في أحكام الأضاحي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-
فهذا
فوائد قيمة مقتبسة من كتاب بعنوان ( تنوير العينين بأحكام الأضاحي
والعيدين ) للشيخ أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني ، حول : جواز ذبح
المرأة والصبي والأعمي الأضحية ، وهل يشترط حضور أهل البيت عند التضحية مع
تصرف بسيط .. مع بعض الآدب التي تتبع في أثناء ذبح الأضاحي .. أعيد نشرها
مرة أخرى .. والله من وراء القصد ..
قلت : أما ذبح المرأة فجائز ، وكذا
الصبي إن قدر على ذلك وأحسنه ، وأما الأعمى فذبحه مكروه ؛ لأنه قد يضر
بالذبيحة . انظر : مغني المحتاج ( 6 / 124 – 125 ) والله أعلم .
وأما
حضور أهل البيت عند التضحية ، وكذا حضور المضحي ، فلا أعرف دليلاً في
استحبابه ، إلا أمر النبي صلى الله عليه و آله وسلم لفاطمة أن تحضر
أضحيتها ، ولا يصح كما في حديث عمرو بن الحصين وأبي سعيد ومرسل الزهري .
انظر : المنتخب لعبد بن حميد برقم ( 78 ) و الأصبهاني في الترغيب ( 355 )
والبيهقي ( 9/283) وعلقه في (5/239 ) .
وقد وصل الأمر في بعض البلدان
إلى بدع ومحدثات : كمن يوضئ الأضحية قبل ذبحها ، ومن يطوف حولها ، أو
يتخطاها هو وأهل بيته قبل ذبحها ، ومن يهلل ويكبر بصوت جماعي مع أهل بيته
حال الطواف حولها ، ونحو ذلك من المحدثات التي سببها انتشار الأحاديث التي
لا خطام لها ولا زمام ، وقد رحم الله أهل الأثر بحسن الاتباع ونسأل الله
القبول و حسن العاقبة والله تعالى أعلم .
وهذه بعض الآداب التي تراعى أثناء الذبح ..
قال النووي رحمه الله في المجموع (8/408) : .. بيان آداب الذبح وسننه سواء في ذلك الهدي والأضحية وغيرهما ، وفيه مسائل :
( أحدها ) : يستحب تحديد السكين وإراحة الذبيحة .. اهـ .
قلت
: والدليل ماجاء في صحيح مسلم برقم ( 1955 ) من حديث شداد بن أوس قال :
ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : ( إن الله
كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة ، وإذا ذبحتم
بأحسنوا الذبح ، وليُحدَّ أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته ) .
( الثانية ) يستحب إمرار السكين بقوةٍ وتحاملٍ ذهاباً وعوداً ، ليكون أوجى وأسهل . اهـ .
( الثالثة ) :
استقبال الذابح القبلة ، وتوجيه الذبيحة إليها ، وهذا مستحب في كل ذبيحة ،
لكن في الهدي والأضحية أشد استحباباً ؛ لأن الاستقبال في العبادات مستحب ،
وفي بعضها واجب .. اهـ .
قلت : وقد ورد في استقبال القبلة عند الذبح عن ابن عمر وغيره :-
1-
أثر ابن عمر : أخرجه مالك في الموطأ ( ص 294 – 295 ) عن نافع عن ابن عمر
أنه كان إذا أهدى هدياً من المدينة ، قلده وأشعره بذي الحليفة ، يقلده قبل
أن يشعره وذلك في مكان واحد ، وهو موجه للقبلة ، يقلده بنعلين ويشعره من
الشق الأيسر ثم يساق معه حتى يوقف به مع الناس بعرفة ، ثم يدفع به معهم
إذا دفعوا فإذا قدم منى غداة النحر نحره قبل أن يحلق أو يقصر ، وكان هو
ينحر هديه بيده ، يصفهن قياماً ويوجههن إلى القبلة ثم يأكل ويطعم . وهذا
سند صحيح .
2- وعند عبدالرزاق (4/489 ) عن معمر عن أيوب عن نافع أن ابن عمر كان يكره أن يأكل ذبيحة إذا ذبحت لغير القبلة . وهذا سند صحيح .
3-
أثر ابن سيرين : من طريق أيوب وأشعث بن سوار ، كلاهما عن ابن سيرين قال :
كان يستحب أن توجه الذبيحة إلى القبلة . عبد الرزاق (4/490) وسنده صحيح .
ومن الآداب أيضاً : ما قاله النووي في المجموع (8/408 ) ويستحب أن ينحر البعير قائماً على ثلاث قوئم معقول الركبة وإلا فباركاً . اهـ .
قلت
: والدليل على ذلك ما جاء عند البخاري برقم ( 1713 ) ومسلم برقم ( 1320 )
من حديث ابن عمر أنه أتى على رجل قد أناخ بدنته ينحرها ، فقال : ابعثها
قياماً مقيدة ، سنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم …
قال النووي : ويستحب أن يضجع البقر والشاة على جنبها الأيسر .. اهـ .
قلت
: ودليله : حديث عائشة كما عند مسلم برقم ( 1967 ) وفيه : ( اشحذيها بحجر
) ففعلت ، فأخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه .. الحديث . والظاهر أنه
اضجعه على شقه الأيسر ليستقبل به القبلة ، وليكون ذلك أمكن للذبح – غالباً
– وقد مضى العمل بإضجاعها على الشق الأيسر ، قاله القرطبي في المفهم
(5/362) .
ويستحب أن يقول في الضحية : اللهم هذا عني وعن آل بيتي أو
عن آلي وآل فلان ، كما ورد نحوه عند مسلم برقم ( 1967 ) عندما ضحى النبي
صلى الله عليه وآله وسلم .
وقد قال الجمهور بجواز ذلك وكرهه أبو
حنيفة وكره مالك قولهم : اللهم هذا منك وإليك ، وقال : هذه بدعة . واجاز
ذلك ابن حبيب والحسن . اهـ من كلام القرطبي في المفهم (5/363) .
وبنحوه
قال المقدسي في المغني (11/117 ) مع خلاف يسير ، وقال في قول الخرقي :
وليس عليه أن يقول عند الذبح عمن ، لأن النية تجزئ ، قال المقدسي : لا
أعلم خلافاً في أن النية تجزئ ، وإن ذكر من يضحي عنه فحسن ، لما روينا من
الحديث . اهـ .
مسألة : إن كان عند المضحي عدة أضاحي ، فهل يفرقها على أيام الذبح ، أو يذبحها جميعاً في يوم واحد ؟
الجواب :
إن كان ذبحها جميعاً يؤول إلى التلف والضياع ، فليفرقها ، وإلا فالأولى
المسارعة بذبحها جميعها ، كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حيث
ذبح هو وعلي رضي الله عنه مائة بدنة ، كما في حديث جابر الطويل عند مسلم
برقم ( 1218 ) وانظر كلام النووي في المجموع ( 8 / 424 ) والله أعلم .