تعارض الوقوف بعرفة قال أبو محمد رحمه الله:
538- حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا محمد بنمعاوية، حدثنا أحمد بن شعيب، أخبرنا إسماعيل بن مسعود، حدثنا خالد بنالحارث، عن شعبة، عن عبد الله بن أبي السفر، قال: سمعت الشعبي يقول: حدثنيعروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لأم الطائي، قال:
أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- بجمع
فقلت:هل لي من حج؟! فقال عليه السلام: من صلى هذه الصلاة معنا، ووقف هذاالموقف، حتى يفيض، وأفاض قبل ذلك من عرفات، ليلا أو نهارا؛ فقد تم حجه،وقضى
تفثه
.
539- حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا محمد بنإسحاق بن السليم، حدثنا القاضي أبو سعيد بن الأعرابي، حدثنا سليمان بنالأشعث، حدثنا مسدد، حدثنا يحيى (هو ابن سعيد القطان)، عن إسماعيل (هو ابنأبي خالد)، حدثنا عامر (هو الشعبي)، أخبرني عروة بن مضرس قال:
أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالموقف- يعني بجمع- فقلت: يا رسولالله جئت من جبلي طيئ، أكللت ، مطيتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبلإلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : منأدرك معنا هذه الصلاة، وأتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا؛ فقد تم حجه وقضىتفثه
.
فذهب إلى هذا: الشافعي وأصحابه وأبو حنيفةوأصحابه وجمهور الناس، فقالوا: من وقف بعرفات، في يوم عرفة بعد صلاةالظهر، ثم دفع منها نهارا؛ فحجه تام، إلا أن الشافعي وأبا حنيفة؛ قالا:وعليه دم !! قال أصحابنا: لا دم عليه، وحبه تام، لا داخلة فيه. وبه نأخذ.
وذهب مالك وأصحابه إلى أن حجه فاسد. وتعلل بعضهم:
540- بما حدثناه أحمد بن عمر بن أنس، حدثناعبد الله بن حسين بن عقال، حدثنا إبراهيم بن محمد، حدثنا محمد بن الجهم،حدثنا إبراهيم بن حماد، حدثنا أبو
عونبن عمرو بن عون، حدثنا داود بن حنين، حدثنا أبو هاشم رحمة بن مصعب الفراءالواسطي، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء ونافع، عن ابن عمر: أن رسول الله -صلىالله عليه وسلم- قال:
من وقف بعرفات بليل؛ فقد أدرك الحج، ومن فاته عرفات بليل؛ فقد فاته الحج
.
قال أبو محمد رحمه الله: لا يعارض الحديثالمتقدم، بمثل هذه البلية إلا جاهل، فهو ملوم لتكتمه بما لا يدري، أومعاند يدري سقوط هذا الحديث. فذلك لأن أبا عون بن عمرو، وداود بن حنين
ورحمة بن مصعب الفراء
؛لا يعرف من هو؟! وابن أبي ليلى سيء الحفظ، فلا يسع مسلما أن يحتج بمثل هذاوتعلل بعضهم بأن قال: معنى قوله عليه السلام في حديث عروة:
ليلا أو نهارا
كما قال تعالى:
ولا تطع منهم آثما أو كفورا
الإنسان:24 .
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا أقبح وأسوأ، لأنالمحتج بهذا؛ جمع الكذب على الله، والكذب على رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والتناقض، والحكم بلا دليل. أما الكذب على الله تعالى؛ فإنه حكم: على أنالله تعالى أراد بقوله:
آثما أو كفورا
إنماعنى: "آثما وكفورا", وهذا محال، لأنه على قوله الفاسد: إن الله تعالى لمينهه عن طاعة الإثم حتى يكون كفورا، وهذا كفر مجرد. فقاس هو على ذلك: أنمعنى "ليلا أو نهارا" أن لا أحدهما دون الثاني.
وأما الكذب على رسول الله -صلى الله عليهوسلم- فقطعه عليه: أنه أراد ليلا ونهارا، فأتى بلفظ ملبس على من سمعه،تعالى الله وتنزه رسوله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك. ومثل هذا من نقلالحروف اللغوية الموضوعة بمعان محدودة، لا يحل لمسلم أن ينقلها عن موضوعهافي اللغة إلا بدليل نص أو إجماع أو ضرورة حس.
