أن يكون على سبيل النقل أو على سبيل المجاز والاستعارة أو على سبيل الاشتقاق.
واللفظ سواء كان مستعملاً في معناه الأصلي أو في غيره ينقسم بحسب عموم المعنى وخصوصه إلى قسمين
القسم الأول: جزئي:
"وهو ما يمنع تصور معناه من وقوع الشركة فيه فالذهن حين يتصوره لا يستطيع أن يجعل دلالته لأكثر من واحد.
مثاله: زيد وغيره من أسماء الأعلام والمدن والجبال ونحوها، فمعنى كل منها خاص به فحسب.
القسم الثاني: كلي:
"وهو ما لا يمنع تصور معناه من وقوع الشركة فيه فالذهن يصح له من مجرد تصوره أن يجعل معناه صادقاً على الكثيرين.
مثاله: الإنسان والحيوان والشجر ونحوها من كل ما يصح أن يصدق معناه على الكثيرين.
ويلاحظ أن الكلي ينقسم باعتبار استواء معناه في أفراده وتفاوته فيها إلى متواطئ ومشكك.
فالمتواطئ: (وهو اتحاد المعنى في أفراد) وهو أي أفراده:- (هي التي تدل على
أعيان متعددة بمعنى واحد مشترك بينها وقيل: هو الكلي الذي استوى أفراده في
معناه.
مثاله: الإنسان والرجل والمرأة.
فإن حقيقة الإنسانية والذكورة والأنوثة مستوية في جميع الأفراد، وإنما التفاضل بينها بأمور أُخر زائدة على مطلق الماهية.
والمشكك: (هو ما اختلف في أفراده بالشدة والضعف وقيل: هو الكلي الذي تتفاوت أفراده في معناه بالقوة والضعف
مثاله: النور والبياض.
فالنور في الشمس أقوى منه في السراج والبياض في الثلج أقوى منه في العاج.
ويلاحظ أيضاً أن الكلي ينقسم باعتبار تعدد مسماه وعدم تعدده إلى مشترك ومنفرد:
فالمشترك: (هو ما اتحد منه اللفظ وتعدد المعنى وقيل: (اللفظ الواحد الذي يطلق على موجودات مختلفة بالحد والحقيقة إطلاقاً متساوياً
مثال: العين للباصرة والجارية، والقرء للطهر والحيض.
والمنفرد: أن يكون للكلي مسمى واحد.
مثال: الإنسان والحيوان ونحو ذلك.
فالحقيقة الذهنية التي هي مسمى اللفظ واحدة، وإنما التعدد في الأفراد الخارجية.
وينقسم الكلي أيضاً باعتبار وجود أفراده في الخارج وعدم وجودها فيه إلى ستة أقسام:
كلي لم يوجد من أفراده فرد واحد في الخارج مع أن وجود فرد منها مستحيل عقلاً.
مثاله: الجمع بين الضدين.
كلي لم يوجد من أفراده فرد واحد في الخارج مع جواز وجوده عقلاً.
مثاله: بحر من زئبق وجبل من ياقوت.
كلي وجد منه فرد واحد مع استحالة وجود غيره من الأفراد عقلاً.
مثاله: الإله الحق خالق كل شيء ورب كل شيء والقادر على كل شيء.
كلي وجد منه فرد واحد مع جواز وجود غيره من الأفراد عقلاً. هذا ما أثبت وجوده العلماء اليوم.
مثاله: الشمس.
كلي وجدت منه أفراد كثيرة ولكنها متناهية.
مثاله: الإنسان والحيوان.
كلي وجدت منه أفراد كثيرة وغير متناهية.
مثاله: العدد
ثالثاً: النظر إلى اللفظ بحسب دلالته على المعنى:
يعرف هذا البحث عند المناطقة باسم مبحث الدلالة، والمقصود عندهم منه هو دلالة اللفظ وضعاً.
والوضع في الاصطلاح: هو تعيين أمر للدلالة على أمر، وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام: المطابقة والتضمن والالتزام.
دلالة المطابقة:
وهي دلالة اللفظ على تمام المعنى الموضوع له اللفظ
مثاله: دلالة الرجل على الإنسان الذكر، ودلالة المرأة على الإنسان الأنثى.
دلالة التضمن:
(وهي دلالة اللفظ على جزء من أجزاء المعنى المتضمن له) ولا تكون إلا في المعاني المركبة.
مثاله: دلالة لفظ إنسان على الحيوان أو على الناطق ودلالة البيت على الجدران أو على السقف.
دلالة الإلتزام:
(وهي دلالة اللفظ على أمر خارج عن المعنى لازم له لزوماً ذهنياً بحيث يلزم من فهم المعنى المطابقي فهم ذلك الخارج اللازم
مثاله: دلالة الأربعة على الزوجية، والزوجية في الاصطلاح: هي الانقسام إلى متساويين، ودلالة لفظ السقف على الجدار.
ويلاحظ أن هذا النوع من الدلالة يشترط فيه وضوح اللزوم الذهني بين اللفظ وما يلازمه.
