تفسير أحاديث من الأربعين النووية :الحديث الرابع والعشرون
الحديث الرابع والعشرون:
عن
أبي ذَرٍّ الْغِفاريِّ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما
يَرْويهِ عن رَبِّهِ عَزَّ وجَلَّ أَنَّهُ قال: " يا عِبادي إنِّي
حَرَّمْتُ الظُلْمَ على نَفْسِي وَ جعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً فلا
تَظَالَمُوا.
يا عِبادي كُلُّكُمْ ضالٌّ إلا مَنْ هَدَيْتُهُ، فاسْتَهدُوني أهْدِكُمْ.
يا عِبادِي كُلُّكُمْ جائعٌ إلا مَنْ أطْعَمْتُهُ، فاسْتَطْعِمُوني أُطْعِمْكُم.
يا عِبادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إلا مَنْ كَسَوْتُهُ، فاسْتكْسوني أَكسُكُم.
يا عِبادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بالليْلِ والنَّهارِ، وأنا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَميعاً، فاسْتَغْفِرُوني أُغْفِر لكُمْ.
يا عِبادِي إِنَّكُمْ لنْ تبْلغُوا ضَرِّي فتَضُرُّوني، ولن تبْلُغُوا نفْعي فَتَنْفعُوني.
يا
عِبادِي لوْ أَنَّ أَوَّلكُمْ وآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وجِنَّكُمْ كانُوا
عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ واحدٍ مِنْكُمْ ما زادَ ذلك في مُلْكي شَيئاً.
يا
عِبادِي لوْ أَنَّ أَوَّلكُمْ وآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وجِنَّكُمْ كانُوا
عَلَى أَفْجرِ قَلْبِ وَاحدٍ مِنْكُمْ ما نَقَصَ مِنْ مُلْكي شَيئاً.
يا
عِبادِي لوْ أَنَّ أَوَّلكُمْ وآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وجنَّكُمْ قاموا في
صَعِيدٍ، فَسَأَلُوني، فأَعْطَيْتُ كلَّ واحدٍ مَسْأَلَتَهُ ما نَقَصَ ذلك
مِمَّا عِنْدِي إلا كما يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إذا أُدْخِلَ الْبَحْرَ.
يا
عِبادِي إنَّما هي أعمَالكُمْ أُحْصِيها لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ
إيَّاها، فَمَنْ وَجَدَ خيْراً فَلْيَحْمَدِ اللهَ، ومَنْ وَجَدَ غَيْرَ
ذلك فَلا يَلومَنَّ إلا نَفْسَهُ" رواه مسلم.
مفردات الحديث:
"حرمت
الظلم": الظلم لغة: وضع الشيء في غير محله. وهو مجاوزة الحد أو التصرف
فيحق الناس بغير حق. وهو مستحيل على الله تعالى. ومعنى حرمت الظلم على
نفسي : أي لا يقع مني، بل تعاليت عنه وتقدست.
"ضال": غافل عن الشرائع قبل إرسال الرسل.
"إلا من هديته": أرشدته إلى ما جاء به الرسل ووفقته إليه.
"فاستهدوني": اطلبوا مني الهداية.
"صعيد واحد": أرض واحدة ومقام واحد.
"المِخْيط": بكسر الميم وسكون الخاء، الإبرة.
"أُحصيها لكم": أضبطها لكم بعلمي وملائكتي الحفظة.
"أوفيكم إياها": أوفيكم جزاءها في الآخرة.
المعنى العام:
تحريم الظلم على الله:
ولفظ
الحديث صريح في أن الله عز وجل منع نفسه من الظلم لعباده: "إني حرمت الظلم
على نفسي"، وهو صريح في القرآن الكريم أيضاً، قال تعالى: {وما أنا بظلامٍ
للعبيد} .
تحريم الظلم على العباد:
حرم الله عز وجل
الظلم على عباده، ونهاهم أن يتظالموا فيما بينهم، فحرم على كل إنسان أن
يظلم غيره، مع أن الظلم في نفسه محرم مطلقاً. و الظلم نوعان:
الأول:
ظلم النفس، وأعظمه الإشراك بالله، قال تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم}، لأن
المشرك جعل المخلوق في منزلة الخالق وعبده مع الله تعالى المنزه عن الشريك.
ويلي ظلم الإشراك بالله المعاصي والآثام الصغيرة والكبيرة، فإن فيها ظلماً للنفس بإيرادها موارد العذاب والهلاك في الدنيا والآخرة.
الثاني
: ظلم الإنسان لغيره، وقد تكرر تحريمه والتحذير منه في أحاديث النبي صلى
الله عليه وسلم، ففي الصحيحين، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن الظلم ظلمات يوم القيامة".
الافتقار إلى الله:
والخلق
كلهم مفتقرون إلى الله في جلب المصالح ودفع المضار في الدنيا والآخرة، فهم
في حاجة ماسة إلى هداية الله ورزقه في الدنيا وهم بحاجة إلى رحمة الله
ومغفرته في الآخرة، والمسلم يتقرب إلى الله عز وجل بإظهار الحاجة
والافتقار، وتتجلى عبوديته الحقة لله رب العالمين في إحدى الصور الثلاث
التالية:
أولاً: بالسؤال، والله سبحانه وتعالى يحب أن يُظْهِرَ
الناسُ حاجتهم لله وأن يسألوه جميع مصالحهم الدينية والدنيوية: من الطعام
والشراب والكسوة، كما يسألونه الهداية والمغفرة.
ثانياً: بطلب الهداية.
ثالثاً: بالامتثال الكامل، وذلك باجتناب كل ما نهى الله تعالى عنه، وفعل كل ما أمر الله تعالى به.
المصدر:
الموسوعة الإسلامية المعاصرة
إقرأ أيضا شرح الحديث في المواقع التالية:
الشبكة الإسلامية
موقع جامع شيخ الإسلام ابن تيمية