وأما تناقضه فإنهم يقولون: إن وقف بعرفة ليلا،ولم يقف نهارا، فقد تم حجه، فبطل تأويلهم الفاسد في أن معنى مراده عز وجل:ليلا أو نهارا معا. وأقروا على أنفسهم بخلاف رسول الله -صلى الله عليهوسلم- على تأويلهم الكاذب، وعلى كل حال. وقال بعضهم: وقف رسول الله -صلىالله عليه وسلم- ليلا بها، فلا يجوز لأحد مخالفة فعله عليه السلام.
قيل لهم: فأوجبوا الوقوف بها نهارا، وإلا فلاحج، فإنما كان وقوف النبي -صلى الله عليه وسلم- بها بيقين نهارا.والأحاديث كلها- وقد ذكرناها، فلا معنى لإعادتها- تنبئ بأن النبي -صلىالله عليه وسلم- دفع منها حين غاب القرص، فأين الوقوف ليلا؟! ما في شيءمنها أنه وقف فيها بعد مغيب القرص أصلا، لا ما قل، ولا ما كثر. وإنما صحأنه عليه السلام دفع منها عند مغيب قرص الشمس، وليس الدفع وقوفا، فما صحقط أنه عليه السلام وقف بها ليلا أصلا. فمن قال ذلك؛ فليتق القول بما لاعلم به، فهو عند الله عظيم.
فإن قالوا: قد أجمعنا كلنا أن من وقف ليلا فقدأجزأه، واختلفنا فيمن وقف نهارا، فيجب أن لا نخرج مما اتفقنا على وجوبهإلا باتفاق على أدائه.
وقيل لهم- وبالله تعالى التوفيق-: هذا تمويهزائف، وينبغي لكم أن تلتزموا هذا في قولنا: إن من لم يدرك- من الرجال-صلاة الصبح بمزدلفة صبيحة يوم النحر، ومن لم يقف بمزدلفة ليلة النحر، منالنساء؛ فلا حج له. فنقول: قد اتفقنا: على أن من وقف بمزدلفة- كما ذكرنا-فقد تم حجه، واختلفنا فيمن لم يقف كذلك. فقلنا نحن: لا حج. وقلتم أنتم:حجه تام. فيلزمكم- على ما التزمتم- أن تقولوا بقولنا بذلك.
فلا مخرج مما اتفقنا على وجوبه إلا باتفاقآخر، وهذا إذا التزمتموه أفسد عليكم جميع مذهبكم، إلا القليل من مسائلكمجدا. فصح بما ذكرناه ما قلناه، وما نعلم- من إيجاب من أوجب الدم على منوقف بعرفة نهارا، ولم يقف ليلا- معنى، ولا دليلا بوجه. وبالله تعالىالتوفيق.
541- حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا محمد بنمعاوية، حدثنا أحمد بن شعيب، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا وكيع، حدثناسفيان الثوري، عن بكير ابن عطاء، عن عبد الرحمن بن يعمر
الديلي،قال: شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرفة، وأتاه ناس من أهلنجد، فسألوه عن الحج، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
الحج عرفة. فمن أدرك ليلة عرفة قبل طلوع الفجر، من ليلة جمع؛ فقد تم حجه
.
قال أبو محمد رحمه الله: فشغب بهذا قوم في أن الوقوف بعرفة فرض، وأن الوقوف بمزدلفة ليس بفرض
.
قال أبو محمد رحمه الله: ولا حجة لهم، لأنهميقولون: إنه بقي عليه من فروض حجه ما إن لم يأت به، بطل حجه، وهو طوافالإفاضة. فيقال لهم: قد زدتم على هذا الحديث فرضا ليس فيه.
فإن قالوا: زدناه بنص آخر!! قيل لهم: وكذلكنحن أيضا زدنا على ما فيه فرضا، وجمرة العقبة، بأخبار صحاح، وقد ذكرنا فرضالمزدلفة في صدر هذا الباب. وذكرنا فرض الجمرة في خطبته عليه السلام بمنى.وبالله تعالى التوفيق.