رابعاً: تقسيم الألفاظ بحسب علاقة معانيها بالماهيات:
اللفظ الكلي ينقسم بحسب وظيفة معناه في تحديد ماهية الشيء الموصوف به إلى قسمين:
كلي ذاتي: (أن يكون داخلها في الذات بأن يكون جزءاً من المعنى المدلول
للفظه وهو يكون معناه جزءاً أساسياً من ذات الموصوف به، أي: أن معناه
يعتبر مقوماً له وجزءاً من حقيقته وجوهره، ويشمل الجنس والنوع والفصل؛
كالحيوان الناطق بالنسبة للإنسان.
كلي عرضي: (أن يكون خارجاً عن الذات بأن لم يكن جزء من المعنى المدلول
للفظه وهو الذي يمثل معناه صفة عارضة لذات الموصوف، أي ليس عنصراً تلتئم
منه ذاتيته، وإنما هو عارض له بعد تقويمه، وشمل العرض الخاص (الخاصة)
والعرض العام. كالماشي والضاحك بالنسبة للإنسان.
وبهذا نصل إلى الكلام عن الكليات الخمس:
الجنس والنوع والفصل والعرض الخاص والعرض العام. والتي تمثل مبادئ التصورات، وهي وأمثلتها موضوع المبحث التالي.
التصورات
مبادئ التصورات
سبق أن تبين أن اللفظ الكلي ينقسم بحسب وظيفة معناه في تحديد ماهية الشيء الموصوف إلى قسمين:
الذاتي: (هو الذي يدخل في حقيقة جزئياته كالحيوان بالنسبة للإنسان وهو
الذي يمثل معناه صفة عارضة لذات الموصوف، وهو ما يمثل الجواب عن السؤال
بلفظة "أي" التي يسأل بها عن ما يميز المسئول عنه، ويفصله عما يشاركه
ذاتياً كان أو عرضياً، والجواب ينحصر إما في العرض الخاص، أو العرض العام.
وبذلك يصل البحث إلى الكليات الخمس التي هي أقسام الذاتي والعرض، وتفصيلها على النحو التالي:
الجنس:
المقصود بالجنس عند أهل المنطق: قول كلي يقال على كثيرين مختلفين في
الحقيقة يقع في جواب ما هو أو هو المحمول على كثيرين مختلفين بالنوع من
طريق ما هو. أو هو جزء الماهية الذي هو أعم منها لصدقه عليها وعلى غيرها.
مثاله: لفظ الحيوان.
فإنه يطلق على الإنسان والفرس والثور، فإن حقيقة كل من الإنسان والفرس
والثور تختلف عن الآخر، ولكن يجمعها كلها أنها تندرج تحت كلمة حيوان لأنه
جنسها.
ويلاحظ أن الحيوان-في هذا المثال- هو جزء من ماهية الإنسان لأن الإنسان-
على قول أهل المنطق- مركب من حيوان ناطق فالحيوان جزء ماهيته الصادق بها،
وكذلك الفرس والثور ونحوها.
- النوع:
قول كلي يقال على كثيرين متفقين في الحقيقة مختلفين في العدد واقع في جواب
ما هو، وهو ما يترتب تحت الجنس، أو هو الكلي الذي هو تمام ماهية أفراده.
مثاله: زيد وعمرو وبكر وخالد وهند. فقولك: ما هو زيد؟ وما هو عمرو؟ وما هو
بكر؟ وما هو خالد؟ وما هي هند؟ الكلمة التي تحمل على الجميع هي النوع؟
فجواب ذلك أن تقول: الإنسان لأنه القدر المشترك بين الأفراد. فالإنسان
نوع، فهم متفقون في الحقيقة الإنسانية ولكن يختلف كل شخص منهم عن الآخر.
ويلاحظ أن كلاً من الجنس والنوع يقع في جواب"ما هو" غير أن الجنس يطلق على
كثيرين مختلفين في الحقيقة، والنوع يطلق على كثرين متفقين في الحقيقة؛
فالجنس أعم من النوع لأنه يشتمل على أنواع كثيرة.
ويلاحظ أيضاً أن الجنس قد يكون نوعاً لجنس أعلى منه مثل الحيوان "نوع"
بالنسبة للجسم "جنساً"، فإن الجسم أعم من الحيوان حيث يشتمل عليه وعلى
غيره كالجمادات ونحوها، وهذا الاعتبار يكون الجنس نوعاً لما هو أعلى منه
وجنساً لما هو أخص منه، فإن الحيوان جنس للإنسان والفرس ونوع للجسم، وهكذا
حتى ينتهي الأمر في الارتقاء وإلى جنس واحد لا جنس فوقه، يسمى جنس
الأجناس، وينتهي الأمر في الانحطاط إلى نوع لا نوع بعده يسمى نوع الأنواع.
كيف يعتبر أصغر الأنواع نوع الأنواع؟ وإنما الذي يعتبر أكبرها هو نوع
الأنواع.
الفصل: وهو القسم الثالث للذاتي:
وهو كلي مقول على كثيرين متفقين بالحقيقة في جواب أي شيء هو في ذاته فهو
يمثل صفة أو صفات ذاتية تفصل نوعاً عن غره من الأنواع المشتركة معه في جنس
واحد، وذلك كلفظ الناطق الذي يحمل على الإنسان فيفصله عن الفرس والثور
اللذين يشتركان معه في الجنس وهو الحيوانية.
ويلاحظ أن الفصل بالنسبة للنوع مقوم له، وبالنسبة للجنس مقسم له؛ فالناطق
في المثال السابق داخل في تعريف الإنسان الذي هو النوع مقوم له، وفي نفس الوقت قسم من أقسام الجنس الذي هو الحيوان.
