الأزمة الاقتصادية العالمية
تسود العالم حالة من الذعر والحذر
والترقب في ظل الانهيار العالمي الذي تشهده أسواق المال والبنوك والبورصات
وذلك بسبب التلاعبات المالية الكبيرة التي وقعت في الولايات المتحدة خلال
السنوات الماضية ثم انكشفت بشكل مفاجئ قبل أيام، وفي الوقت الذي يقول فيه
كثير من الخبراء إن ما حدث هو نهاية للنظام الرأسمالي وهيمنة الولايات
المتحدة على العالم وبداية لولادة نظام عالمي جديد فإن آخرين يرون أن ما
يحدث ما هو إلا بداية لذوبان جبل الجليد الذي لا يعلم أحد إلى أين يمكن أن
يصل بالوضع المالي العالمي، حيث أن الخطة التي أعلن عنها الرئيس الأميركي
وأقرها الكونغرس لن تكون سوى نقطة ستلقى في بئر عميق ليس له قرار. فانهيار
البورصات وإفلاس البنوك لا يعلم أحد متى يتوقف ولا إلى أين سينتهي
بالعالم.
نحاول فهم ما يحدث وتداعياته مع أحد أهم الخبراء المتخصصين في علم
الاقتصاد السياسي البروفسور إبراهيم عويس، والحاصل على البكالوريوس في
الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة الإسكندرية في مصر عام 1952 ثم على
درجة الماجستير والدكتوراه عام 1961 و1962 من جامعة مينيسوتا في الولايات
المتحدة الأميركية. عمل أستاذا للاقتصاد السياسي في جامعة هارفرد وجون
هوبكنز وجورج تاون التي يدرّس فيها حتى الآن، عمل كخبير في الاقتصاد
الدولي لدى عدة حكومات منها حكومات مصر والكويت وقطر وسلطنة عمان والمملكة
العربية السعودية وبنما وتايوان. تتلمذ على يديه كثير من السياسيين ورجال
الاقتصاد البارزين منهم الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون. مُنح الكثير
من الأوسمة الدولية وصدر له حتى الآن خمسون كتابا في الاقتصاد والسياسة
نشرت كلها بالإنجليزية، وضع العديد من المصطلحات الاقتصادية الدولية مثل
مصطلح البترودولار ورؤوس الأموال الحديثة.
الأسباب :
يعود حدوث الأزمات الاقتصادية في الدول الرأسمالية إلى أن النظام الحر
يرفض أن تتدخل الدولة للحد من نشاط الأفراد في الميدان الاقتصادي فأصحاب
رؤوس الأموال أحرار في كيفية استثمار أموالهم وأصحاب الأعمال أحرار فيما
ينتجون كما ونوعا . وهذا ما يمكن أن نسميه فقدان المراقبة والتوجيه .
وتستتبع الحرية الاقتصادية حرية المنافسة بين منتجي النوع الواحد من السلع
. كما أن إدخال الآلة في العملية الاقتصادية من شأنه أن يضاعف الإنتاج
ويقلل من الحاجة إلى الأيدي العاملة . وبالتالي فإن فائض الإنتاج يحتاج
إلى أسواق للتصريف . وعندما تختل العلاقة بين العرض والطلب في ظل انعدام
الرقابة تحدث فوضى اقتصادية تكون نتيجتها الحتمية أزمة داخل الدولة
الرأسمالية .
ومن أسباب الأزمة في الولايات المتحدة الأمريكية عدم استقرار الوضع
الاقتصادي وسياسة كثافة الإنتاج لتغطية حاجات الأسواق العالمية خلال الحرب
العالمية الأولى بسبب توقف المصانع في بعض الدول الأوروبية بعد تحولها إلى
الإنتاج الحربي وعودة الكثير من الدول إلى الإنتاج بعد انتهاء الحرب
والاستغناء عن البضائع الأمريكية لهذه الأسباب تكدست البضائع في الولايات
المتحدة وتراكمت الديون وأفلس الكثير من المعامل والمصانع وتم تسريح
العمال وانتشرت البطالة وضعفت القوة الشرائية وتفاقمت المشاكل الاجتماعية
والأخلاقية .
إضافة إلى ذلك أثار تلكأ الدولة الأوروبية عن تسديد الديون المتوجبة عليها
للولايات المتحدة الأمريكية كثيرا من التكهنات عند المواطن الأمريكي ففقد
المستثمرون الأمريكيون والأجانب الثقة في الخزينة الأمريكية. وانعكس ذلك
على بورصة وول ستريت إذ أقدم المساهمون في الشركات الكبرى على طرح أسهمهم
للبيع بكثافة. وأدى ذلك إلى هبوط أسعار الأسهم بشكل حاد وجر مزيداً من
الإفلاس والتسريح والبطالة .
المعالجة :
اقتضى البدء بمعالجة الأزمة توافر السيولة المالية
لتحريك السوق ولتأمين السيولة وجب سحب الودائع الأمريكية من المصارف
العالمية وخصوصا الأوروبية . هذا الإجراء أسهم في انفراج الأوضاع
الاقتصادية الأمريكية إلى حد ما ولكنه أسهم في تدويل الأزمة فانتقلت إلى
سائر الدول الرأسمالية في العالم وخصوصاً بريطانيا و فرنسا و ألمانيا
وتبنى الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت سياسة اقتصادية جديدة تقوم على
الدخول في مشاريع كبرى بهدف تشغيل أكبر عدد ممكن من العمال لحل مشكلة
البطالة وتم لأجل ذلك إنشاء مكاتب التوظيف والتوسع في المشاريع الإنمائية
والاجتماعية .
النتائج :
تركت الأزمة الاقتصادية الكبرى تأثيراً كبيراً في الأنظمة الرأسمالية فقد
تحول النظام الاقتصادي الرأسمالي الحر إلى اقتصاد موجه وخضعت بعض القطاعات
الحيوية كشركة إنتاج الفحم الإنجليزية وشركة المترو الفرنسية لنظام
التأميم . كما تدخلت الدولة لتوجيه الصناعيين والمزارعين والمستثمرين
وتوعيتهم .
وأسهمت الأزمة في وصول الأنظمة الدكتاتورية إلى السلطة في بعض البلدان
كالنازية في ألمانيا . وأغلقت أسواق كثيرة في وجه التجارة العالمية وتوقف
التبادل التجاري واتبعت دول كثيرة سياسة الاكتفاء الذاتي مثل النظامين
الفاشي في إيطاليا والنازي في ألمانيا .
كما أن انهماك الكثير من الدول في معالجة أزماتها الاقتصادية جعلها تغفل
عن خطورة ما يجري على الصعيد العالمي من انتهاك لقرارات المنظمة الدولية
وعودة إلى مبدأ التسلح وخرق المعاهدات الدولية ولقد قوت الأزمة بطريقة غير
مباشرة النظام الشيوعي التي لم يتأثر بها بغض النظر عن أزماته الداخلية .
هكذا كانت الأزمة الاقتصادية الكبرى نتيجة من نتائج الحرب العالمية الأولى وسبباً من أسباب قيام الحرب العالمية الثانية .