مقالة المنطق الصوري
السؤال المشكل... لقد اهتم المنطق التقليدي بانطباق الفكر مع ذاته فهل حافظ على تماسك العقل في ظل ظهور الطبوع الجديدة من المنطق؟
المقدمة وطرح المشكلة
من المسائل الفلسفية العويصة نجد المنطق الذي ظل بحثا فلسفيا منذ وجوده
على يد أرسطو ؛ وبقي معيار العلوم لمدة طويلة إلى غاية ظهور الطبوع
الجديدة من المنطق التي أعلنت عن سقوط المنطق السكولا ستيكي فاتجه
الاهتمام إلى انطباق الفكر مع الواقع ومن هنا اختلفت التصورات الفلسفية في
الطرح بين من يعتقدون ببقاء المنطق محافظا على دوره المحوري إلى جانب
الرؤية التي تعتقد بزواله بحكم التطور الذي طال العلوم المختلفة وفي ذلك
تساؤل.. هل يمكن القول أن المنطق التقليدي قد حافظ على تماسك أم أنه تلاشى
في الفترة المعاصرة؟
التوسيع ومحاولة حل المشكلة
الجزء الأول.. الأطروحة.. المنطق الصوري آلة تعصم الفكر من الوقوع في الخطأ
يرى أنصار الأطروحة أن المنطق منذ بدايته عمل على الحفاظ على تماسك الفكر من الوقوع في التناقض ضمن قواعد خاصة.
البرهنة..
يبرهن أنصار الأطروحة على تصورهم بفكرة أن للمنطق مباحث عند مراعاتها يبقى
العقل في سيره الصحيح ويتعلق الأمر بمبحث الحدود والتصورات والاستدلالات
وما يجعل الفكر أكثر فهما للمعرفة هو استخدامه للقضايا التي تعبر عن
الأحكام التي يصل إليها كل مفكر فهي الكلام المفهوم الذي يساعدنا على تقصي
المعاني والمفاهيم في صورة حملية أو شرطية أما الحدود والتصورات فيشكل
جوهر المعارف بحيث هو المنطلق فكل معارفنا تحمل تصورات قائمة في الذهن
بحيث لا شكل إلا بها كما أن التعريف لا يكون إلا بها كما يزودنا التعريف
بالمعارف الصحيحة البعيدة عن الخطأ والذي يشرح لنا معنى كل حد أما قواعد
الاستدلال فهي على شكل مباشر وغير مباشر ؛ فالمباشر يتمثل في التقابل
والعكس والذي يكشف عن العلاقات بين القضايا مما يوحي بالتماسك الفكري داخل
المفاهيم المنطقية ، دون تجاهل دور القياس الحملي الذي بفضله نصل إلى
نتائج دقيقة عند عملية الاستنتاج ، وفي ذلك عمل منطقي يحافظ على سلامة
العقل من الوقوع في الخطأ ويوضح كذلك أن المنطق الصوري ضروري في كل نوع من
المعرفة ويبقى كصناعة تعطي بالجملة القوانين التي من شأنها أن تقويم العقل
كما أكد الفارابي فمطلوبات الإنسان كلها تحتاج إلى المنطق فهو ضروري ودوره
هام في تنمية الفكر.
نقد الأطروحة.. يمكن الرد على هذه الأطروحة بالانتقادات التالية
لا يمكن القول أن المنطق الصوري هو أساس كل معرفة إنسانية بل هناك مناهج
أخرى للمعرفة بحيث قد تلاشت أهميته في الفترة الحديثة والمعاصرة بعد نقده
واعتباره عقيما كتحصيل حاصل لا يأتي بجديد .
الجزء الثاني.. نقيض الأطروحة.. تلاشي قيمة المنطق الصوري
يرى أنصار الأطروحة أن هناك شك في قيمة المنطق الصوري خاصة بعد ظهور
الطبوع العلمية والمنطقية الجديدة وتبدل التصور الذي ظل سائدا ألاف السنين
وسيطر على الفكر الإنساني فوجهت له جملة من الانتقادات اللاذعة وتأسس وفق
ذلك منطق جديد سمي بالمنطق الرمزي وكان أكثر خصوبة وإنتاجا من الصوري مع
بروز المنطق الاستقرائي الذي غير من البحث المنتطقي الى ميدان التجريب
الحسي ؛ مع تطور المنطق الجدلي الذي أعطى تصورات فلسفية ذات طابع جديد ،
ما يعني تلاشي أهمية منطق أرسطو كما تؤكد البحوث المنطقية انه لم يعد
ضروريا فهناك من كبار الباحثين ممن لم يتخرجوا على منطق أرسطو ورغم ذلك
كانت بحوثهم صحيحة ومنطقية مما يدل دلالة واضحة على أن هذا المنطق أصبح
تاريخيا وغير كاف في توجيه العلوم الطبيعية والرياضية والاجتماعية ويبقى
دوره محدودا بالنسبة للمعرفة وأصبح لا يتناسب مع طبيعة الدراسات العلمية
الجديدة بعدما كان أكمل العلوم وأدقها وإذا نظرنا إلى المعارف الإنسانية
نجد بأنها تستطيع توجيه معارفها وتقويمها دون إخضاعها إلى رقابة المنطق
الصوري هذا ما يعزز التأكيد على أن المنطق الصوري قد فقد مكانته التي تمتع
بها سابقا ولا يشكل دورا محوريا للمعرفة الإنسانية ولا يمكن اعتباره الآلة
التي تعصم الفكر من الوقوع في الخطأ.
نقد نقيض الأطروحة.. يمكن الرد على هذه الأطروحة بالانتقادات التالية..
ليس من شأننا أن نقلل من شأن التراث العلمي القديم بحيث كان ولا يزال بوجه
معارف الإنسان ويقومها وبالرغم من تطور المعارف إلا أنه يبقى المنطق
التقليدي من المباحث الرئيسية في الفلسفة.
الوضعية الإدماجية.. الجزء الثالث.. التركيب
بعد عرض الأطروحتين يتبين أن الدراسات العلمية الحديثة والمعاصرة رغم
تطورها إلا أنها لا تزال محتاجة إلى قوانين المنطق الصوري رغم الانتقادات
الموجهة له إذن المنطق الصوري مع تطويره يعطينا القواعد التي تقوم بها
معارفنا من الوقوع في الخطأ والتناقض إلا تجاوزنا بعض جزئياته بحكم تبلور
المنطق الرياضي والاستقرائي اللذان شكلا محور تقويم معارف العلوم في
الفترة المعاصرة.
الخاتمة وحل المشكلة
يمكن القول في الختام أن المعرفة الإنسانية حتى تغدو صحيحة وأكثر منطقية
يتوجب توظيف المنطق الصوري وكذا ربطه بالدراسات العلمية الجديدة حتى يبقى
أكثر معقولية وتناسبا مع الواقع ورغم الانتقادات الموجهة إليه إلا أن ذلك
لم ينقص من فاعليته ودوره في تثبيت المعرفة الإنسانية فيما هو صائب.