ويلاحظ أن هذه الأقسام الثلاثة من الكليات من قبيل الذاتي.
العرض الخاص (الخاصة):
كلى خارج عن الماهية مختص بها، وعى خاصا لأنه يختص بنوع واحد فقط من أنواع الجنس ويميزه عن غيره من الأنواع الأخرى
مثل: ضاحك بالنسبة لنوع الإنسان؛ فإنه يميزه عن بقية أنواع جنسه كالفرس
والثور مثلا، وسواء وجدت صفة الضحك في كل أفراد الإنسان أم لا فإنها تميز
الإنسان عن غيره وتختص به هو، وكذلك صفة الكاتب والقارئ مع أنها تختص ببعض
أفراد النوع- إذ ليس كل إنسان قارئاً أو كاتبا- فإنها خاصة به دون غيره.
العرض العام:
هو الكلي الخارج عن الماهية الشامل لها ولغيرها، وعي عاما لأنه يعم أكثر
في نوع واحد سواء وصفت به جملة النوع كصفة البياض بالنسبة للقطن والثلج
واللبن، أو وصفت به بعض أشخاص النوع كالحركة بالنسبة للنبات والفرس
والإنسان.
ويلاحظ أن معنى لفظ العرض انه ليس جزءاً في الحقيقة ولكنه من لوازم النوع.
وبهذا القدر المختصر من الكلام عن الكليات الخمس ينتهي الكلام عن مبادئ
التصورات ويأتي الكلام عن مقاصد التصورات وهي والحدود والتي تعتبر الكليات
الخمس بمثابة الأساس لها.
مقاصد التصورات (التعريفات)
مقاصد التصورات هي التعريفات والحدود. وأهل المنطق يعتبرون مبحث التعريف
بالحد والقياس البرهاني لب المنطق وجوهره، وما عدا هذين -أعني ما أصبح
مشهوراً باسم القياس المنطقي والحد الأرسطي- فهو نوع متفرع عنهما أو مكمل
لهما.
ويراد من التعريف للشيء، أن يكون ذلك التعريف جامعاً لجميع أفراد ذلك
الشيء بحيث لا يخرج عنه فرد، وأن يكون مانعاً لكل ما سواها من الدخول فيها.
ويلاحظ أن التعريف للشيء يقوم على:
إدراج النوع تحت جنسه، سواء كان الجنس القريب أو البعيد.
تم تمييزه بصفة جوهرية فيه أو بخاصة من خواصه.
والتعريف ينقسم إلى قسمين:
التعريف بالحد والتعريف بالرسم.
وتفصيل الكلام فيهما على النحو التالي:
أولاً: التعريف بالحد:
المراد بالحد عند أهل اللغة هو المنع أو الفصل بين شيء وآخر. والمراد
بالحد عند أهل المنطق هو: (القول الدال على ماهية الشيء وإنما يكون القول
دالاً على ماهية الشيء إذا كان يجمع صفاته الذاتية واللازمة على وجه يتم
به تحديده وتمييزه عن غيره، وسمي الحد حداً لأنه يمنع أفراد المحدود من
الخروج، ويمنع غيرها من الدخول.
والتعريف بالحد ينقسم إلى ما يكون بالحد التام وما يكون بالحد الناقص، وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: الحد التام:
هو ما يتركب من الجنس والفصل القريبين كتعريف الإنسان بالحيوان الناطق أي
تعريف الماهية بذكر المقومات الذاتية المشتركة (الجنس) والمقومات الذاتية
الخاصة (الفصل) أو على وجه الدقة يقال للتعريف بالحد التام: هو ما يكون
بالجنس القريب والفصل.
مثال ذلك: تعريف الإنسان بأنه حيوان ناطق.
فالجنس القريب: وهو مقومه الذاتي المشترك فيه مع غيره (حيوان).
والفصل: وهو مقومه الذاتي الخاص به المميز له عن غيره (ناطق).
ثانياً: الحد الناقص:
التعريف بالحد الناقص: (هو ما تألف من الجنس البعيد والفصل أو ما كان بالفصل وحده.
مثال ذلك: تعريف الإنسان بأنه جسم ناطق.
فكلمة (جسم) تمثل جنساً بعيداً للإنسان لا يدل على طبيعته على وجه الدقة.
وكلمة (ناطق) فصل مميز ذاتي يختص به وحده.
وعدم الدلالة على حقيقة المعرَّف وماهيته في ذلك المثال هو ما جعل ذلك التعريف من قبيل الحد الناقص.
وكذلك الحال إذا اكتفينا في التعريف بالفعل وحده.
ثانياً: التعريف بالرسم:
هو التعريف المؤلف من الصفات العرضية أو بعضها للشيء المعرَّف، ويسمى
التعريف الوصفي أو التعريف بالرسم؛ لأنه يعرَّف الشيء بذكر خاصة من خواصه
تميزه عن بقية الأشياء الأخرى، فالتعريف بالرسم: يرسم صورة ظاهرة للشيء
دون الكشف عن حقيقته وماهيته.
والتعريف بالرسم ينقسم إلى التعريف بالرسم التام والتعريف بالرسم الناقص، والتفصيل كالآتي:
التعريف بالرسم التام:
وهو المؤلف من الجنس القريب والخاصة أي من مميز ذاتي مشترك مع صفة ليست جزءاً من الماهية، لكنها لازمة لها، وهي خاصة.
مثال ذلك: تعريف الإنسان بأنه حيوان ضاحك أو حيوان كاتب.
التعريف بالرسم الناقص:
هو التعريف المؤلف من الجنس البعيد والخاصة أو بالخاصة وحدها
مثال ذلك: تعريف الإنسان بأنه جسم كاتب أو جسم ضاحك.
فالجسم: جنس بعيد للإنسان، وكاتب -ومثلها ضاحك-: خاصة.
أو تعريف الإنسان بأنه ضاحك، فهذا تعريف بالخاصة وحدها.
شروط التعريف:
لكي يؤدي التعريف إلى الغاية المقصودة منه اشترط أهل المنطق له عدة شروط هي:
الشرط الأول: أن يكون التعريف بالحد التام المبين للماهية والكاشف عن الحقيقة.
الشرط الثاني: أن يكون التعريف جامعاً مانعاً، أي جامعاً لكل أفراد غيره،
ومعنى ذلك أن التعريف لا بد أن يكون مساوياً للمعرف من جهة الماصدق.
فلا يكون أعم: أي أوسع مجالاً من المعرّف.
ولا يكون أخص: أي أضيق مجالاً من المعرّف.
الشرط الثالث: أن يكون التعريف أوضح من المعرّف في المعنى لكي تتحقق الفائدة المقصودة من التعريف.
مثال ذلك: تعريف الغضنفر بالأسد؛ لأن الأسد أظهر وأوضح عند السامع من
الغضنفر، ولا يجوز أن يكون التعريف مساوياً للمعرّف في الظهور أو أخفى منه.
مثال الأول: تعريف الزوج بما ليس فرداً.
الشرط الرابع: أن لا يكون التعريف بما لا يعرف إلا بواسطة الشيء المعرّف؛ لأن ذلك يدخل فيما يعرف بالدور السبقي، وهو ممتنع.
مثال ذلك: تعريف الشمس بأنها كوكب يطلع نهاراً، فالنهار في الحقيقة إنما يعرف بطول الشمس وليس العكس.
ويلاحظ في هذا الشرط عدم جواز إدخال الأحكام في الحدود التي أساسها التصور؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
الشرط الخامس: أن لا يكون التعريف للشيء بنفسه، بمعنى تعريفه بمرادفه أو ببعضه.
مثال ذلك: تعريف الحركة بأنها هي النقلة، فالنقلة من أقسام الحركة، أو تعريف الزمان بأنه مدة الحركة؛ إذ المدة مرادفة للزمان.
الشرط السادس: أن يكون التعريف خالياً من المجاز إلا مع قرينة تعين
المقصود بالتعريف، وأن يكون خالياً من الألفاظ المستعارة والغريبة
والوحشية، بل يجب أن تستعمل فيه الألفاظ الواضحة المعتادة.
خلاصة:( ينبغي أن يكون التعريف جامعا مانعا في محتواه، واضحا في معناه، لا لغو فيه، ولا سلب في تعبيره)
المفهوم والماصدق
كل اسم أو حد إما أن يشير إلى موضوع أو موضوعات معينة، وإما أن يشير إلى
صفة أو صفات يحتويها ذلك الموضوع أو تلك الموضوعات. والأشياء أو الموضوعات
التي يشير إليها الاسم أو الحد تسمى بالماصدق. أما الصفات أو الكيفيات
فتسمى بالمفهوم.
يطلق لفظ المفهوم في إصلاح المناطقة، ويراد به مجموعة الصفات والخصائص
الذهنية التي يثيرها اللفظ في ذهن السامع والقارئ، أي: هو ما يفهم من
اللفظ، أي: معناه.
أما الماصدق: فهو المسميات الخارجية التي يصدق عليها اللفظ، أي: أنه يدل
على الأفراد التي ينطبق عليها اللفظ، وهي الأشياء التي جاء هذا اللفظ
ليسميها.
أو بعبارة أخرى: الماصدق يطلق على الأفراد المندرجة تحت مفهوم اللفظ، فلكل اسم أو حد إذن ناحيتان:
أ- ناحية الماصدق:
أي ناحية الإشارة إلى أفراد أو أشياء يتحقق فيهم أو يصدق عليهم اللفظ.
ب- ناحية المفهوم:
أي مجموعة الصفات والخصائص الذهنية التي تحمل على هؤلاء الأفراد.
مثال ذلك: لفظ (معدن) فيه جانبان:
أحدهما: يدل على ذاتية المعدن أو صفاته الجوهرية التي منها تتقوم حقيقته
وتتميز عن غيرها؛ وذلك جانب المفهوم؛ وهو أنه موصل جيد للحرارة والكهرباء،
سهل الطَرْق والتشكيل.
وثانيهما: يدل على الأفراد أو الجزئيات التي تندرج تحت هذا المفهوم، وذلك
جانب الماصدق. وهو في هذا المثال: الحديد والنحاس والرصاص والذهب… الخ.
ويلاحظ أنه يوجد نوع من العلاقة العكسية بين المفهوم والماصدق؛ فكلما زادت
خصائص المفهوم قلت أفراد الماصدق، وكلما قلت خصائص المفهوم زادت عدد
الماصدق.
القضايا (التصديقات)
مدخل:
تبين - مما سبق - أن التصور هو إدراك حقيقة الشيء وماهيته إدراكاً ذهنياً دون حكم عليه بصدق أو كذب.
وتبين أيضاً أن الطريق المعتمد لوصول إلى ذلك التصور عند أهل المنطق هو التعريف بالحد التام، وهو ما يعرف بالحد الأرسطي.
واشتهر عن أهل المنطق -سواء من تصريحهم أو من طريقة عرضهم لهذه المسائل
وما تقتضيه- أنه لا يمكن الوصول إلى التصور النظري إلا بالحد الأرسطي.
وعلى كل حال، فالتصور يمثل الخطوة الأولى في العلوم التي ينبني عليها ما بعدها من التصديقات والاستدلالات.
وأما التصديق -كما سبق ذكره- فهو الحكم بالارتباط بين تصورين، فإذا جاء
الحكم مطابقاً للواقع كان صادقاً، وإذا جاء مخالفاً للواقع كان كاذباً.
فإذا كان التصور لا يحكم فيه بصدق أو كذب، فإن التصديق لا يقوم إلا على حكم.
والحكم يحتاج في التعبير عنه إلى تركيب خبري يحتمل الصدق والكذب؛ هذا التركيب يسمى في المنطق "قضية".
هذه القضية وأقسامها وما يتعلق بها، سوف أتناولها تحت عنوان: مبادئ التصديقات.
ثم يأتي بعد ذلك الكلام عن الارتباط بين هذه "القضايا المنطقية" وصولاً
إلى الاستدلال الذي يمثل المقصود الأعظم من فن المنطق كله، وهو ما أتناوله
تحت عنوان: مكانة القياس المنطقي: (مقاصد التصديقات)، وهو ما يمثل الفصل
الثاني من القسم الثالث.
(القضايا المنطقية)
والقضية المنطقية هي قول مؤلف يحكم فيه بنسبة شيء إلى شيء على سبيل
الإيجاب أو السلب، ويسمى طرفاً للقضية حدين، وهما اللذان يحكم بنسبة
أحدهما للآخر.
وتتركب القضية المنطقية -كما سبق بيانه- من الموضوع والمحمول والرابطة بينهما:
أنواع القضايا:
تنقسم القضايا من حيث تركيبها إلى الحملية والشرطية كالآتي:
أولاً: القضية الحملية:
وهي التي يحكم بها بإثبات شيء بشيء أو نفي شيء عن شيء
وتنقسم القضية الحملية من حيث الكم إلى كلية وجزئية:
فالقضية الحملية الكلية: هي التي يكون الحكم فيها واقعاً على كل أفراد الموضوع.
والقضية الحملية الجزئية: هي التي يكون الحكم فيها واقعاً على بعض أفراد الموضوع.
وتنقسم القضية الحملية من حيث الكيف إلى موجبة وسالبة كالآتي:
القضية الحملية الموجبة: هي التي يكون الحكم فيها بإثبات شيء لشيء، بمعنى أن المحمول فيها يثبت صفة للموضوع.
والقضية الحملية السالبة: هي التي يكون الحكم فيها بنفي شيء عن شيء، بمعنى أن المحمول فيها يُنفى عن الموضوع.
السور في القضية الحملية:
المقصود عند أهل المنطق بكلمة "سور القضية" هو ما يدل على الكلية والجزئية فيها تشبيها له بالسور الذي يحيط بالمنزل.
وتعريف السور عند أهل المنطق: هو اللفظ الدال على إحاطة المحمول بجميع أفراد الموضوع أو بعضها إيجاباً وسلباً.
وبذلك ينقسم سور القضية الحملية إلى أربعة أقسام على النحو التالي:
سور كلي إيجابي: نحو (كل) و(عامة) وما شابه ذلك.
سور كلي سلبي: نحو (لا شيء) و(لا واحد) ونحوهما.
سور جزئي إيجابي: نحو (بعض).
سور جزئي سلبي: نحو (بعض ليس) و(ليس بعض).
والقضية الحملية لا بد لموضوعها من أحد أمرين:
إما أن يكون كلياً، وإما أن يكون جزئياً.
فإن كان موضوعاً كلياً فله مع السور خمس حالات:
أن يُسوَّر بسور كلي إيجابي.
أن يسور بسور كلي سلبي.
أن يسور بسور جزئي إيجابي.
أن يسور بسور جزئي سلبي.
أن يهمل من السور.
وهذا القسم بمنزلة الكليةالجزئية.
فأقسام القضية الحملية التي موضوعها كلي أربعة في الحقيقة؛ لأن المهملة في قوة الكلية.
وأما إن كان موضوعها جزئياً فهي التي تسمى شخصية ومخصوصة، ولها مع السور حالتان:
أن تكون موجبة: نحو (زيد قائم).
أو تكون سالبة: نحو (زيد ليس بقائم).
فتحصل أن القضية الحملية باعتبار الكيف والكم ستة أقسام:
كلية موجبة: مثال (كل إنسان حيوان).
كلية سالبة: مثال (لا شيء من الإنسان بحجر).
جزئية موجبة: مثال (بعض الحيوان إنسان).
جزئية سالبة: مثال ( بعض الحيوان ليس بإنسان).
شخصية موجبة: مثال (زيد قائم).
شخصية سالبة: مثال (زيد ليس بقائم).
ثانياً: القضية الشرطية:
"ما تركبت من جزأين ربط أحدهما بالآخر بأداة شرط أو عناد".
مثال: إذا كانت الشمس طالعة فالنهار موجود.
والعدد إما زوج وإما فرد
إذن تتألف القضية الشرطية من قضيتين حمليتين ترتبطان بأداة ربط معينة، تسمى القضية الأولى: "مقدم"، وتسمى القضية الثانية: "تالي".
وعلى أساس الأداة التي تربط بين المقدم والتالي يختلف نوع القضية الشرطية، فهي إما شرطية متصلة، وإما شرطية منفصلة.
ويلاحظ أن تسميتها بالشرطية تمييزاً لها عن القضية الحملية التي هي مطلقة؛ لأن الحكم فيها أطلق بلا شرط أو قيد.
أما القضايا الشرطية فإن الحكم فيها يتوقف على استيفاء شرط معين، فهي مشروطة بهذا الشرط.
ويلاحظ أيضاً أن القضية الحملية التي تدخل في تركيب القضية الشرطية ينتفي
كونها قضية مستقلة بارتباطها بالقضية الأخرى؛ إذ إنها تصبح مجرد جزء من
قضية أكبر، هي التي يقال عنها إما صادقة وإما كاذبة.
ويلاحظ أيضاً أن القضية الحملية يكون كل طرف من طرفيها مفرداً غير مركب،
بينما القضية الشرطية -كما سبق- لا بد أن يكون كل من طرفيها مركباً، ولذلك
تسمى القضية الحملية قضية بسيطة، وتسمى القضية الشرطية قضية مركبة. وتفصيل
الكلام على نوعي القضية الشرطية على النحو التالي:
القضية الشرطية المتصلة: هي التي يكون الحكم فيها بتعليق أحد طرفيها على
الآخر، وهي قضية تتكون من قضيتين حمليتين تربط بينهما واحدة من أدوات
الشرط: "إن" و"إذا" و"كلما" ونحوها، وإنما سميت متصلة لاتصال طرفيها -أي
مقدمها وتاليها- صدقاً ومعية.
صدقاً: لأنه يلزم من ثبوت الملزوم ثبوت لازمه.
ومعية: لأنه يلزم من وجود مقدمها وجود تاليها معه في المصاحبة والوجود.
وتنقسم الشرطية المتصلة بحسب الكيف إلى:
شرطية متصلة موجبة: مثال: كلما كانت الشمس طالعة، كان النهار موجوداً.
شرطية متصلة سالبة: مثال: ليس كلما كانت الشمس طلعة، كان الليل موجوداً.
القضية الشرطية المنفصلة: وهي التي يكون الحكم فيها بالتنافي والعناء أو
بسلبه بين طرفيها، وهي تتكون من قضيتين حمليتين بينهما رابطة تفيد معنى
الفصل والمباعدة، وتتمثل هذه الرابطة في أداة "إما".
وتنقسم الشرطية المنفصلة أيضاً بحسب الكيف إلى:
شرطية منفصلة موجبة: مثال: هذه الزاوية إما حادة وإما منفرجة.
شرطية منفصلة سالبة: مثال: ليس إما أن يكون هذا العدد زوجاً وإما منقسماً بمتساويين.
السور في القضية الشرطية:
أولاً: سور القضية الشرطية المتصلة:
هي كل لفظ يدل على الحكم بالمتلازم أو بعدمه في كل الأحوال والأزمان أو بعض الأحوال والأزمان، وعلى ذلك يتنوع بحسب نوع القضية.
فإن كانت الشرطية كلية موجبة: كان سورها يدل على الكم بالتلازم بين المقدم التالي في جميع الأحوال والأزمان كلفظ: كلما، ومهما، ومتى.
مثال ذلك: كلما كثر مال المرء زاد حبه للمال.
وإن كانت كلية سالبة: كان سورها هو اللفظ الدال على سلب التلازم بين
المقدم والتالي في جميع الأحوال والأزمان، وهو "ليس البتة" و"ليس أبداً".
مثال: ليس البتة إذا كان الماء بخاراً كان أثقل من الهواء.
وإن كانت جزئية موجبة: كان سورها يفيد الحكم بالتلازم بين مقدمها وتاليها في بعض الأحوال والأزمان.
ويستعمل لذلك اللفظ "قد يكون".
مثال ذلك: وقد يكون إذا كان الطالب مجداً في دروسه كان ناجحاً في الامتحان.
وإن كانت الشرطية المتصلة جزئية سالبة: كان السور ما يدل على رفع التلازم
بين طرفيها في بعض الأحوال والأزمان، ويستعمل لذلك "قد لا يكون" و"ليس
كلما".
مثال ذلك: قد لا يكون إذا كان الطالب مجتهداً كان ناجحاً.
ثانياً: سور الشرطية المنفصلة:
يتنوع كذلك سور القضية المنفصلة بحسب أنواعها:
فإن كانت كلية موجبة؛ كان سورها اللفظ الدال على التنافي والتعاند بين طرفيها في جميع الأحوال والأزمان، وهو: "دائماً".
مثال: دائماً إما أن يكون الجو حاراً وإما أن يكون بارداً.
وإن كانت كلية سالبة: كان السور فيها ما دل على سلب التنافي والعناد بين
طرفيها في جميع الأحوال والأزمان، ويدل على ذلك باللفظ: "ليس البتة".
مثال: ليس البتة إما أن يكون العدد فرداً أو غير قابل للقسمة على اثنين.
وإن كانت جزئية موجبة: كان السور ما دل على العناد بين المقدم والتالي في بعض الأحوال أو الأزمان، ويدل على ذلك باللفظ: "قد يكون".
مثال: قد يكون إما أن يكون الشيء نامياً وإما أن يكون جماداً.
وإن كانت جزئية سالبة: كان سورها اللفظ الدال على سلب العناد بين مقدمها
وتاليها في بعض الأحوال والأزمان، واللفظ الدال على سلب العناد بين مقدمها
وتاليها في بعض الأحوال والأزمان المستعمل لذلك: " قد لا يكون" و"وليس
دائماً".
مثال: قد لا يكون إما أن يكون الشيء حيواناً وإما أن يكون إنساناً.
القياس المنطقي
المبحث الأول: تعريف القياس
المبحث الثاني: أشكال القياس
المبحث الثالث: شروط إنتاج القياس
مدخل في مقاصد التصديقات:
القياس المنطقي، وهو المقصود الأصلي من فن المنطق اليوناني، وهو الجزء
الجوهري من المنطق اليوناني، وهو العمدة عند أهل المنطق تحصيل المطالب
التصديقية التي هي أشرف من التصورية.
وإذا كان القياس عند أهل المنطق: "هو قول مؤلف من قضيتين أو أكثر يستلزم
قضية أخرى"، فإن هذا يبين أن القضايا المنطقية هي الأساس الذي ينبني عليه
القياس المنطقي، والقضية المنطقية هي التركيب الخبري الذي يحتمل الصدق
والكذب فهي التصديق.
والتصديق أساسه التصور والتصور لا يعرف-عند المناطقة- إلا بالتعريف بالحد
التام، والحد التام يعتمد على مباحث الألفاظ وعلاقاتها بالمعاني والدلالات
توصلاً إلى الكليات الخمس أساس التعريف كله.
وهكذا يتبين للباحث أن كل مسائل المنطق إنما سيقت وصيغت للوصول إلى القياس
المنطقي الذي يمثل الركن الرئيسي من أركان المنطق اليوناني.
والكلام عن القياس المنطقي يتمثل في الكلام عن تعريف القياس وأشكال القياس
وشروط الإنتاج في القياس الاقتراني الحملي على التفصيل التالي:
المبحث الأول: تعريف القياس
تعريف القياس عند أهل المنطق هو قول مؤلف من أقوال إذا صحت لزم عنها
بذاتها لا بالغرض قول آخر غيرها اضطرار وقيل أنه: قول مؤلف من قضيتين -أو
أكثر- يستلزم لذاته قضية أخرى. فخرج بقولهم: "مؤلف من قضيتين" ما ليس
بمؤلف كالقضية الواحدة، وخرج بقولهم: "يستلزم لذاته قضية أخرى" ما لم
يستلزم قضية أصلاً، وخرج بقولهم: "لذاته" ما استلزم قضية أخرى لا لذاته بل
من أجل قضية أجنبية أو لخصوص المادة.
ويلاحظ في شرح تعريف القياس ما يلي:
أن الكلام على القياس في هذا العرض المختصر يقتصر على القياس الاقتراني
الحملي. فهو اقتراني؛ لأن عناصره فيها اقتران ونتيجته في مقدمتيه بالقوة
لا بالفعل، يعني بالمادة لا بالصورة والهيئة.
وهو قياس حملي؛ لأنه مؤلف من القضايا الحملية، وليس فيه من الشرطيات شيء.
أجزاء القياس تسمى مقدمات، ويقتصر فيه على مقدمتين فقط وهذا مشهور، وقد
يشتمل القياس على أكثر من مقدمتين، ولكنها تؤول إلى مقدمتين: المقدمة
الأولى والمقدمة الثانية.
الأجزاء التي تتألف منها مقدمتا القياس تسمى حدوداً.
لا بد في مقدمتي القياس من حد مشترك، بينما يجمع بين المقدمة الأولى
والثانية، وهذا الحد المشترك يسمى الحد الأوسط، وبواسطته ينتقل الذهن من
الحكم العام إلى الحكم الخاص. ولكل من المقدمتين حد يخصها تنفرد به عن
الأخرى، وهما طرفا الحكم الخاص الذي ينتقل إليه الذهن وهو النتيجة، ويسمى
الحد الأول في النتيجة بالحد الأصغر، وتسمى المقدمة التي تشتمل عليه
بالمقدمة الصغرى، ويسمى الحد الثاني في النتيجة بالحد الأكبر، وتسمى
المقدمة التي تشتمل عليه بالمقدمة الكبرى.
فقال: كل إنسان حيوان وكل حيوان حسّاس.
ينتج: كل إنسان حسّاس.
فالحد الأول ف بالنتيجة (الموضوع): كل إنسان؛ وهو الحد الأصغر، والمقدمة التي تشتمل لعيه تسمى المقدمة الكبرى، وهي: كل حيوان حسّاس.
فالمقدمة الكبرى هي التي تشتمل على محمول النتيجة، والمقدمة الصغرى هي التي تشتمل على موضوعها.
المبحث الثاني: أشكال القياس
يحدد وضع الحد الأوسط في المقدمتين أشكال القياس، والقسمة العقلية لوضع الحد الأوسط في المقدمتين لا تخرج عن أربعة أشكال:
الشكل الأول: يكون الحد الأوسط فيه: محمولاً في الصغرى موضوعاً في الكبرى.
مثال: كل إنسان حيوان وكل حيوان حسّاس. ينتج: كل إنسان حسًاس.
الشكل الثاني: يكون الحد الأوسط فيه: محمولاً في الصغرى والكبرى معاً.
مثال: كل إنسان حيوان، ولا شيء من الحجر بحيوان. ينتج: لا شيء من الإنسان بحجر.
الشكل الثالث: يكون الحد الأوسط فيه: موضوعاً في الصغرى والكبرى معاً ( عكس الشكل الثاني ).
مثال: كل إنسان حيوان، وبعض الإنسان كاتب. ينتج: بعض الحيوان كاتب.
الشكل الرابع: يكون الحد الأوسط فيه موضوعاً في الصغرى محمولاً في الكبرى ( عكس الشكل الأول ).
مثال: كل إنسان حيوان، وكل ناطق إنسان. ينتج: بعض الحيوان ناطق.
المبحث الثالث: شروط إنتاج القياس
أولاً: شروط الإنتاج في القياس الاقتراني الحملي:
هناك شروط عامة لا بد منها في كل قياس لكي يكون منتجاً بالضرورة، وهناك شروط تخص كل شكل من الأشكال الأربعة للقياس.
ثانياً: الشروط العامة لإنتاج القياس:
أن يكون في كل قياس مقدمة كلية؛ لأنه لا إنتاج من جزئين.
أن يكون في كل قياس مقدمة موجبة؛ لأنه لا إنتاج من سالبتين.
لا بد أن تتبع النتيجة أخس المقدمين كماً وكيفاً، فإذا كانت إحدى
المقدمتين جزئية وجب أن تأتي النتيجة جزئية، وإذا كانت المقدمتين سالبة؛
وجب أن تكون النتيجة سالبة كذلك.
ألا يستغرق في النتيجة حد لم يكن مستغرباً في مقدمته؛ بمعنى أنه لا تجيء النتيجة كلية وتكون إحدى المقدمتين جزئية
ثالثاً: الشروط الخاصة بكل شكل من أشكال القياس:
شروط إنتاج الشكل الأول:
أن تكون الصغرى موجبة والكبرى كلية.
مثال: كل إنسان حيوان، وكل حيوان فان. ينتج: كل إنسان فان.
والضروب المنتجة لهذا الشكل أربع، هي:
كلية موجبة + كلية موجبة = كلية موجبة
كلية موجبة + كلية سالبة = كلية سالبة
كلية موجبة + جزئية موجبة = جزئية موجبة
كلية سالبة + جزئية موجبة = جزئية سالبة
شروط إنتاج الشكل الثاني:
أن تختلف مقدمتاه سلباً وإيجاباً وأن تكون الكبرى كلية.
مثال: كل إنسان حيوان، ولا شيء من الجماد حيوان. ينتج: لا شيء من الإنسان بجماد.
والضروب المنتجة لهذا الشكل أربع كذلك، هي:
كلية سالبة + كلية موجبة = كلية سالبة
كلية موجبة+ كلية سالبة = كلية سالبة
كلية سالبة + جزئية موجبة = جزئية سالبة
كلية موجبة+ جزئية سالبة = جزئية سالبة
شروط إنتاج الشكل الثالث:
أن تكون الصغرى موجبة، وأن تكون إحدى المقدمتين كلية.
ويلاحظ أن ضروب هذا الشكل المنتجة لا بد أن تكون جزئية حتى لا يستغرق حد في النتيجة م يكن مستغرقاً في المقدمة.
مثال: كل إنسان حيوان، وكل إنسان ضاحك. ينتج: بعض الحيوان ضاحك.
والضروب المنتجة لهذا الشكل ستة، هي:
كلية موجبة + كلية موجبة= جزئية موجبة
كلية سالبة+ كلية موجبة = جزئية سالبة
كلية موجبة+ جزئية موجبة= جزئية موجبة
جزئية سالبة+ كلية موجبة = جزئية سالبة
كلية موجبة+ جزئية موجبة = جزئية موجبة
كلية سالبة + جزئية موجبة = جزئية سالبة
شروط إنتاج الشكل الرابع:
ألا تجتمع فيه خستان وهما ( السلب والجزئية ) سواء كانتا من جنسين أو من جنس واحد.
ويستثنى من هذا الشرط صورة واحدة: وهي كون صغراه جزئية موجبة وكبراه كلية سالبة.
مثال:كل إنسان حيوان، وكل ناطق إنسان. ينتج: بعض الحيوان ناطق.
والضروب المنتجة لهذا الشكل خمسة، هي:
كلية موجبة + كلية موجبة = جزئية موجبة
كلية موجبة + جزئية موجبة = جزئية موجبة
كلية موجبة +كلية سالبة = كلية سالبة
كلية سالبة +كلية موجبة = جزئية سالبة
كلية سالبة+ جزئية موجبة =جزئية سالبة
وهذه الصورة الأخيرة هي الحالة الوحيدة المستثناة من شرط اجتماع الخستين في هذا الشكل.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]